قضايا وآراء

هل تنجح الوساطة الباكستانية بين طهران والرياض؟

1300x600
1300x600

أعلن عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني نيته القيام بوساطة بين طهران والرياض على خلفية التصعيد الأخير بين البلدين الذي أعقب فرض الولايات المتحدة الأمريكية مزيدا من العقوبات على طهران (صفر صادرات نفطية)؛ وتبعه استهداف ناقلات نفط تابعة للإمارات والسعودية لهجمات هددت أمن الملاحة وإمدادات النفط في الخليج العربي، خصوصا بعد تعرض منشأتي خريص وبقيق  النفطيتين في السعودية لأضرار كبيرة نتيجة لهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ مجنحة.

 

مبررات الحماسة الباكستانية


خان أعلن بأن الرياض طلبت وساطة باكستانية لتخفيض التوتر بينها وبين طهران؛ خصوصا بعد أن أبدت واشنطن فتورا وبرودا غير معهود في التعامل مع التهديدات التي تعرضت لها السعودية والإمارات؛ أمر سرعان ما نفته الخارجية السعودية معلنة عبر مصادرها بأن دولة شقيقة طلبت من السعودية القيام بوساطة وأن المملكة السعودية لم تمانع في ذلك بشرط أن توقف إيران نشاطاتها المعادية للمملكة العربية السعودية.

رغم النفي السعودي عاد خان وأكد على هذه الحقيقة بالقول: إن الرئيس الأمريكي طلب منه لعب دور الوسيط لتخفيض التوتر في الخليج العربي أثناء لقائهما في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة .

 

إسلام أباد ذاتها لا ترغب التورط في الصراع الناشب في الخليج العربي وغير راغبة بالانحياز لطرف دون الآخر وتبني روايته


الحماسة الباكستانية لم تتوقف إذ سارع عمران خان لزيارة طهران تتخللها نقل رسائل إلى طهران بحسب ما نقلت وسائل الإعلام الإيرانية؛ ليعلن خان نيته زيارة الرياض بمجرد الانتهاء من جولته؛ وذهب خان لأبعد من ذلك بالقول بأنه يتمنى أن تستضيف إسلام أباد قمة إيرانية ـ سعودية قريبا.

الجهود الباكستانية لها ما يبررها، إذ ترى إسلام أباد، أن الولايات المتحدة الامريكية والسعودية بل وإيران لديها مصلحة قوية في خفض التوتر بين البلدان الثلاث حتى لا تتطور إلى نزاع مسلح، فالحاجة قوية للاحتفاظ بقنوات للتواصل الدبلوماسي والسياسي؛ التوجه ذاته الذي تم رصده لدى أبو ظبي التي سارعت الوفود العسكرية والأمنية فيها لزيارة طهران والمشاركة بمؤتمر تنظيم المعابر البحرية في الخليج العربي؛ وأفضى إلى توقيع عدد من الإتفاقات وتبعها تسريبات مكثفة عن لقاءات وزيارات سرية لمسؤولين من أبو ظبي لطهران قادت بحسب المراقبين إلى انسحاب إماراتي من محيط مدينة الحديدة و(ميناء المخا) وأخيرا من مدينة عدن.

 

أساس متين

الأساس الذي تستند إليه باكستان ممثلة برئيس وزرائها متين مدعم بحقائق ميدانية على الأرض سواء في اليمن أو في الخليج العربي؛ وسياسية ودبلوماسية ممثلة بكثافة غير معهودة لنشاطات سياسية وزيارات سرية متبادلة بين الفرقاء إلى جانب رغبة أمريكية بأهمية خفض التوتر وعدم الانزلاق إلى مواجهة مسلحة لا ترغب واشنطن التورط فيها لكثافة حضورها العسكري وخطورة تداعيات هذه المناوشات على صورتها ومكانتها في الإقليم بل وفي النظام الدولي.

الأساس الأخير والقوي للوساطة الباكستانية أن إسلام أباد ذاتها لا ترغب التورط في الصراع الناشب في الخليج العربي وغير راغبة بالانحياز لطرف دون الآخر وتبني روايته؛ فإسلام أباد لديها ملفاتها الكبرى المنشغلة فيها وتمثل قوة الدفع الأساس لتحركها لقطع الطريق على نيودلهي (الهند) من تحقيق أي مكاسب سياسية أو اقتصادية أو أمنية من هذا التوتر بلعبها دور الوسيط أو بتعزيز حضورها العسكري والأمني في بحر العرب والخليج العربي؛ فخفض التوتر مصلحة باكستانية أمنية وسياسية بدوافع ذاتية بحتة.

 

الأساس الذي تستند إليه باكستان ممثلة برئيس وزرائها متين مدعم بحقائق ميدانية على الأرض سواء في اليمن أو في الخليج العربي؛


الوساطة الباكستانية لن تكون الوحيدة إذ يعتقد بأن روسيا ستسعى للعب هذا الدور، خصوصا بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكل من الرياض وأبو ظبي؛ كما أن الهند وماليزيا تبحث عن نفس الدور؛ ولولا أن الولايات المتحدة الأمريكية متورطة في الأزمة عبر العقوبات لطرحت نفسها كوسيط في المنطقة محاكية دورها في اليمن إذ قام الممثل الجديد لوزير الخارجية لسياسة الشرق الأدنى ديفيد شينكر بلقاء قيادات حوثية في اليمن على أمل تحريك المفاوضات وخفض التوتر في الإقليم.

ختاما: الوساطة الباكستانية ليست الوحيدة ولن تكون الأخيرة بين طهران والرياض؛ غير أنها تعكس رغبة باكستانية في النأي بالنفس عن التورط في الصراع لصالح طرف دون الآخر؛ ورغبة قوية في إعاقة التمدد الهندي في الخليج العربي؛ فلعب دور الوسيط يمثل واحدا من الأسلحة الدبلوماسية الفعالة لباكستان تجنبها التورط في الصراع وتفتح لها المجال للعب دور سياسي في الوقت ذاته؛ فالأزمة بين طهران وأبو ظبي والرياض ستطول وستتحول الوساطات إلى قنوات دبلوماسية مهمة لخفض التصعيد واحتواء الأزمات منعا من تحوله إلى صراع واسع؛ وبهذا المعنى يمكن القول بأن الوساطة الباكستانية نجحت في إعطاء إسلام أباد دورا جديدا في منطقثة الخليج كما أنها وضعتها على خارطة القنوات الدبلوماسية الفعالة.

التعليقات (0)