قضايا وآراء

الشمال السوري: اختبار للمكانة التركية

حسين عبد العزيز
1300x600
1300x600

تؤكد التطورات المتسارعة في منطقة إدلب وشرق الفرات؛ أن تركيا مقبلة على اختبار حقيقي لمكانتها الاستراتيجية في الشمال السوري.

فالتفاهمات الأمريكية-التركية في شرق الفرات لا تخفي الخلافات العميقة بين الجانبين، والتي لن تظهر مع تطبيق المرحلة الأولى من الاتفاق، في حين أن الخلافات بين تركيا وروسيا حيال إدلب لا تخفي أيضا التفاهمات العريضة حيال مستقبل المنطقة.

تجد تركيا نفسها اليوم أمام مرحلة صعبة من شأنها أن تحدد مكانتها وحضورها وقوتها. فعلى الرغم من حاجة موسكو وواشنطن لأنقرة، إلا أن كلا من العاصمتين تسعيان إلى ترويض الأتراك والقبول بما هو متاح روسيا وأمريكيا.

 

 

تجد تركيا نفسها اليوم أمام مرحلة صعبة من شأنها أن تحدد مكانتها وحضورها وقوتها. فعلى الرغم من حاجة موسكو وواشنطن لأنقرة، إلا أن كل من العاصمتين تسعيان إلى ترويض الأتراك والقبول بما هو متاح روسيا وأمريكيا

 

اختبار إدلب

هكذا، أعلنت موسكو مرارا وتكرارا أن عملياتها العسكرية في منطقة إدلب ليست تقويضا لاتفاق سوتشي، وإنما هي تطبيقا له، غير أن هذا التطبيق إذا ما تم بحذافيره، فإنه سيعني القضاء على الحضور التركي في إدلب، بحيث يكون اتفاق سوتشي اتفاقا لتدمير الحضور التركي في شمال غرب سوريا.

لا يتعلق الأمر بالمنطقة الآمنة المقامة في محيط إدلب، ولا يتعلق الأمر أيضا بفتح الطريقين الدوليين، وإنما يتعلق الأمر بفصل المنظمات المدرجة على قائمة الأمم المتحدة بـ"الإرهابية" عن فصائل المعارضة.

إن تطبيق هذا البند بالقوة، يعني أن موسكو ستذهب بعيدا في الجغرافية العسكرية إلى حدود معرة النعمان وسراقب وجسر الشغور، وربما مدينة إدلب ذاتها، وصولا إلى شمال المحافظة، بحيث تترك لتركيا شريطا حدوديا بعمق 10 إلى 15 كلم. وفي حال حصل ذلك، فإن تركيا ستكون قاب قوسين أو أدنى من خسارة العمق الاستراتيجي لإدلب، اللهم إلا إذا قررت المضي في تسليح فصائل المعارضة بالسلاح لمنع حصول ذلك.

من الواضح أن قمة بوتين أردوغان فشلت على صعيد إدلب، وإن كانت ناجحة على صعيد شرق الفرات.

وهذا الفشل ترجم مباشرة في اليوم التالي، مع تصعيد القصف الجوي لروسيا وللنظام على مناطق مختلفة من المحافظة، حيث يبدو أن موسكو لن تقبل بأقل من السيطرة على كامل محافظة حماة وما تبقى من ريف اللاذقية الشمالي وأجزاء مهمة من جنوب ووسط محافظة إدلب، وفق خريطة القصف المعتمدة إلى الآن.

 

من الواضح أن قمة بوتين أردوغان فشلت على صعيد إدلب، وإن كانت ناجحة على صعيد شرق الفرات

وإذا ما ربطنا القصف الروسي على الريف الشرقي لمعرة النعمان، مع التحرك العسكري لقوات النظام شرق خان شيخون وسيطرتها على الخوين والزرور، فإن المخطط الروسي يهدف إلى السيطرة على كامل المنطقة الواقعة بين سكة الحديد شرقا والطريق الدولي غربا، وصولا إلى معرة النعمان التي تبعد نحو 25 كلم عن خان شيخون.

الأهداف الروسية واضحة، وهي منع تركيا من الحصول على أراض جغرافية واسعة تسمح لها بالتأثير عسكريا على الأرض، والمطلوب، حصر أنقرة ضمن الشريط الحدودي، بحيث يصبح وجودها هناك ذا تأثير ضعيف على خارطة النفوذ داخل سوريا، من دون أن يمنعها حضورها على الحدود من تأمين مصالحها العليا.

أما بالنسبة لتركيا، فالأمر غير واضح حتى الآن، وما هي المناطق الجغرافية التي ستكون خطا فاصلا بين المعارضة وقوات النظام. ما هو مهم لتركيا عدم حصول أمرين: الأول، القضاء على "هيئة تحرير الشام" التي تشكل من وجهة النظر التركية قوة عسكرية كبيرة لا يجوز التفريط بها، والثاني منع النظام من الوصول إلى مدينة إدلب.

ما هو مهم لتركيا عدم حصول أمرين: الأول، القضاء على "هيئة تحرير الشام" التي تشكل من وجهة النظر التركية قوة عسكرية كبيرة لا يجوز التفريط بها، والثاني منع النظام من الوصول إلى مدينة إدلب

اختبار شرق الفرات

ليس الوضع في شرق الفرات أفضل مما هو عليه في إدلب، فالتفاهم الأمريكي التركي حول المنطقة الآمنة لم يكن نتيجة تلاقي المصالح بين الطرفين أو تلاقي الرؤى حول مستقبل هذه المنطقة، بقدر ما كان تفاهم الضرورة؛ فرضته رغبة الدولتين بعدم التصادم فيما بينهما.

من هنا، كان التفاهم بين الجانبين فضفاضا وعاما، حيث لم يصدر أي تصريح مباشر وواضح من العاصمتين حول طبيعة التفاهم وحدوده، وتُرك الأمر لتسريبات من هنا وهناك لوسائل الإعلام.

الخلاف بين الجانبين يكمن في الافتراق الاستراتيجي حول هذه المنطقة: بالنسبة لأنقرة، فإنها تبحث عن دور مباشر فيها، بعمق جغرافي يسمح لها ليس بإبعاد الوحدات الكردية عن الحدود التركية فحسب، بل القضاء على مشروع "الإدارة الذاتية" والحيلولة دون انتقاله من القوة إلى الفعل.

ولهذا السب، تصر أنقرة على أن يكون عمق المنطقة الآمنة نحو 30 كلم، أي اختراق القرى والبلدات السورية التي ستكون عندئذ ضمن المنطقة الآمنة.

 

إذا ما طبقت الرؤية الأمريكية بحذافيرها، فإن المنطقة الآمنة قيد الإنشاء ستكون عبئا على تركيا، لأنها لن تسمح لها بالتدخل في هذه المنطقة على المستوى العسكري والاستراتيجي، وسيكون الحضور التركي محصورا ضمن الدوريات المشتركة مع الأمريكيين

هذه الأهداف، تبدو مرفوضة بالنسبة لواشنطن، التي تقبل فقط ما يضمن لتركيا تأمين سلامة حدودها، دون الانخراط جغرافيا في هذه المنطقة بما يؤثر سلبا على قوة الوحدات الكردية وتفاهماتها مع الإدارة الأمريكية.

ولذلك، تطرح واشنطن عمقا من 5 إلى 15 كيلومترا، بطول نحو 160 كيلومترا، كي لا تصل إلى حدود العراق، مع الحيلولة دون وقع المدن ضمن المنطقة الآمنة، ومنع عودة عشوائية للسكان.

وإذا ما طبقت الرؤية الأمريكية بحذافيرها، فإن المنطقة الآمنة قيد الإنشاء ستكون عبئا على تركيا، لأنها لن تسمح لها بالتدخل في هذه المنطقة على المستوى العسكري والاستراتيجي، وسيكون الحضور التركي محصورا ضمن الدوريات المشتركة مع الأمريكيين، للتأكد من ابتعاد الوحدات الكردية عن الحدود، على أن يصبح مصير المنطقة منوطا بالأمريكيين وحدهم.

التعليقات (0)