أفكَار

هل في القرآن آيات منسوخة لفظا وبقيت أحكامها؟ باحثون يجيبون

قرآن كريم
قرآن كريم
تُثار حول بعض الأحكام الشرعية، والقضايا الدينية شبهات ترمي إلى التشكيك والطعن فيها، وهي غالبا ما تأتي من جهات ودوائر اعتادت على مهاجمة الحالة الدينية برمتها، ما يدفع علماء الدين والدعاة إلى تفنيد تلك الشبهات، والرد على تلك التساؤلات.

لكن من الملاحظ أن بعض الأحكام والقضايا الشرعية هي محل نقد ومراجعة من قبل علماء ومتخصصين في العلوم الشرعية، إذ يرون أن تقريرها بحسب المدون والمتداول في المراجع الدينية، يثير جملة من التساؤلات القلقة، التي لا يمكن تقديم إجابات وافية ومقنعة عنها، ما يفتح باب التشكيك والطعن في القرآن نفسه.

"نسخ تلاوة آيات من القرآن مع بقاء حكمها" هي إحدى تلك المسائل التي تثير جدلا في أوساط دينية، قبل أن تثيره في أوساط غير دينية، إذ يتساءل علماء ودعاة عن الحكمة من نسخ تلك الآيات تلاوة، أي رفعها من المصحف مع بقاء حكمها وثباته؟ وكيف يمكن التسليم بهذه المسألة هكذا، بما تثيره من تشكيكات كبيرة تتجه إلى القرآن الكريم نفسه، حينما تثبت أن منه آيات مفقودة ومرفوعة، ولم تعد في القرآن الذي يتلوه المسلمون الآن.

أستاذ علوم القرآن والتفسير، وله العديد من الكتب والدراسات القرآنية، الدكتور صلاح الخالدي أبدى تحفظه الشديد على المقرر في مراجع "علوم القرآن" بشأن "نسخ التلاوة مع بقاء الحكم"، وتساءل: كيف يمكننا تقبل هذا الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لعشرات الأسئلة التشكيكية حول وصول القرآن إلينا كاملا كما أنزل، لأنه يقرر ببساطة أن ثمة آيات قرآنية نزلت وتلاها المسلمون، ثم رُفعت تلاوتها ولم تعد بين دفتي المصحف".

وأضاف، "مع أن جمهور علماء القرآن والمفسرين والأصوليين يقولون بوقوع هذا النوع من النسخ في القرآن الكريم، إلا أنني ممن يرفضون هذا القول، مع علماء وأساتذة فضلاء كالدكتور فضل حسن عباس – رحمه الله -، والدكتور أحمد نوفل، والدكتور جمال أبو حسان.

وجوابا على سؤال طرحه "عربي21" حول أسباب رفضه لهذا اللون من النسخ في القرآن، أوضح أن مستند العلماء في إثبات هذا الحكم هو ما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة سندا، كحديث عمر  الذي ذكر فيه أن الله "أنزل آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد آية في الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله".

وعلق الخالدي على حديث عمر بقوله: "مع أن الحديث في الصحيحين، إلا أنه معلول من جهة المتن، لأنه يفتح الباب لادعاء أن ثمة آيات من القرآن رُفعت، وهي ليست بين أيدينا في القرآن الذي يقرأه المسلمون اليوم، إضافة إلى جملة الشكوك التي يثيرها حول ضياع آيات من القرآن، وأن القرآن الذي بين أيدينا ليس هو القرآن الكامل الذي أنزله الله على رسوله".

وواصل بيان رأيه ذاكرا أنه "يعتقد جازما أن القرآن الذي بين أيدينا الآن، هو القرآن الكامل الذي أنزله الله على رسوله، ولم ترفع منه آية واحدة، وهو الذي تكفل الله بحفظه، وكل ما يقال عنه آيات رفعت ونسخت تلاوتها تفتقر في مفرداتها ونظمها إلى بلاغة القرآن المعهودة، وإعجازه المتفرد، وثبوتها بالتواتر".

وتساءل الخالدي: "كيف نسلم بما روي من أن سورة الأحزاب كانت قدر سورة البقرة، ثم نُسخت وما ورد في قول حذيفة عن سورة براءة "ما يقرأون ربعها"، فأين ذهبت تلك الآيات التي نُسخت من سورة الأحزاب، وما هي الآيات التي نسختها، وكذلك الحال في سورة براءة، وما قيل عن السور الأخرى".

من جهته قال الباحث الشرعي السوري، الدكتور علي محمد زينو، إن "نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، أمر ثابت وواقع لا ريب فيه بأدلة منها قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا}، وحديث عمر في رجم الزاني، وهو في الصحيحين، وغير ذلك مما صح إسناده".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "وهذا هو القول المعتبر عند أهل السنة والجماعة، وأما نسخ التلاوة فالمراد به نسخ أحكام التعبد الخاصة بالنص القرآني، كالتلاوة والمس على غير طهارة وغيرها، وأما الحكم الشرعي فباق أكدته السنة، وجرى عليه عمل السلف والخلف".

وأشار إلى أن العلماء السابقين ذكروا الحكمة من هذا النسخ، وبينوا المغزى منه، كما أوضحه الإمام الزركشي في كتابه (البرهان في علوم القرآن)، وكما بينه الشيخ الزرقاني في كتابه "مناهل العرفان في علوم القرآن". 

وفي السياق ذاته رأى الباحث الإسلامي المغربي، حفيظ هروس أن "نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، قد أثار اعتراضات كثيرة في القديم والحديث، وممن عارضه قديما شمس الأئمة السرخسي، وممن عارضه حديثا الحافظ عبد الله بن الصديق الغماري في رسالته "ذوق الحلاوة ببيان امتناع نسخ التلاوة".

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "بعد بحث المسألة والنظر في أدلة القائلين بها، والرافضين لها، فإنني أرى أن أدلة القائلين بامتناع وقوع نسخ التلاوة أقوى من حجج القائلين به".

وأردف: "تقوم أدلة القائلين بنسخ التلاوة على دليلين هما: الأول: الدليل العقلي المتمثل في التفريق بين التلاوة التي اعتبروها حكما، والحكم الذي تدل عليه الآية التي اعتبروها حكما ثانيا للحكم الأول، ومن ثم أجازوا نسخهما أو نسخ أحدهما، والثاني: الوقوع الفعلي الذي اعتبروه دليلا على الجواز".

ووصف هروس استدلالهم العقلي السابق بأن "ضعفه يتمثل في تفريقهم بين الآية والحكم المستفاد منها مع أنهما متلازمان، لأن الحكم لا يثبت دون دليله كما قال السرخسي وغيره، يضاف إلى ذلك أن أغلب الأدلة التي أوردوها كأمثلة على وقوع نسخ التلاوة، لا تخلو من مقال في أسانيدها أو نكارة في بعض متونها، كما بينها الحافظ الغماري في رسالته السابقة".

ولفت هروس في ختام حديثه إلى أن "المهم هو أنه على فرض صحتها، فإنها ليست دليلا لأنها ليست قرآنا (لأن الأخبار الواردة فيها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار الأحاد)، وقد تقرر أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وكل ما لم يتواتر لا يكون قرآنا، كما هو المقرر عند جماهير العلماء، وبنقد هذه الأدلة ينتفي معه دليل الوقوع".

ويشار إلى أن المتخصصين في علوم القرآن وتفسيره، وجمهور الأصوليين – قديما وحديثا – يؤكدون وقوع النسخ في القرآن الكريم، الذي يتعلق برفع أحكام شرعية ثبتت بآيات قرآنية، ثم نزلت آيات لاحقة فنسخت الآيات السابقة، وهو ثلاثة أنواع: نسخ التلاوة والحكم معا، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم".
التعليقات (2)
عبدالحكيم ابوهادي
الإثنين، 09-09-2019 09:10 ص
وبعد الرد القاطع على القائلين بمزاعم الناسخ والمنسوخ وتأكيد بطلانه وتعارضه مع القرآن والسنة الشريفة.. حذر الشيخ محمد محمود ندا من خطورة مزاعم الناسخ والمنسوخ وأكد أنها لا تخدم إلا أعداء الله بما فى هذا العلم المزعوم من التشكيك فى القرآن وفى الرسول وفى الصحابة وأكد فضيلته أنه يبرأ إلى الله من كل الأقوال الباطلة والتراهات الواردة فى الناسخ والمنسوخ.. وقال فى ختام كتابه فى صفحة 167 ما نصه: إن القرآن الكريم كتاب محكم الآيات وما من حكم من أحكامه إلا وله البقاء والدوام. إن دعوى النسخ لآيات قرآنية دعوى باطلة لا تقوم على أساس وإنما على شفا جرف هار. إن دعوى نسخ القرآن بالسنة أو الإجماع أو غير ذلك مما يفترونه أشد بطلاناً. يجب أن ينزه كلام الله تعالى عن مثل هذه التراهات التى تخدم أعداء الإسلام وتتعرض للمصدر الأساسى لأحكامه وهو القرآن العظيم. ثم قال فى نهاية تصديه لأكاذيب ومزاعم النسخ فى القرآن: (اللهمَّ اشهد أننا نبرئ ساحة كتابك من هذه الأقوال الباطلة والدعاوى الفارغة). 2) إنكار الشيخ محمد أبوزهرة للنسخ فى القرآن: فى كتابه (زهرة التفاسير) طبعة دار الفكر العربى عام 1987 أكد الشيخ محمد أبوزهرة إنكاره الشديد لوجود النسخ فى القرآن. وقال فى صفحة 41 ما نصه (لا نسخ فى القرآن قط لأنه شريعة الله تعالى الباقية إلى يوم القيامة).. وقال فى صفحة 354 إن (الآيات) التى يشير القرآن إلى نسخها فى قوله تعالي (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) «106 البقرة» ليست هى آيات القرآن وإنما (هى الآيات الكونية والمعجزات الحسية التى تدل على قدرة الله تعالى والتى يجىء بها الرسل). 3) استنكار الشيخ محمد الغزالى لما فى روايات الناسخ والمنسوخ من التشكيك فى القرآن وفى الدين كله: استنكر الشيخ الغزالى العديد من روايات الناسخ والمنسوخ، وأكد أنها تشكيك صريح وصارخ فى القرآن وفى الحفظ الإلهى له وأنها لا تخدم إلا أعداء الإسلام.. ومن بين أقواله ما يلي: أ) بعد أن نفى بشدة رواية الناسخ والمنسوخ المكذوبة التى تزعم أنه كانت هناك آية أنزلها الله تحدد حكم الرضعات المشبعات، ثم رفعت من المصحف بعد انتقال الرسول.. قال الشيخ محمد الغزالى تعليقاً على هذه الرواية المدسوسة (إن هذه الرواية تعرض الدين كله للريبة والاتهام).. راجع كتاب «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث « دار الشروق 1989 ص 146» ب) بعد أن نفى بشدة روايات الناسخ والمنسوخ التى تزعم أن هناك آيات قرآنية أنزلت ثم محيت من ذاكرة المسلمين جميعاً (!!) قال الشيخ محمد الغزالى ما نصه (إن أمر القرآن أجل وأعز من أن تقبل فيه أخبار تزعم أن هناك آيات أنزلت ثم محيت من الأذهان محواً أى نسخت بألفاظها ومعانيها)!!.. راجع كتاب (نظرات فى القرآن- مكتبة نهضة مصر عام 2003) «صفحة 206» ج) بعد أن نفى بشدة مزاعم الناسخ والمنسوخ بأن هناك آيات معطلة الأحكام وأن حكمها قد نسخ رغم بقاء التلاوة !! قال الشيخ محمد الغزالى ما نصه (هل فى القرآن آيات معطلة الأحكام بقيت فى المصحف للذكرى والتاريخ كما يقولون التماساً لأجر التلاوة وينظر إليها كما ينظر إلى التحف الثمينة فى دور الآثار وغاية ما يرجى منها إثبات المرحلة التى أدتها فى الماضى أما الحاضر والمستقبل فلا شأن لهما بها).. راجع كتاب « نظرات فى القرآن» ص204 د) بعد أن نفى بشدة مزاعم الناسخ والمنسوخ من أن الآية التى سموها «آية السيف» فى سورة التوبة قد نسخت جميع الآيات التى نزلت فى معاملة الكافرين!!.. قال الشيخ الغزالى عن هذه الأقوال الباطلة (هذه جرأة غريبة على الوحى وهذا التفسير هو خطأ وظلم للقرآن الكريم ) راجع كتاب «نظرات فى القرآن» ص195 هـ) نفى الشيخ محمد الغزالى بشدة الرواية المدسوسة التى تزعم أن (عنزة قد أكلت الورقة التى كتبت عليها بعض الآيات فنسخت)!!.. ووصف أمثال هذه الروايات المدسوسة والأقوال الباطلة الواردة فى كتب الناسخ والمنسوخ بأنها (القمامات الفكرية)!!.. راجع كتاب (تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل) «ص 147». وإذا كانت حقيقة بطلان ما يسمى علم الناسخ والمنسوخ ظاهرة وواضحة أمام العلماء أشد الوضوح.. وإذا كانت أهدافه فى التشكيك الصريح فى الدين والطعن فى الحفظ الإلهى للقرآن وفى الرسول والصحابة لا تخفى أى مطلع على هذا العلم المزعوم.. فمن المسئول عن استمراره والترويج لما فيه من مزاعم وأباطيل؟ ألم يحن الوقت لتنقية كتب التراث من هذه المدسوسات التى يستغلها أعداء الإسلام فى نشر الفتن.. وعلى رأسها فتنة التطرف والإرهاب التى تهدد وجود الإسلام اليوم؟ تنقية الكتب الدينية من الدس والافتراءات فريضة على العلماء العاملين: لعل ما أوردناه فى السطور السابقة من أمثلة من تسلل الدس والافتراءات والروايات الباطلة والإسرائيليات إلى الكتب الدينية لم يعد يخفى على أحد.. وإذا كانت الأمة الإسلامية اليوم تعانى أشد المعاناة من فتنة الإرهاب والتطرف التى تستهدف تمزيق أوصال الأمة الإسلامية والقضاء على جيوشها ووحدتها ومصادر قوتها وثرواتها على أيدى الجماعات الإرهابية التى ترفع الشعارات الدينية وتستند إلى الأحكام المدسوسة والروايات الباطلة.. فإن تنقية الكتب الدينية من الدس والافتراءات تصبح فريضة على العلماء العاملين فى الأمة الإسلامية.. ولقد بين المولى عز وجل أن أمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تُحرم فى أى وقت من وجود المؤمنين الصادقين الذين يهبهم الله تعالى البصيرة التى يفرقون بها بين الحق والباطل والذين يدعون إلى الله تعالى على بصيرة كما يقول عز وجل (أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) «108 يوسف»، وكما يقول الحديث الشريف (الخير فى وفى أمتى إلى يوم القيامة).. وهؤلاء المؤمنون مطالبون اليوم أكثر من أى وقت مضى بالتصدى للدس والافتراءات وتنقية الكتب الدينية منها لتسلم عقيدة المسلمين مما دسه أعداء الإسلام طوال القرون الماضية.. وحتى نحمى المزيد من الشباب المسلم من الوقوع ضحية لهذه الفتن التى تتستر بالدين وترفع شعاراته ونحمى الأمة الإسلامية فى مواجهة الفتنة العاتية التى تهدد وجودها فلا يسقط المزيد من الشباب فى أتون هذه الفتنة التى تتستر بالدين وترفع شعاراته ليصبح وقوداً لها.
ابو عمر
الإثنين، 09-09-2019 08:19 ص
لا ارى فائدة من الخوض في هذا الموضوع اذ ان العلماء الأوائل قد بينوه بصورة واضحة وإعادة طرحه الان مع ما تعانيه الأمة من فتن يفتح الباب للمتربصين ولأصحاب المذاهب الضالة بالخوض في صحة كتاب الله وكماله