مقالات مختارة

الجزائر ... من أحداث 5 أكتوبر 1988 إلى حراك 2019

محمد قيراط
1300x600
1300x600

بعد مرور أكثر من 7 شهور على الحراك يتساءل المواطن الجزائري عن مصير الانتخابات الرئاسية التي تأجلت مرتين ومبرمجة يوم 12 ديسمبر 2019، رغم أن الحراك ما زال مستمرا الجمعة تلو الأخرى وما زال رافضا لتعليمات السلطة، المتمثلة في قائد الأركان أحمد قايد صالح. فإذا استمرت الأمور على هذه الحال، فهذا يعني أن المسار الديمقراطي في الجزائر لم يأخذ النهج الصحيح وكأن التاريخ يعيد نفسه. فمعظم الشخصيات التي كان يعول عليها الشارع لتترشح لرئاسيات 2019 رفضت الترشح نظرا لعدم توفر الشروط اللازمة لانتخابات حرة ونزيهة، وهذا ما يذكرنا بانتخابات 1999 عندما انسحب 6 مترشحين للرئاسيات عشية الانتخابات، وتركوا المجال لمرشح الجيش آنذاك عبد العزيز بوتفليقة الذي خاض الانتخابات بمفرده واستلم الحكم واستمر فيه لمدة 20 سنة. هل التاريخ يعيد نفسه؟ وهل عدم تطابق رؤية وأطروحات السلطة والحراك سيعرقل المسار الديمقراطي في الجزائر. قراءة نقدية لتصرف السلطة في الأسابيع الأخيرة، يبرز عدة مؤشرات تتناقض جملة وتفصيلا مع الديمقراطية واحترام الحريات الفردية والرأي والرأي الآخر، كاعتقال المشاركين في الحراك وسجن بعض من رموزه واستخدام المؤسسات الإعلامية العامة لفرض أجندة السلطة والمؤسسة العسكرية.


أما بالنسبة لأحداث 5 أكتوبر 1988 فرغم أنها أفرزت التعددية السياسية والتعددية الإعلامية، فإنها جاءت بالعشرية السوداء التي راح ضحيتها 200 ألف شخص، ناهيك عن خسائر مادية قدرت بمليارات الدولارات.
وفي الأخير جاء العسكر ببوتفليقة ليحكم لمدة عشرين سنة ولتعيش الجزائر في عهدته شتى أنواع الاختلاسات والفساد والتجاوزات. فبدلا من أن تفرز أحداث أكتوبر الحكم الراشد والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، جاءت بأسوأ رئيس عرفته البلاد منذ استقلالها. فبعد مرور 31 سنة على أحداث الخامس من أكتوبر 1988 يستحضر الجزائريون هذه الأيام في هذه المناسبة، وكلهم أسئلة وفضول عما تحقق من مطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما تحقق من فرص عمل وعدالة اجتماعية وديمقراطية وممارسة سياسية ومشاركة في صناعة القرار.

 

شباب 1988 علق آمالا كبيرة على تحسين ظروف معيشته من خلال منصب عمل ومسكن. لا يستطيع أحد إنكار أن أحداث 1988 أدخلت الجزائر عهد التعددية السياسية والتعددية الإعلامية. فأصبح هناك أكثر من 60 حزبا تمثل أقصى اليمين وأقصى اليسار مرورا بالأحزاب الإسلامية. أحداث 5 أكتوبر 1988 ما زالت عالقة في أذهان معظم الجزائريين. بداية الأحداث وتداعياتها ماثلة إلى اليوم في أذهان الشعب الجزائري. تظاهر الآلاف من الجزائريين آنذاك احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية بسبب تدهور أسعار النفط التي شهدها العالم سنة 1986. وأجبرت الأحداث الرئيس الشاذلي بن جديد آنذاك على التعهد بتنفيذ إصلاحات سياسية، توجت بدستور23 فبراير 1989، مما سمح بتأسيس أكثر من ستين حزبا سياسيا، وإنهاء حكم الحزب الواحد. ورغم أن هذه الأحداث توجت بإصلاحات غير مسبوقة، فقد تم الالتفاف على الإصلاحات من طرف السلطة تدريجيا، ولم تستطع المعارضة تغيير طبيعة ومكونات النظام الحاكم، حيث بقيت رموز الحزب الواحد ضمن أهم مكوناته. الذكرى 31 لأحداث الخامس من أكتوبر ألف وتسع مائة وثمانية وثمانين، تعتبر أول انتفاضة شعبية شهدتها الجزائر منذ الاستقلال. 5 أكتوبر شهد سقوط العديد من القتلى وإصابة الآلاف من الجزائريين واعتقال آخرين، وقد مهدت هذه الأحداث بتعديل دستور جديد أقر التعددية الديمقراطية.

 

بداية الثمانينيات تهاوت أسعار النفط من 37 دولارا وصولا عند 14 دولارا للبرميل سنة 1986، سنتان بعدها كانت كافية للجزائريين ليعلنوا عدم قدرتهم الاحتمال، بفعل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي عاشوها، أيام فقط سقط فيها 200 شخص أو أكثر نتيجة المواجهات بين المحتجين والشرطة.


إن الأسباب التي دفعت الشباب للانتفاضة قبل 31 عاما، ما تزال قائمة لحد الساعة مع الأسف الشديد، فمعدلات البطالة والفقر ومرارة الظلم والقهر الذي يشعر به المواطن الجزائري ما زالت قائمة، بل تعددت وتنوعت وزادت. أما النظام السياسي، فتمكن من الالتفاف على مكتسبات انتفاضة أكتوبر، والتكيف مع التحولات الإقليمية والعالمية، مع استمراره في الممارسات ذاتها التي كانت قبل أحداث أكتوبر 1988.

 

لكن رغم تشابه الأوضاع، فانتفاضة جديدة في الجزائر مستبعدة هذه الأيام لعدة اعتبارات من أهمها: تجربة العشرية السوداء التي أدت إلى مقتل 200 ألف شخص، تضرر منها تقريبا كل بيت جزائري. أما الاعتبار الثاني، فيتمثل فيما آلت إليها الأوضاع في دول الربيع العربي من حروب وأزمات دون تحقيق رغبات الشباب والطبقات المحرومة، فالتغيير في الجزائر يجب أن يحدث من الداخل ولا يتم إلا عن طريق معارضة قوية، أي أحزاب سياسية قوية ومجتمع مدني نشط وفعال. النظام ما زال يراوح نفسه وما زال يكرر آليات السيطرة والحكم التي آلفها منذ الاستقلال. من جهة أخرى استفاد النظام من الشرعية الأمنية في مكافحة الإرهاب والنجاح في التصدي لاختراقات التنظيمات الإرهابية للبقاء والاستمرار.

 

مرت 31سنة على أحداث 5 أكتوبر هذه الأحداث، التي خلفت مئات القتلى ومئات الجرحى والموقوفين، والتي شكلت نقطة تحول في تاريخ الجزائر. وخرج في ذلك اليوم الشباب الجزائري إلى شوارع العاصمة للمطالبة بالحرية وتحسين ظروفهم الاجتماعية والسياسية، ليتزعزع النظام من داخله. وفي فبراير 1989 تم اعتماد دستور جديد أقر بالتعددية السياسية. فهل كانت ثورة عربية قبل الأوان؟ حسب المختصين، الربيع الجزائري لم يحدث بعد، غير أن مؤشراته بادية للعيان، وحجمه سيكون أكثر بكثير مما عرفته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، أو ما عاشته تونس أو مصر أو ليبيا مؤخرا.

 

الجزائر تعيش منذ أحداث أكتوبر ما يشبه تلك الأحداث، مما يؤكد أن النظام في جوهره لم يتغير قيد أنملة، وأن أسباب الانفجار قائمة أكثر من أي وقت مضى. وفي خطة للتقليل من شأن الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، لم يفوّت الساسة الجزائريون أي فرصة لوصف أحداث 5 أكتوبر الدموية بأنها «ربيع عربي» سابق لأوانه.
لكنْ، ربيع عربي جاء بنظام حكم أقل ما يقال عنه، إنه لا علاقة له بالحكم الراشد والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

 

هل ستكون نتائج الحراك الذي تشهده الجزائر منذ أكثر من 7 شهور هي نفس نتائج 5 أكتوبر 1988؟ المؤسسة العسكرية التي جاءت ببوتفليقة سنة 1999 هي نفسها التي تدير وتأمر وتحكم، سواء علنا أو من وراء الكواليس!

 

(الشرق الأوسط)

1
التعليقات (1)
رشيد العربي .
السبت، 12-10-2019 09:06 م
مقال جيد ، لكن سيدي الكريم اختلف معك في الكلام الاخير الذي ذكرته و هو :"المؤسسة العسكرية التي جاءت ببوتفليقة سنة 1999 هي نفسها التي تدير وتأمر وتحكم،" غير صحيح فقادة المؤسسة العسكرية التي اتت ببوتفليقة هم ضباط فرنسا العلمانيون الذين كانوا يحكمون البلاد في غفلة من الزمن { خالد نزار و العماري و التواتي و العربي بلخير و .... و معهم الجنرال توفيق ، إلا أن قادة المؤسسة العسكرية اليوم هم العروبيون مجاهدو الثورة و من ورائهم خريجي اشبال الامة في عهد الزعيم الراحل " بومدين " و شتان ما بينهما .