كتاب عربي 21

اعرف جماعتك!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
هناك ثورة غضب على "إبراهيم منير"، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، بعد مداخلته على قناة "الجزيرة مباشر"، على خلفية رسائل السجون!

ثورة الغضب هذه في جانب منها، ترجع إلى تصورات خاطئة، وكما لو كانت الجماعة تمتنع عن قبول المصالحة مع النظام وتقديم التنازلات اللازمة، لإخراج الشباب من السجون. وكثير من ردود الفعل مردها إلى الغضب، دون أن يتوقف الغاضبون ويردوا على سؤال: ماذا يريدون؟!

المسكوت عنه أن الجماعة لم تتلق أي مبادرات من النظام، الذي لم يطلب شيئاً كبيراً أو صغيراً مقابل الإفراج عن المعتقلين؛ لأن النظام الانقلابي لن يقبل بأي تنازلات، ولو كانت باعتزال العمل السياسي والدعوي، بل وحل الجماعة، فمن أين للسيسي بشماعة يعلق عليها فشله إلا بوجود أهل الشر، وكيف يمكن للدوائر الإقليمية أن تحرص على استمراره في الحكم، بعد انتهاء مهمته المكلف بها بقطع دابر الإخوان؟ وهو (السيسي) ليس خيارهم الاستراتيجي لحكم مصر، لكنه الخيار الوحيد لتنفيذ هذه المهمة، فلو عاد مبارك نفسه للسلطة، فلن يندفع في اتجاه استئصال الجماعة بشكل كامل!

التنظيم هو الباقي:

والقيادة لا يمكنها أن تعلن هذه الحقيقة المرة بوضوح، لإدراكها أنه في حالة اليأس من وجود أمل في صفقة، سيفقدون سيطرتهم على مقاليد الأمور، وهم الذين قرروا منذ البداية العمل لصالح التنظيم، بعد فقد السلطة، باعتباره الباقي، أو الذي ينبغي أن يبقى، أما السلطة فهي إلى زوال، إن لم يكن عاجلا فآجلا!

كان يمكن أن نلحظ هذه منذ اليوم الأول للانقلاب، عندما تم تغييب حزب "الحرية والعدالة"، حزب الرئيس محمد مرسي الذي استوفى من خلاله شروط خوض الانتخابات الرئاسية، وكان خصوم الجماعة يقولون إن القرار في يد الجماعة، وأن الحزب هو كيان بلا قيمة، وكان الإخوان ينفون ذلك، لكن بوقوع الانقلاب أكدوا صحة ما قيل، فتبخر الحزب، وظهرت الجماعة؛ لأن المهمة هنا كانت الحفاظ على التنظيم الذي تمدد في المشهد السياسي، فما لا يدرك كله لا يترك جُله!

وعندما اتصل المجلس العسكري بالدكتور سعد الكتاتني، بصفته رئيس حزب الحرية والعدالة، لحضور مراسم دفن الديمقراطية، رفضت الجماعة حضوره؛ لأن الأمر وإن كان في جانب منه رفضاً للانقلاب، فهو في جانب آخر تأكيد على أن من يريد أن يتعامل، فإن الحزب ليس هو الجهة المنوط بها استلام الرسائل، وينبغي أن يأتوا البيوت من أبوابها، وليس هناك إلا باب واحد هو باب الجماعة.

التنظيم يدرك أن قبول الجلوس في مراسم الدفن لن يمنع من تصفية الجماعة، فالانقلاب يستهدفها بشكل شخصي، تنفيذاً لأجندات إقليمية: سعودية وإماراتية، وإسرائيلية بدرجة أقل. وبعيداً عن خطاب المنصة الزاعق، حيث كان معظم الخطباء كالأطرش في الزفة، فإن وجود الاعتصام لم يمنع من الأخذ والرد، ومن وجود حوار وتفاهمات، ولم يكن من الجائز، لأسباب تتعلق بالحفاظ على قوة التنظيم، أن يتم الإعلان عن هذه التفاهمات، إذ لانفض الناس من حوله، ولما أمكن له الحفاظ على ذاته بعد انصراف الجماهير، وعندما تم الفض بهذا الشكل الإجرامي، كان هذا خروجا على التفاهمات؛ لأن ملك السعودية أرادها حربا، وقطع دابر، وقطع عرق وإراقة دمه!

وهنا، لم يكن من الجائز إخطار الجماهير بأن هذا الاعتصام كان بهدف الضغط للوصول إلى تفاهمات تمكّن من الخروج الآمن للتنظيم، والثمن المدفوع باهظ ومن لحم الحي، فمن يتحمل فاتورته؟!

نقطة ومن أول السطر:

واللافت أن القيادة تركت (لهذا) من يهاجمونها يواصلون هجومها، عندما يتهمونها بالعناد، وأنها دعت للاعتصام، وكان عليها أن تقبل بالانقلاب، على طريقة نقطة ومن أول السطر!

في الحقيقة أن هذه كانت نصيحة أردوغان، ربما لأنه كان متأثراً بالحالة التركية، فبعد عدة انقلابات عسكرية، كان حزب الإسلاميين يخضع لقرار التجميد ويؤسسون حزباً جديداً، حتى نجحت إرادة الجماهير، بعد مخاض عسير، في أن تطوي صفحة الانقلابات العسكرية. وهناك في الداخل من يتبنون وجهة النظر هذه، من أمثال الشيخ حازم أبو إسماعيل والمستشار محمود الخضيري، لكن التجربة المصرية كانت مختلفة، فتركيا لم تكن تعرف في مرحلة الحكم العسكري تزوير الانتخابات، والانقلاب في مصر لم يكن يرضى بتقليد تركيا، إلا في اتجاه أن يمر بسلام وبأقل الخسائر، والدليل أنه لم يستثن أصحاب وجهة النظر هذه من البطش والتنكيل والاعتقال، وقد كان يريد استثمار وجود الكتاتني لمسافة السكة ليس أكثر.

ماذا كنت تريد من التنظيم أن يفعل؟!

هذا سؤال أوجهه للمقربين من الجماعة بشكل أو بآخر، وهم الآن في حالة رفض مطلق لكل ما فعلته القيادة، ومشكلتهم أنهم يرون أن الجماعة أخطأت عندما تبنت انتفاضة الشعب ضد الانقلاب، عندما كان هذا هو المعلن!

لا بأس، التنظيم كان قد دخل في تفاهمات، ومفاوضات قام بها وسطاء، لكن قائد الانقلاب العسكري قام بوأدها، واستغراق التنظيم في هذه التفاهمات منعه من أن يضع تصورا لما ينبغي فعله إذا تم فض الاعتصام. فعندما حدث الفض وقعوا في "حيص بيص"، وثبت أنهم لم يضعوا حتى خطة لهروب القيادات، فقد هرب بعضهم في شقق مملوكة لبعضهم، مما أمكن من رصدهم وإلقاء القبض عليهم في مشهد بائس ومؤلم، وكاشف عن "الخيبة الثقيلة"؛ التي يقلل من جرعتها أنهم كانوا في طريق التفاهمات لا يتوقعون الغدر بهم مع أنهم جرّبوا غدر الغادر لأكثر من مرة، وفي كل مرة كانوا يظنون أنه غدر الاستثناء وليس جزءا من طبيعة شخصيته.

في الصورة:

لا بأس، فالغاضبون بنوا استراتيجية غضبهم من "القيادة" على أنها لم ترض بالتنازل عن الشرعية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهم في الحقيقة غاضبون أولاً ثم يبحثون عن مبرر موضوعي لهذا الغضب!

الآن، وبعد أن يتأكدوا من جود التفاهمات، سيذهبون للقول: ولماذا لم تضع القيادة الجماهير في الصورة، ليؤمن بأهمية الاعتصام من يؤمن على بيّنة، ويكفر به من يكفر على بيّنة؟ وهنا نأتي للموضوع من أوله، فالقيادة اعتصمت بالجماهير حفاظاً على التنظيم، ولك أن تتصور أن يصعد المرشد العام للجماعة منصة رابعة، ويخبر المعتصمين بوجود مفاوضات، وأنه قد تنتهي بانتخابات رئاسية مبكرة، فماذا سيكون رد الفعل؟!

ليس كل الذين رفضوا الانقلاب من الإخوان، والتفافهم حوله قياداتها هو من باب أنهم "أصحاب الليلة"، فإذا تخلوا عنها، فقد يجد البعض في هذا سلوى له، لكن ليس مضمونا أن يغادر الجميع إلى بيوتهم، فإن معناه أن تفقد الجماعة السيطرة على المشهد، بل وعلى كثير من أنصارها، ولم يكن من سلطة قيادات الجماعة أن يعطوا قرار انتهاء المظاهرات، والجلاء من مباني المحافظات ومديريات الأمن، فماذا لو انتصرت الجماهير في فرض إرادتها، وفي كسر إرادة الانقلاب؟ أعتقد أن الجماعة ستكون قد كتبت شهادة وفاتها بأيدي قياداتها، ولعاملتها الجماهير المنتصرة معاملة قاسية.

والقيادة لم تكن لتقبل هذا حتى لو كانت النتيجة عودة الشرعية، فماذا ستستفيد إن حكم مرسي الشخص، وليس مرسي الإخواني؟ وماذا يفيدها انتصار الفكرة وهزيمة التنظيم؟!

فالتنظيم عند الإخوان هو الأهم من الفكرة، وقياداتك لم تتغير، بيد أنك من تغيرت!

الإخوان جماعة إصلاحية، وليس هذا عيباً، لكن العيب أن يتصدر المشهد في الثورة الإصلاحيون، تماما كما أن الخطأ أن يتصدر الثوار المشهد في زمن الإصلاح. ومعضلة ثورة يناير أن من قام بها إصلاحيون وليسوا ثواراً، بما في ذلك الشباب المنتمي للقوى المدنية الذين يتحدثون الآن بلسان الحكمة، ويأخذون على قيادة الإخوان أنها تخلت عن المعتقلين من الجماعة، وأنهم خُدعوا من العسكر، في حين أنهم ضُربوا على أقفيتهم ولم يضعوا خطة لتحرير معتقليهم.. دعنا منهم الآن!

لكنك تغيرت:

من حسن حظ الإخوان أنهم جماعة كبيرة، فيها الثوري والإصلاحي، وفيها الدعوي والسياسي، وفيها السلفي والصوفي، لكنها لا تعتمد سوى أهل الثقة في الحرب وفي السلم، وهم لم يتغيروا ولكنك من تغيرت!

ولم يكن وجود الدكتور محمود حسين في الخارج ليقوم على أمر الجماعة خطأ مطبعيا غير مقصود، فقد كلفته القيادة بالسفر أثناء الثورة، كما أرسلته بعد الانقلاب، وفي الأولى والثانية كانت تعمل حساب الفشل، فكان يهمها أن تحافظ على التنظيم، وكان هو في الحالتين هو خيارها المهم. فلم يتم إرسال الدكتور محمد البلتاجي، أو الدكتور عصام العريان، ولم يكلف الدكتور حلمي الجزار بالمهمة، بعد نجاحه في الهروب للخارج.. فألا يعني هذا بالنسبة لك شيئاً؟!

فلماذا هذا الشعور بالمفاجأة؟ هذا تنظيمك الذي أنت فيه، أو كنت فيه، هل ظلمك أم ظلمت نفسك بأن أردته تنظيما يتسق مع تحولاتك أنت وليس تحولاته هو؟ هو لم يتحول! تماما كما كان هناك من هم دراويش الشيخ محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، وعمرو خالد، ثم يفاجأون الآن بأنهم لا ينتقدون السلطة ولا يهاجمون الأنظمة. وهل كانوا على خط النار في مواجهة الأنظمة عندما كنت تشد الرحال إليهم؟ فما هو سر الإحساس بالدهشة التي تقود إلى الشعور بالقهر، وأنت كنت وقتها تبحث عن التدين الآمن، ووجدت فيهم ضآلتك، وكذلك كان اختيارك للإخوان؟!

فاعرف جماعتك أثابك الله.
التعليقات (3)
هيمن الخطابي
السبت، 24-08-2019 02:54 ص
2- ولا ننسى أو نتناسى أن مجموعة من شباب الإخوان انفصلوا وأسسوا حزب الوسط، وآخر من قياداتهم الواعدة المستقيلة أسس حزب مصر القوية، فكيف أصبحوا؟.. وأين تبخر شباب تمرد وجماعة 6 أبريل الذين قالوا أن الثورة ثورتهم وأن الإخوان اختطفوها منهم، وأنهم قوة مصر الشبابية القادمة لتكتسح الجميع، فلما اعتقل حفنة منهم، لم يقل لهم أحد أنهم قد خدعوا شبابهم ثم تركوهم في المعتقلات.
هيمن الخطابي
السبت، 24-08-2019 02:52 ص
1- إلى أين تبخر حزب الحرية والعدالة؟ ..اضحكتنا يا عم عزوز، وهل في مصر أحزاب أصلاً حتى تتبخر؟ اخبرنا أنت أين تبخر حزب الأحرار؟ وحتى لا نشخصن الموضوع، فأين حزب الكرامة أو الناصري أو العمل أو الوفد أو التجمع أو حزب ساويرس أو حزب الغد جبهة أيمن نور!!.. وأين أشاوس قيادات جبهة الإنقاذ؟ وما يسمى هزلاً بأحزاب تناهز المئة. وكيف تبخر الحزب الوطني الديمقراطي وكوادره الذين امتلكوا البلاد والعباد، بل أين ذهب الاتحاد الاشتراكي العربي بكهنته وميثاقه ومنظريه ومعتنقي عقائده وتنظيمه الطليعي والشبابي بشعبيته الجارفة.
مصري جدا
الجمعة، 23-08-2019 05:29 م
استاذ سليم ،، هل من الممكن ان تكون الكتابة هدف في ذاتها ،،، اقرؤوا ان شئتم ،،،، لماذا أكتب ،، للمبدع جورج اورويل ،،،