كتاب عربي 21

من تسريبات الرجل العجول

جمال الجمل
1300x600
1300x600
(1)
سأحدثكم عن رجلٍ خدعته امرأة يحبها، وخلعته بعد زواجٍ مضطربٍ قصير، وذاع بين الناس أنه عاجز ولا يستطيع إنجاب الولد، فأراد المخدوع المخلوع أن يثبت جدارته وفحولته أمام الناس، فتزوج من أخرى. وكان متعجلاً ومصمما أن تنجب زوجته كل أربعة أشهر، فيأخذها عنوة إلى الطبيب ليستخرج المولود الناقص إلى الحياة.

عزيزي ذلك الرجل العجول، أنت تقتل وليدك بنفسك، فأنت لا تستخرجه للحياه بل تستدرجه للموت. وبالمناسبة يا عزيزي الرجل العجول أقول لك: اطمن انت مش لوحدك، فهذا التعجل صار مرضاً خطراً يحتاج إلى علاج نفسي وسياسي؛ لأن متلازمة "إجهاد" الزوجة القديمة اقترن بخطيئة "إجهاض" الزوجة الجديدة، إلا إذا كان الانتقام وتعويض عقدة النقص هو الهدف من المناكفة، وليس إنجاز الثورة وتأسيس شروط حياة زوجية سعيدة ومستقرة.

(2)
مما يروى أيضا عن ذلك الرجل العجول أنه وقع في ورطةٍ شرحها يطول، فهاج وماج كعجلٍ أرعن في محل زجاج. ربت حراس الحظيرة على رأسه وظهره حتى كادوا أن يقّبلوا حوافره، ونصحوه أن يهدأ وأن يفكر قبل أن يتهور ويتعور، لكن الأرعن المتعجل لا يسمع إلا كلام نفسه الأمّارة بالحمق، وقفز في المحل مستعرضا قوته الغاشمة، فتطايرت أشلاء الزجاج المشظوف لتصيبه بما يكفي من هلع وجَزع، فعاد لحراس الحظيرة مطأطئ الرأس مرخي الذيل، راجيا الإصلاح، فأخفى الحراس شذرات الزجاج المكسور في زاوية مظلمة من المحل، وجلسوا يحكون له في رومانسية واهمة عن أسرار إصلاح وحسن إصلاح وفوائد إصلاح..

المحزن أن ذلك العجل العجول يصدق أن "إصلاح" الجريئة الجاهلة التي ترعرت في وكر الرذيلة والفساد؛ قادرة على ترميم ما حطمه بحماقاته المندفعة، لكن هناك للأسف من يقع في غواية إصلاح ويصدق كلامها المكذوب.

(3)
يحكى أن رئيس مجلس العجول في مملكة الأشلاء، وصف معارضي الملك بأنهم اثنان فقط: واحد مخمور والثاني مجنون، ثم شد الطبلة الكبيرة فوق كرشه المتدلي، وأخذ ينادي: هيا يا صاح إلى الإصلاح.. قرب قرب عند محلات عفتّاح.. عندنا إصلاح مزارع بأرخص الفلوس وليالي ملاح لكل متعوس.. هنوصل الدعم للبيوت الطين وهنوزعه في بطاقات التموين، هنعمل بليلة بالديمقراطية والتين واللين، ونصلح كمان خطاب الدنيا والدين، ونركب زمبلك للمستشارين، ونرجع العجوزة صبية في غمضة عين ونرجع معاها مواويل نور العين..

ولما سأله عجل من العجول: وما مصير حرية الرأي والمعارضة في المملكة يا طويل القرون؟

قال (خسف الله طبلته): الزبون الذي يعارض فهو بالقانون والدستور والتأكيد الثلاثي، سجين سجين سجين.

ثم وجه التحية لديمقراطية إصلاح وخلفيتها الوطنية الحنونة.

(4)
لما انفضح الرئيس فضيحة اللواء يوم خروجه من المحافظة، اقترح ستانلي موتز أحد مستشاري الخداع أن يشعل الرئيس حرباً، ليشغل الناس عن فضيحة الرئيس الذي تعجَّل في لحظة قذف سريع واعترف بأنه "عمل وهيعمل وهيعمل".

ولما سألوا موتز: حرب؟.. أي حرب؟ ومع من؟.. إسرائيل حبيبتنا وحريصون على تدفئة السلام معها لكي يفقس لنا عصافير زرقاء ندقها وشماً على رؤوس المغفلين؟

قال موتز: لازم نحط الناس في جو الحرب، أدمغة الناس تتغير تماما في أوقات الحروب، ولا صوت يعلو على صوت البيانات العسكرية.

سألوا موتز: إذا كانت إسرائيل صديقة، فهل نحارب في ليبيا أو السودان؟

قال الداهية: لا هذه ولا تلك، ثم إن فيلم الحرب ضد الإرهاب في سيناء صار مكشوفاً وأصاب المتابعين بالملل، لذلك لا بد من التفكير في حاجة أبعد، محتاجين نعمل فيلم يشغل الناس.. مش مهم تكون الأحداث حقيقية ومش مهم النتائج، ذاكرة الناس في بلدكم زي ذاكرة الأسماك، المهم نشغلهم ونعيشهم أخبار وأجواء الحرب.. عندكم مثلاً إثيوبيا.. إيه رأيكم في تمثيلية حرب مع إثيوبيا؟

ولماذا إثيوبيا؟.. هل من أجل سد النهضة؟

- لا طبعا.. هذا لا يكفي، فالموضوع قديم وأنتم تعجلتم، ونشرتم الكثير من الهراء لإقناع الناس بالالتزام بمسار التفاوض، وبوجود بدائل للمياه بالتحلية أو الخزانات الجوفية.

ما العمل يا سيدنا موتز؟

اربطوا الموضوع بكرامة مصر ومستقبلها، ورفضها للانحناء أو التفريط في مياه النيل، وأعيدوا الكلام الذي قاله المعارضون عن كونكم بلدا صحراويا لا يتحمل نقص حصته التاريخية من المياه، وانقلوا الموضوع من حدود التعامل الثنائي والثلاثي إلى المجتمع الدولي، واستخدموا لغة تصعيد توحي للسذج الخائفين بأن "مستر ديدز قد يذهب إلى الحرب"، ورسخوا في عقول الناس أن الأعداء المتربصين يريدون القضاء على بلادكم، ويريدون تدمير أسلوب حياتكم واستقراركم..

ساعتها الشعب هينسى مونيكا وفستانها الأزرق واستراحتها البمبي في المعمورة، ويركز في الكابوس اللي جاي يهدد حياتهم.

نظر كونراد براون إلى النقيب أشرف الخولي وقال له وهو يبتسم: اكتب وراه يا أحمد..

قال أشرف بميوعة: بس أنا مش أحمد يا افندم.

قال برين بخبث: كلكم عندي واحد يا أماني.. موسى زي عيسى زي مرتضى زي مصطفى بكري..

وغطت المكان ضحكات شيطانية رقيعة.

بينما مسز تريامف تطرقع أصابع اليد اليمنى للرجل العجول، استعدادا لتوقيع العقد العرفي لزواجه الاضطراري من إصلاح، لوقف استمرار الفضيحة.

[email protected]
التعليقات (1)
نجلاء
الخميس، 03-10-2019 08:54 ص
مقال جامد جدا فيه من الاسقاط الكثير باسلوب فكاهى لعل القوم يعلمون اويفهمون