قضايا وآراء

ظاهرة قيس سعيد وسؤال الدولة

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600
1- رمزية الحُلم وعنوان الأمل

فوز قيس سعيد برئاسية 2019 أسعد أغلب التونسيين لا لكونهم مطلعين على برامجه ورؤاه، وإنما وبكل اختصار؛ لأنه أراحهم من مرشح هو محل شبهة فساد وتعامل مع جهات أجنبية مهددة للسيادة الوطنية وللسلم الأهلي.

الانتخاب عادة لا يتم إلا بناء على معرفة بالمترشح من حيث برامجه ومشاريعه ومن حيث سيرته الذاتية، الانتخاب فعل واعٍ وقرار عقلي، وليس عملية مقامرة أو انجذابا عاطفيا عابرا. الانتخاب شهادة للجهة التي ننتخبها سواء كانت شخصا أو حزبا، شهادة بأفضلية تلك الجهة على من سواها لخدمة البلاد وتحقيق مصالح العباد.

قيس سعيد لم يكن معروفا لدى عموم التونسيين، بل كان يعرفه بعض المهتمين بالقانون الدستوري وبعض الناشطين في السياسة، وأما عموم الناس فلا يعرفونه لكونه لم يكن من الوجوه الإعلامية المداومة على الظهور وعلى مخاطبة عموم الناس.

ظهور قيس سعيد في رئاسية 2019 كان ظهورا متميزا بكونه وجها غير ممجوج وغير مكرور، ولذلك رأى فيه عموم التونسيين بشارة خير أو خيرا متوقعا، مقابل يأس من بقية المترشحين الذين سئموا ظهورهم الإعلامي الصاخب.

لم يكن قيس سعيد مشروعا سياسيا تنمويا ثقافيا، بقدر ما كان رمزا لحلم وعنوانا لأمل، إنه بشارةُ القَدَر يراها التونسيون تطلع عليهم بعد عقود من القهر ومن الخيبات والفشل.

2- الحلم والوعي والمسؤولية

وحتى يتحول هذا الفوز إلى حافز للعمل والإنجاز، مطلوب من التونسيين تقديم مبادراتهم العملية وصرف اهتماماتهم نحو ما ينفع الناس، وترك المعارك الجانبية والصراعات الوهمية.

قيس سعيد مواطن تونسي ذو تخصص علمي قانوني يعلق عليه كثير من التونسيين أملا ويرون فيه خيرا لتونس، وحتى للعرب ولفلسطين، ولكن لا يمكن أن نحمله ما لا يحتمل وما ليس من صلاحياته في نظام هو أقرب إلى البرلماني منه إلى الرئاسي، كما لا يمكن أن نُضفي عليه هالة ما فوق بشرية حتى لا نخلد للكسل، ونظن أن هذا الرجل "الخارق" سيهزم الأعداء في الداخل والخارج بسمعته الطيبة، وليس معه حزب ولا حركة ولا شعب يعرف ما هو مطلوب منه قبل معرفة ما يطلبه من الرئيس.

مطلوب من النخبة السياسية والفكرية تحويل هذا "الحلم" إلى رؤية وإلى مشروع لبناء مستقبل جديد. مطلوب أيضا تحمل كل فرد مسؤوليته لتحقيق هذا المشروع وهذا الحلم، فالأحلام الجميلة تحتاج عقولا كبيرة وإرادة قوية.

إن منطق "الثورة" لا يتعارض مع منطق "الدولة"، بل إن روح الثورة هي قوام الدولة، وهنا وجب التحذير من الثورجيين الذين يزايدون في الثورية إلى حدّ تهديد الثورة والدولة معا، ويدفعون نحو "التهلكة" حين يموج بعض في بعض بفعل خطاب التحريض والكراهية والأحقاد.

3- بين الثورية الواعية والحماسة المتهورة

إظهار الفرح والسعادة والفخر مهم في مواجهة دعاة الإقصاء والارتداد، ولكن لا يمكن أن يبلغ هذا الفرح والسعادة والفخر مستوى الوهم من ناحية، ولا مستوى العداوة لمن هم خارج ظاهرة قيس سعيد.

من كانوا ثوريين فعلا ووطنيين حقا هم مدعوون إلى انتهاج نهج عقلاني هادئ في تغيير الواقع، وفي الدعوة إلى مستقبل أجمل.

البعض يستفيد من إعادتنا إلى أجواء 2011، أجواء الصراعات والمعارك والفوضى والصراخ. بعد حوالي تسعة أعوام نحتاج خطابا عاقلا ونبرة هادئة وحكمة بليغة، نحتاج خطاب أفكار ومبادئ وبرامج لا شعارات وعناوين.

من يستفيدون من الفوضى والصراخ هم من يفتقدون الفكرة والرؤية والمشروع، وهم من يريدونها عويلا دائما حتى لا ينكشف أمرهم ولا يبان خواؤهم، وحتى يكون الجميع في اللغو سواء.

بعض الدعوات ضد الاتحاد أو ضد بعض القنوات هي دعوات غير ناضجة وفيها ما هو مشبوه، فالمعركة مع الإعلام تكون عبر وسائل مدنية وحضارية، أي من خلال فرض أسلوب في إدارة الحوار، ومن خلال منافسة في قنوات أخرى، ومن خلال القضاء والهايكا (الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري) عند حصول تجاوزات وانتهاكات موثقة. أما الاتحاد بما هو منظمة وطنية، فالصراع يكون داخله ومن خلال هياكله وعن طريق منخرطيه، وليس عن طريق التحريض عليه أو مهاجمة قياداته بأساليب عشوائية.

الانطلاق من كون تونس لكل التونسيين ومن كون المشاكل والخلافات تعالج بالعقل وبالقانون؛ هو ضمانة لتحقق أشواق الثورة ولتراجع الغوغائيين والفوضويين.
التعليقات (0)