مقالات مختارة

"جوكر" والضحك من شدة الألم

عاصم منصور
1300x600
1300x600

جوكر هو الاسم الذي اختاره “تود فيليبس” لفيلمه الجديد الذي اجتاح دور العرض في معظم الدول واستقبله الإعلام الأميركي بين مرحب ومحذرٍ من تبعة عرضه خشية تقليده من قبل الشباب الأميركي الغاضب، حيث تدور أحداثه في مدينة خيالية تدعى “غوثام” ولعل المدينة المقصودة هنا هي نيويورك الثمانينيات، لكنها يمكن أن تكون سان بطرسبرغ بدايات القرن العشرين، أو باريس نهايات القرن الثامن عشر، أو حتى أي مدينة أخرى تعاني من غياب العدالة وازدياد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية ومن توسع دائرة المهمشين الذين يعيشون غير مرئيين لا يلتفت إليهم أحد.

لستُ ناقداً سينمائياً ولا خبيراً في هذا المجال لكني قرأت الفيلم كصرخة وطلقة تحذير من ثورة المهمشين عندما يهملهم المجتمع ولا يلتفت إلى صيحاتهم المكتومة وأناتهم الخافتة ولا يجدون إلا العنف ينقلهم إلى دائرة الضوء والفعل.

ابتعد الفيلم عن العرض التقليدي للمعركة الأزلية بين الخير والشر، وأعطى الكاميرا هذه المرة “للشر” ليقدم وجهة نظره، منطلقا من الجدل القديم الحديث حول أصل الشر وفيما إذا كان موروثاً أم مكتسبا، لينحاز إلى فكرة أن بذرة الشر موجودة في كل منا لكن الظروف المحيطة هي التي تتحكم في مآلاتها إما تثبيطا، أو رعاية.

جوكر هو تجسيد للمهمشين في كل مكان، والذين لا يأخذهم المجتمع على محمل الجد، فهم مجرد “مهرجين” لا أكثر، لكن هذا المجتمع يجد نفسه مضطرا للاعتراف بهم والحديث عنهم عند انجرارهم للعنف ليتصدروا المشهد ويصنعوا هم الحدث.

جوكر عن الأمراض النفسية التي تعاني منها المجتمعات وقصور المعالجات الاجتماعية لها، وعن فساد الطبقة الحاكمة، وعن الزواج غير المقدس بين السياسة والمال، وعن الإعلام أحادي النظرة الذي لا يعلم ولا يكترث بما يدور “خارج الأستوديو” كما عبر عن ذلك بطل الفيلم.

يجسد الفيلم الاستئثار بالسلطة واحتكار الحقيقة، والذي عبر عنه البطل بقول ” أنتم السلطة تحددون ما هو مضحك وما هو غير ذلك تماما مثلما تحددون ما يصح وما لا يصح”.

لقد برع بطل الفيلم في تجسيد المرض النفسي الذي يعانيه وخاصة الضحكة اللاإرادية التي تباغته كلما شعر بالألم والعجز وكأنها رقصة الديك الذبيح، كما ابدع المخرج في تتبع التغير الذي حصل على شخصية البطل بينما هو يصعد من التهميش إلى الثورة وكان ذلك باديا من خلال طريقة مشيه التي بدأها منكسرا مطأطأ الرأس لينهيها صاعدا الدرج بثقة، ومن تلعثمه في الحديث وخجله الاجتماعي إلى أن أخذه زمام المبادرة في ذروة الفيلم لأنه باعتقاده انه جاء دوره للكلام بينما يصمت الآخرون.

لقد كانت الرسالة الأقوى في مشهد الختام عندما رسم ابتسامته بالدم ليقول للمجتمع أنكم لم تلتفتوا إلى ابتسامة المهرج التي حاولت من خلالها أن اجذب انتباهكم واعلن عن وجودي لكنكم اليوم تحتفون وتتحدثون عن ابتسامة الدم، لتسدل الستارة على خطواته المضمخة بالدم في الطريق إلى المجهول.

جوكر فيلم لا يقبل من المشاهد الحيادية فإما أن تحبه أو أن تكرهه لكن رسالته السياسية والاجتماعية كانت صارخة.


صحيفة الغد الأردنية

التعليقات (0)