مقالات مختارة

قصف الكيان الصهيوني للعراق ليس وجهة نظر

هيفاء زنكنة
1300x600
1300x600

الكيان الصهيوني يقصف مواقع منتقاة في العراق. ما كان سيشكل جريمة شخصية ووطنية لا تغتفر ضد كل مواطن عراقي، أيامنا، بات اليوم «وجهة نظر»، كما كان الاحتلال لديهم أنفسهم، تناقش على منصة مرفوعة خارج البرلمان للاستهلاك السريع وامتصاص الغضب، بتصريحات سياسية منمقة، سرعان ما تم وضعها في خانات التقسيم الطائفي والعرقي الجاهزة. فهل تجذرت هذه التقسيمات وأصبحت أعمق مما نظن فعلا؟ للتوضيح، لنأخذ نموذجا مصغرا.


من الشائع، على صفحات التواصل الاجتماعي، تبادل التهاني بالأعياد ومناسبات نجاح الابناء، والاحتفاء بما يحققه الاصدقاء وابناء الوطن الواحد عموما. فما ان تفوز فتاة بشهادة رياضيات، مثلا، في بلد أوروبي، أو ان ينجز شاب ورقة بحث، حتى نسارع الى تهنئة بعضنا البعض بالفوز. وهذا أمر طبيعي في مواقع كانت مهمتها، في البداية، تشجيع التواصل ومشاركة الافراح والاتراح. الا ان صيغة التعامل تغيرت حتى فيما يتعلق بتحقيق الانجازات الفردية. اذ برزت، في الآونة الاخيرة، ظاهرة جديدة، بين المتواصلين العرب والعراقيين خاصة. وهي ظاهرة خطيرة، في زمن تقسيم البلدان وتفتيت الهوية، وان بدت بريئة الغاية. إذ لم يعد ناشرو أخبار النجاح والتفوق، حتى لو كان الانجاز تفوقا مدرسيا في مرحلة الطفولة (الابتدائية والمتوسطة)، يكتفون بذكر اسم الشخص ونشر صورته ودرجة نجاحه، بل وإضافة قوميته ودينه ومن ثم الاسترسال في تفصيل مدى تعرض طائفته ومنطقته للعنف. وكيف أنه حقق النجاح على الرغم من ذلك كله. وغالبا، ما يلي نشر الخبر السعيد، بهذه الصيغة، تعليقات تزيد من جرعة التمييز الديني والقومي والطائفي، بلغة يُستدل منها ما هو أبعد من التهنئة بالنجاح. فهل يعكس هذا درجة تغلغل العنصرية الطائفية/ الدينية/ العرقية، في النفوس؟ والى أي حد ستؤثر هذه اللغة وصياغتها في تكوين الهوية الفردية للطفل أو الشاب، صاحب الانجاز، وانعكاسها على الهوية الجماعية للمجتمع، مستقبلا؟


هناك عدة مستويات لقراءة هذه الظاهرة. فالاحتفاء بالنجاح المدرسي حدث مجتمعي تقليدي يعتز به الأهل والاصدقاء يصل الى حد اقامة الحفلات واستقبال المهنئين ومنح الناجح الهدايا. فنشر اسم الناجح ـ المتفوق وصورته، يحملان في داخلهما، مسبقا، النجاح في التواصل مع الآخرين والاستجابة التلقائية، بلا حواجز، للصورة والحدث.


فالقارئ مهيأ، بحكم الموروث المجتمعي، للتعاطف، فهو يعرف جيدا معنى الاحتفاء بالنجاح وبوده المشاركة بفرحة الاهل والاصدقاء. تجعل، هذه الخلفية، من السهل جدا على من يرغب بتمرير رسالة معينة القيام ذلك. وهنا يأتي دور اللغة. ولا أعني تعدد اللغات بين قوميات مختلفة في البلد الواحد، حيث احتمال سوء الفهم موجود، بل استخدام اللغة الواحدة، ولكن بالتمايز في المفردات للدلالة على ذات الحدث. وهنا تكمن خطورة تناقل الاخبار وفق هيكلة لغوية جاهزة، بدون التمعن بدلالة المفردات، وامكانية تسخيرها للتشظي، حتى حين تستخدم لنقل خبر بسيط، هدفه الظاهر والمعلن تجميع الناس. فما هي ضرورة الاشارة الى ان المتفوق في امتحانات الاعدادية هو يزيدي أو كردي أو تركماني، ثم التشعب نحو المذهب بطريقة من الطرق، مع ملاحظة عدم استخدام مفردة «العراقي»؟ قارنوا ذلك بنشر صورة طالبة فلسطينية وقد كتب تحتها «الطالبة الفلسطينية شروق دويات، حكمت 16 سنة في سجن اسرائيلي». فلسطين، هنا، هي الهوية.


اليس الأجدى نشر صورة المتفوق واسمه واسم مدرسته، ومدح وتكريم مدرسيه؟


طالما استخدم السياسيون اللغة كسلاح للدعاية والتحريض والتسويغ سواء اثناء الحملات الانتخابية أو أثناء الحروب. وهم الأكثر حرفية ومهارة في الاستخدام الممنهج للغة الاقناع وتمرير المعلومات ذات الاجندة المدروسة «فاللغة السياسية مصممة لتبدو الاكاذيب حقيقة والجريمة محترمة، وما هو هوائي صلب، وينطبق هذا على كل الاحزاب السياسية من المحافظة الى الفوضوية» حسب الكاتب الانكليزي جورج اورويل.


الأمر الذي يضع على كاهل المواطن العادي مسؤولية كيفية تلقي المعلومات واستيعابها، والاكثر من ذلك، مسؤولا عن تدويرها، في عصر شبكات التواصل الاجتماعي المشجعة على التدوير بدون تمحيص أو تدقيق للمعلومات، خاصة عند وجود صورة تستقطب الاهتمام أكثر من اللغة المصاحبة لها.
يساهم التدوير السريع، لأخبار بلغة ذات دلالة معينة، الى تصنيع هوية معينة، تتدرج باستخدام مفردات دالة ثقافيا، بالإمكان تشبيهها بلغة الازياء أو اللحى، وان كانت اللغة أعمق بكثير.


فالمسلم المتدين، مثلا، يكتب عند وفاة شخص ما «الله يرحمه»، أما غير المتدين/ العلماني فيقول «لروحه السلام». ويلاحظ، في اوقات النزاع والصراع الاهلي، أو تسنم فئة معينة للسلطة، تغييرا في المفردات ذات العلاقة بالهوية، لتصبح مفردات وطريقة نطق الجهة الأقوى هي السائدة. بالإضافة الى نمو الفجوة الدلالية الواضحة – الانقسام في معنى الكلمات، مما يؤدي، تدريجيا، الى تفتيت الهوية الموجودة.


قد يكون تقديم صورة المتفوق مصحوبة بتحديد القومية أو الدين أو المذهب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر رموز تٌصنع هوية – هويات بديلة، تطبيقا لما يعرف بسياسات الهوية، والذي نراه بأوضح صوره في منظمات المجتمع المدني، حيث يتم تحديد الهوية التي يستند عليها عمل المنظمة، حسب العرق أو الدين أو الجنس أو الإثنية أو الأيديولوجية…الخ. ويكمن الخطر الأكبر في الأجندات السياسية المرافقة لتصنيع الهويات، بعيدا عن المحيط الاجتماعي ـ الثقافي، والمؤدية الى تقسيم البلد وتخريب المشترك التاريخي الحضاري وفق « المظلومية» الدينية أو المذهبية أو العرقية.


وتكتسب اللغة خصوصية فارقة عندما ترتبط بايديولوجيا حزب أو تيار سياسي. والامثلة كثيرة في معاناة العراق والمنطقة، خلال حوالي اربعة اجيال، من تيارات ايديولوجية مزقت النسيج الاجتماعي الغني بخلطته التاريخية المتبدية في تركيبة كل عائلة على الإطلاق. فالتيارات القومية العربية، مثلاً، تاجرت بمفاهيم عنصرية واصول قبلية نقية تقصي ولا تجمع، تحت شعارات الوحدة، وجاءت التيارات الإسلامية بالتقسيم الطائفي الاكثر خطورة، بالتكفير المتبادل، وباستدعاء المقدسات المزعومة وغير المزعومة، وفقدت التيارات العلمانية اليسارية، ومنها الحزب الشيوعي مثلا، بعد عقود من تمثيلها الصراع الوطني ضد الاستعمار مع النضال لتحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة البعيدة عن العنصرية والمذهبية، هذا التميز نتيجة فقدانها التدريجي للاستقلالية.


ليست هناك براءة في اللغة. فكل مفردة محملة بالمعاني، وتعتمد على كيفية استخدامها، لا لفهم الماضي والحاضر ولكن، وهذا هو الاخطر، في حال البلدان المهددة بالتقسيم المجتمعي، في تصنيع الذاكرة لمن سيحل محلنا مستقبلا. وقد يكون الطفل المحتفى بنجاحه هو حامل ذاكرة ما يوصف به حاليا من انتماء طائفي او عرقي، ليواصل حمل هوية فرعية مصنعة تنأى به عن الآخرين وان شاركهم بقعة الارض ذاتها. وهنا تكمن مسؤوليتنا، جميعا، في الانتباه الى ما تحمله اللغة من رسائل، وتجنب تدويرها المباشر، لأنها قادرة على تدوير ما هو أكثر من التهنئة البريئة. وقد تكون هذه خطوة بسيطة جدا لاستيعاب «وجهة النظر» حول نجاح الكيان الصهيوني في قصفنا.

 

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

1
التعليقات (1)
عراقي عربي ..نعم عربي
الثلاثاء، 27-08-2019 02:00 م
سيدة هيفاء ..لم يعد لمفهوم الانتماء الوطني في العراق الا وجود على شكل جزر منتشرة ببعد عن بعضها هنا وهناك في الجغرافية العراقية ...هذه الجزر تحاول الاتصال ببعضها علها تكون كيانا يوحد العراق ثانية من خلال ايجاد ارضية اعرض واكبر ذات بعد جماهيري وجغرافي يؤثر على الداخل العراقي ومن خلاله اخراجه من براثن من دعا الى الطائفية عند دخول اول دبابة اميركية الى ضواحي بغداد ..ليسقط عن وجهه الكالح القناع المهترئ اساسا والذي كان يلبسه تحت شعار.. العدل والحق والمساواة والحرية واحترام المواطنة في العراق..لقد كانت مجموعة طائفية رئيسة في العراق ( الطائفة الشبعبة تحديدا ) من لهث متعبا جدا خلف المذهبية والطائفية التي ينتمون اليها ..وهذه الطائفة هي في الواقع لم تدافع عن مذهبها الاثني عشري كعقيدة تؤمن انها الحق ولاغيره حق ..لو كان الامر كذلك لبقي الامر محصورا داخل نطاق الجدل والاجتهاد العقائدي فحسب دون ان يخرج من نطاق الانتماء للوطن ككل والاخلاص له ..لقد ارادت هذه الطائفة من خلال لهاثها خلف طائفتها ومذهبها وفرضه بقوة القتل والتهجير ..ارادت من خلاله سلخ العراق عن محيطه ومن ثم تشظية المجتمع الى طوائف مقسمة الى طائفة واحدة قوية خلفها دول تدعمها لابعاد عودة اي نظام وطني الى العراق ثانية..وطوائف اخرى اضعف ..خائفة ومتوجسة دائما ..تسعى في احسن الحالات الى الهجرة من وطنها بحثا عن الامن والامان ولقمة العيش..الطائفة الشيعية التي لهثت خلف شعار الطائفية ويا لثارات الحسين ..ليس قصدها ان تبني مجتمع اخر ( يحمي هوية العراق بغض النظر عن المذهب الذي يسود ) بل لالغاء العراق ككيان ثم صهره في بوتقة المجتمع الايراني وصبه في قالب فارسي صفوي ..وهم ميتعدون بذلك ليس لان يكونوا جزءا من المكون الايراني والفارسي ..بل انهم مستعدون للتخلي عن اي هوية لهم ..والتخلي عن اي انتماء والتحول الى مجرد اشباح شبه محسوسة ومرئية لان في ذلك مرضاة لمهدي مزعوم لهم امه من اصول فارسية ..فالمشكلة ان التشظي الطائفي والمذهبي في العراق لم يكن وليد رغبة عامة لكل مكون ( الشعب العراقي )..بل هو حمل القت به طائفة واحدة كانت تحمله في بطنها سرا عقدا بعد عقد ركضت خلف الاحتلال وهتفت له ليس لتخليصهت من ( طاغية ) كما كانت تدعي ..بل لان مشروعها السري لم يكن ليولد دون ( القابلة الاميركية ) ..وبعدها ظهر مارايناه من احقاد ومشاريع طائفية لم نكن نتصورها ..ولم نكن نعتقد ان هؤلاء القوم يضمرون كل هذه المشاعر والخطط المملوءة بالاحقاد ..فالذي يحصل في العراق هو فعل يقابله ردة فعل كما هو المنطق ..فالشيعة هم في غالبيتهم العظمى صفويون وانتمائهم العقائدي والروحي فارسي الهوى والدم ..وفي المقابل يتشبث من هو عراقي في الاصل والنتماء بطائفته ليس لانه طائفي ..بل لتمييز طائفته الوطنية ..عن طائفية من باع نفسه وبلده لايران بدون اي ثمن او مقابل ( الا المودة في القربى ) وياليت ايران تعاملهم بمودة ..وتعترف لهم باي قربى.