قضايا وآراء

ماذا بعد أن دقت ساعة الشعب..؟

نيفين ملك
1300x600
1300x600

يقولون دائما إن البدايات يغلب عليها طابع السكرة التي تكون فيها رؤيا الحلم والخيال أكبر من رؤيا الواقع والحقيقة، وهذا صحيح.. إلا في الثورات؛ فحقيقتها وصدقها في بدايتها، وفي صرخة قلوب أبنائها وصدقهم، ولذلك كان وسيبقى القائد الحقيقي لكل الثورات هم أبناء الشعب الذين لم تتلوث قلوبهم بأحقاد أيديولوجية، ولم تتشوه أفكارهم بصراعات سياسية.

إن المحرك الأول والحقيقي لثورة مصر الحقيقية؛ ثورة 25 يناير التي مرضت وربما فقدت عافيتها، ولكنها في الحقيقة لم تمت بعد، ولذلك تحرك المئات مؤخراً في مشهد مؤثر وواضح برسالة لمن ينصت، خرجت مجلجلة وبصوت ذلك الشعب التي تتفطر قلوب أبنائه وهم يرون وطنهم ينحدر انحدار صخرة جرفها سيل من أعلى جبل. ولن أعدد أسباب هذا الانحدار؛ فمن له قلب يره وإلا فعميت عينه أكثر!

لكن.. يبقى ما بعد القلوب الطاهرة المخلصة، والصرخات الموجعة الصادقة واعتقال ما يقارب 2000 مصري بالإضافة إلى توقيف مجموعة متنوعة من اساتذة جامعات وليبراليين ومحامين ونشطاء.. يبقى أن نسأل أنفسنا ماذا بعد..؟ هل هي استعادة لعافية يناير من جديد، أم هي مشهد لخريف عابر، حدوده محسوبه للتعبير عن غضب عارم فحسب (مع إجلال قدره كما ذكرت)؟


لا بد أن نكون على بيّنة من أمرنا، وعلى علم بكل ما يدور في المشهد مكتملا؛ فليست الصورة أحادية متمثلة في ذلك الغضب من فشل إدارة واهدار للمال العام، ولا في فساد منظومة داخلية واهتراء ظاهر لمؤسسات وبنية الدولة المصرية، وسوء أحوال معيشية لشعب يعاني الأمرين، وتزداد معدلات فقره وتجويعه يومياً وبصورة غير مسبوقة..

إن الصورة يا سادة لها أبعاد أخرى أوسع، وصراعات دولية وإقليمية على نفوذ سياسي واقتصادي يطوق الحاضر والمستقبل، وأودى بالبلاد إلى حافة الهاوية، وجعلها ترزح تحت نير تبعية مهينة لتحالف الرز (مناشير الصحفيين)؛ تسببت في بيع أرض البلاد والتفريط في حقوقها الخارجية ومقدراتها وثرواتها، وأفقرت أهلها، وزرعت الفرقة والحقد بين أطياف أبنائها. إن كل مصري حر لهو مع التغيير والتحول الديمقراطي، والتخلص من قيود تلك التبعية وشرها الجاثم على صدر مصر والمصريين.

لكن.. علينا أن نكون قد تعلمنا الدرس جيدا من ثورة يناير وما مر بنا منذ بدايتها وحتى الآن، وعلينا أن نعي أن استكمالها لا بد أن يكون ناضجاً واعياً.

وإن كانت هذه فرصتنا لإحياء الأمل في التحول الديمقراطي؛ طريق الآلام والتضحيات والتي قد تطول، ولكنها لن تضيع سدى، وهي فرصتنا كذلك لندرك أننا لن ننخدع بسقوط هتلري ليأتي إلينا هتلر آخر.. وهي فرصة لندرك طبيعة الصراعات من خلفها، وهذا يحتاج منا أن يكون عقل كل محب لهذا الوطن وحريته؛ على قدر الوعي الذي حملته قلوب أبناء هذا الشعب من شبابه في صرخاتهم وأناتهم وتضحياتهم.

إن الثورات قادرة على الإطاحة بالظلم والطغيان بهتافات أبنائها المخلصين.. لكن لا بد أن ندرك أنها لن تكون قادرة على بناء مجتمع العدل والحق والحرية، ولن تكون كذلك قادرة على مواجهة المؤامرات التي حيكت وتحاك لها للالتفاف عليها؛ إلا بوعي سياسي حقيقي ورؤية وطنية ناضجة وشاملة.

ربما قد دقت ساعة الشعب، وهو قادر (وسيفعل) لكن.. هل دقت ساعة السياسيين والمفكريين والإعلاميين، وكل مصري مهموم بالشأن العام، ليكونوا على قدر المسؤولية؟!

التعليقات (3)
FAROUK EL NAGGAR
الأحد، 06-10-2019 11:57 ص
يسرني ان اهنئ حضرتك أستاذة نيفين على هذآ التحليل الرائع الذي يعبر عن السمو الفكرى الذي أتى بهذا التفسير الواعي الدقيق بأسلوب راقي زاخر بكلمات وعبارات منتقاة تفيض بالمشاعر والأحاسيس الوطنية النقية التي تنير الطريق لتجمع كل أبناء مصر على كلمة سواء وهدف واحد كلمات تشرق بالنور وتزرع الأمل والتفاؤل في أن بزوغ شمس الحرية قادم قادم لا محالة كلمات قوت حماس أبناء مصر الشرفاء الذين يؤيدون ثورة شعب ورسمت البسمة على وجوههم النضرة فثورة شعب هي المارد الذي اقتحم والتهم هذا الجدار الضخم من الخوف والإرهاب الذي بناه الطاغية الديكتاتور بآلة الموت العسكرية وسجون التعذيب والموت البطيء ةحياة الذل والقهر والعبودية وهتك االاعراض فثورة شعب هي امتدادا لثورة يناير المجيدة التي لا ولن تموت فاتحدوا فكلنا مصريين ونحن جميعا متعطشين إلى مصر الحرية والديمقراطية والعيش الكريم مصر التي لا تقصي أحد ولا وتميز أحد مصر الشعب هو صاحب السيادة والقرار وهو مصدر الشرعية فعلينا أن ننسى الأحقاد والكراهية والأنانية وحب الذات نتنازل عن مصالحنا واطماعنا الحزبية والشخصية تتحرر وتنفي أنفسنا من وساوس المال والمناصب ونضع نصب أعيننا وقلوبنا مصر الحبيبة فمصر أولا ومصر قبل كل شيء ومصر فوق الجميع
مصطفي
الخميس، 03-10-2019 08:31 ص
سؤال مهم يعكس جوهر ازمة مصر و هي غياب نخبة سياسية واعية قادرة علي ادارة المشهد السياسي .
هيمن الخطابي
الأربعاء، 02-10-2019 06:08 م
سقوط النظام الانقلابي تدل عليه شواهد كثيرة لا تخفى إلا على سفيه أو متقوقع أو غارق في أحلامه واوهامه، فقوى الخارج والداخل التي ناصرت الانقلاب قد انكشفت وانفضحت، وبات كل يبحث عن النجاة بنفسه، من ترامب المهدد بالعزل وأذنابه بن سلمان وبن زايد الذين أضاعوا ثروات بلادهم وتورطوا في حرب اليمن وغيرها، إلى البرادعي المنفي ووراءه طابور طويل في الجيش وخارجه بين منفي ومعتقل ومحدد الإقامة ومقال ومجنب ومهدد، فالجنرال الانقلابي المصاب برهاب الشك في كل من حوله يحطم بيديه الحاضنة السياسية والإدارية التي تسلق عليها إلى كرسي الحكم، ووعوده للشعب الغافل والمخدوع قد تبخرت، وسياساته الخرقاء قد أدت إلى إغراق البلاد في الديون الداخلية والخارجية، وستؤدي قريباً إلى هاوية الإفلاس وتدهور معيشة المواطنين لما تحت خط الفقر، مما سيؤدي إلى انفجار شعبي عنيف، سيكون في مقدمته المجندين في الجيش والشرطة بنظام السخرة في الخدمة والاحتياط من أبناء أفقر القرى وعشوائيات المدن المعدمين والمحرومين من أي خدمات للدولة، والساخطون والناقمون على الدولة وكل من يمثلها، أما بناء الدولة بل والوطن فنأمل أن يتم على يد المخلصين دون تأخير، والله أعلم.