كتاب عربي 21

ما بعد السيسي

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
عنوان المقالة مكرر، فقد كتبت مقالة بالعنوان نفسه نشرت هنا في موقع "عربي21" بتاريخ 24 أيار/ مايو 2014، وكان ذلك قبل أيام من إعلان السيد عبد الفتاح "سيسي" رئيسا للجمهورية، في عهدته الأولى.

قلت في تلك المقالة:

"رئاسة السيسي قادمة، وهي مرحلة لن تطول، ليست أكثر من جملة اعتراضية في التاريخ، يعلم ذلك كل من يراقب حركة الشارع، وكل من قرأ التاريخ القديم والحديث.

السؤال الحقيقي الآن: ماذا بعد سقوط السيسي؟

وإجابة هذا السؤال لن تخرج عن احتمالين، الاحتمال الأول: أن يسقط السيسي ولا يسقط الانقلاب، أي أن يسقط بانقلاب آخر...!

وفي هذه الحالة سيكون أكبر خطأ ترتكبه الحركة الوطنية أن ترضى بقائد الانقلاب الجديد، أو أن توافق على أن يدير البلاد مجلس عسكري، أو مجلس رئاسي مدني الشكل عسكري الجوهر، أو أن يرأس البلد رئيس معين مدني الزي عسكري الإرادة.

في هذه الحالة لا بد من الاعتراض، ولا بد من مجلس موسع (أغلبه من المدنيين) لإدارة شؤون البلاد، وأغلب أعضائه من الشخصيات العامة التي لم تتورط في دم، ولا ينبغي أن يكون لأي تيار أغلبية في هذا المجلس.

هذا المجلس الموسع من الشخصيات المدنية الوطنية العامة، يكون للإسلاميين فيه ممثل أو ممثلان، وكذلك التيارات الأخرى، وممثل واحد للمؤسسة العسكرية، وبقية أعضائه لا بد أن تكون غالبيتهم من الشباب.

أكرر بوضوح ... لا بد من مجلس موسع من المدنيين (تسعة أفراد أو أكثر)، على أن لا يكون فيهم أغلبية للعسكر، أو لأي تيار من التيارات، الأغلبية الوحيدة المحبذة هي الشباب، (ولو بشكل نسبي).

الاحتمال الثاني: أن يسقط السيسي ويسقط الانقلاب معه، وفي هذه الحالة سيكون من المنطقي أن يدير البلاد المجلس الذي تحدثت عنه في الفقرة السابقة، أو أي مجلس مشابه.

لا بد من التنبيه إلى أن استجداء انقلاب عسكري آخر، سيكون فيه توريط أكبر للجيش في مستنقع السياسة، وستكون نتيجته تكرار ما حدث في الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، أو آذار/ مارس 1954، وهذه خطيئة ما بعدها خطيئة.

سيقول البعض إن اتفاق الناس على هذا المجلس مستحيل، والرد على ذلك أن اتفاق العجائز مستحيل، ولكن توافق الشباب ممكن.

كما أن الوصول للتوافق قد يكون صعبا حاليا، ولكن غباء خصمنا (وهو منقطع النظير) يسهل علينا المهمة كل يوم، بل كل ساعة. قد يظن البعض أننا نخالف القانون حين ندعو لترتيب الأوراق بعد السيسي، والحقيقة أن ذلك ليس فيه أي مخالفة للقانون، والدليل على ذلك حركة "تمرد"، فقد كانت تطالب باعتقال رئيس الجمهورية جهارا نهارا، وكان قادتها المصنوعون المزعومون نجوم الفضائيات، بدلا من أن يكونوا نزلاء السجون والمعتقلات".

هذا ما قلته في أيار/ مايو 2014، فماذا أقول اليوم؟

* * *

الحقيقة إن ما قلته في 2014 ما زال رأيي، وهو الحل "النموذجي" للحالة المصرية، ولكن النظرة الواقعية لما هو ممكن، ولما هو متاح تقتضي أن نكتب هامشا جديدا اليوم في 2019، على المتن الذي كتبناه في 2014.

من الواضح مبدئيا أننا أمام الحالة الأولى (أي أن هناك انقلابا عسكريا على الانقلاب العسكري)، وأننا سنتعامل مع مجلس عسكري جديد، أو مع أي واجهة يخترعها العسكر!

فالمعارضة المصرية لم تتمكن من خلق حالة الاصطفاف المطلوب لكي تتمكن من التعامل مع العسكر بندية (كما حدث في السودان مثلا)، كما أن وضع المعارضة في 2014 كان أقوى بكثير من وضعها اليوم، وحراك الشارع كان في ذلك الوقت ما زال يزلزل أركان الدولة، وهو عنصر ضاغط في أي تفاوض، بعكس اليوم (إلا إذا اعتقد أحد أن السيد محمد علي سيتولى هو رعاية التحول الديمقراطي في مصر!).

لذلك.. سيكون الحل العملي الآن.. هو أن تحاول المعارضة المصرية أن تتوافق على أقل القليل، وأن تشترك في المرحلة الانتقالية التي ستأتي بعد "سيسي" للخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب، لكي تسهل المهمة على الجيل القادم، ذلك الجيل الذي سيتمكن بلا شك من تمكين الثورة من الحكم خلال فترة ليست بالطويلة، وسيتمكن من تحقيق العدل للناس، بإقامة دولة يناير (دولة الوطنية والعدل)، والقضاء على دولة يوليو (دولة العمالة والاستبداد).

مطلب الإفراج عن المعتقلين هو أول وأهم المطالب، وعودة المنفيين، وإعادة الأموال المصادرة والمنهوبة، وفتح المجال العام مرة أخرى.

معركتنا مع الحكم العسكري كانت وما زالت معركة النفس الطويل، وكلما مرت الأيام يثبت أن الشعب المصري معنا، وأن الناس تطمح في الحرية، وتكره الظلم والظالمين.

وملف العدالة الانتقالية سيدار بهذه الروح.. بالنفس الطويل !

* * *

قد يسألني سائل: وهل سقوط "سيسي" مضمون لهذه الدرجة لكي نتحدث عما بعده؟

والإجابة: إن من يتحدث عن سقوط "سيسي" في عام 2014 بهذه الثقة، لا بد أن يتحدث بالثقة نفسها الآن بعد ثبت أن هذا المسخ ليس أكثر من دمية، وأن إسقاطه ليس بالصعب، وأن الفعل الثوري راسخ في الشعب المصري، ولكنه ينتظر اللحظة المناسبة، والقيادة الملهمة.

لقد أصبحت فيديوهات محمد علي (على ما فيها من سذاجة وتجاوزات) ملهما للشعب، ليس لأي سبب سوى أن الناس تريد وتبحث عن أي شيء أو أي شخص يلهمها.

إن سقوط "سيسي" حتمي، حتى إذا افترضنا أنه تمكن من النجاة من الأزمة التي تعصف به وبحكمه حاليا (وهو احتمال ضعيف، ولكنه وارد)، فإن سقوط "سيسي" سيحدث، ولن يطول بقاؤه في السلطة؛ لأن وجوده في السلطة أصلا كان حدثا شاذا عارضا.

* * *

لقد انتهت حقبة الحكم العسكري في الوطن العربي، وهي اليوم تخوض معاركها الأخيرة في عدة دول، وبإمكان النخبة السياسية أن تحسم تلك المعركة وأن ترحم الشعوب بتوحدها، ولكنها للأسف الشديد لم تتمكن من الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية، وما زالت تلك النخب في أغلب الدول العربية (وخصوصا مصر) تعيش في الماضي، وتتصارع على الفتات، وتشارك في تزييف الوعي، وتأخير بزوغ الفجر.

التغيير قادم.. مسألة وقت!

موقع الكتروني: www.arahman.net
بريد الكتروني: [email protected]
التعليقات (2)
هيمن الخطابي
الإثنين، 23-09-2019 02:17 ص
كيف سيتفق شباب الثورة على اختيار من يمثلهم في مجلس حكم مصر الذي يدعوا إليه عبد الرحمن يوسف؟ سيعود خالد يوسف من باريس وسيحضر طابور ليشهدوا أنه كان في ميدان التحرير ليلاُ ونهاراً أثناء الثورة وأنه كان قائدها بلا منافس، وسيشكك حاقدين في شبابه باعتباره أقرب للكهولة، ولكنه سيقدم فيديوهات تظهر شبابه وفحولته. وسيعود وائل غنيم من الولايات المتحدة، وسيقدم للمجلس ما يؤكد احقيته برئاسته، نوط جائزة كينيدي للشجاعة الذي حصل عليه في 2011، وشهادة مجلة تايم الاميركية التي اختارته ليكون الاسم الأول في قائمتها لأكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم كمفجر ثورة 2011، كما سيقدم شهادة شركة جوجل أنه كان اللهو الخفي الواقف خلف صفحات الدعوة إلى الثورة، وسيحضر المذيعة الثورية منى الشاذلي لتقسم أنها من استقبلته في قناة دريم كقائد للثورة، وبالطبع فهناك من سيهاجمه لأن عمره أربعين سنة، وهنا سيخلع غنيم قميصه ليظهر جسده الشاب العاري الذي يقدسه وسيأتي بكوكبة من رهبان الهندوس يقسمون أن غنيم هو من حلت فيه روح المهاتما غاندي. وهنا تسمع ضوضاء عظيمة من شباب 6 أبريل وتمرد والدعوة السلفية وهم يقتحمون مقر مجلس الحكم ويحطموه، وكل منهم يؤكد أنه الأحق بالحكم، وهم يهتفون "مش احنا اللي قمنا بالثورة، يبقى أحنا اللي نحكم". ستار
هيمن الخطابي
الإثنين، 23-09-2019 01:08 ص
الكاتب ابن شيخنا الجليل القرضاوي، يرى أن المجلس الذي سنسلم له رقابنا ليحكم البلاد والعباد، لابد أن تكون غالبية أعضاءه من الشباب، وأن اتفاق العجائز مستحيل، ولكن توافق الشباب ممكن، ولا أعلم من أين أتى بهذه القاعدة العجيبة؟ من أكبر الأكاذيب التي شاعت هي أن من قام بالثورة هم شباب التحرير، وهي مقولة فيها ظلم فادح لذكرى غالبية من سقطوا شهداء من أبناء الثورة الذين سقطوا في مختلف انحاء مصر. الكذبة الأخرى ان من قام بالثورة هم الشباب، فمنذ جمعة 28 يناير 2011، شاركنا في عشرات المسيرات والوقفات والجلسات، بما في ذلك اعتصام رابعة، ورأينا فيها مشاركين من مختلف الأعمار، بما في ذلك عجائز كنا نشفق عليهم من مسيرات استمرت لساعات في رمضان في عز شمس الظهيرة، وكنا نجد منهم اصراراً وثباتاُ لا يقل إن لم يزد عن الشباب صغار السن، وكانت خطبة وصلاة الجمعة خلف شيخنا القرضاوي وهو في الخامسة والثمانين في ميدان التحرير في 18 فبراير 2011 أكبر تجمع بشري شهدته هذه الثورة. كما رأيت مرشد الاخوان الشهيد محمد مهدي عاكف وهو يقف بقامته الممشوقة وهو في سن83، وهو يهدر في المحتشدين في الميدان في أيام الثورة الأولي حسب ما أتذكر في ظهيرة يوم موقعة الجمل الشهيرة بصوت جهوري قوي. فلا تدجلوا على الناس فالثورة لم تكن ثورة ميدان التحرير فقط، والقائمين بها لم يكونوا هم الشباب فقط.