ملفات وتقارير

مع تصاعد "الشتائم".. هل فقد الشارع العربي الهتاف التقليدي؟

متظاهر لبناني يرفع لافتة تشتم المسؤولين في بلاده- جيتي
متظاهر لبناني يرفع لافتة تشتم المسؤولين في بلاده- جيتي

شهدت التظاهرات الجارية ضد الأوضاع الاقتصادية في لبنان تحول المتظاهرين نحو الهتافات غير التقليدية للاحتجاج على المسؤولين عبر توجيه "أقذع الشتائم" والعبارات التي لم يسبق تدوالها في تظاهرات العالم العربي على نطاق واسع.

ولجأ المتظاهرون في لبنان إلى "تكييف" الشتائم والعبارات النابية، لتتناسب مع هجومهم على بعض السياسيين، الذين طالبوا بالإطاحة بهم بعد اتهامهم بالمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وسبق تظاهرات لبنان خروج الناشط المصري وائل غنيم، والذي لعب دورا في الحشد لثورة 25 يناير في مصر، بمقاطع مصورة على الهواء امتلأت بالشتائم والألفاظ الخارجة عن المألوف ضد رئيس الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، وأبنائه خاصة محمود، الذي يعمل نائبا لرئيس جهاز المخابرات المصرية، ومتهم بإدارة ملفات داخل مصر.

 

إقرأ أيضا: فيفي عبده تعتذر عن الشتائم.. أنا مش متعودة أتكلم كده (فيديو)

وبرر غنيم مرارا لجوءه لمثل هذا الأسلوب في توجيه الرسائل للسيسي، بأن "المداراة وخداع الذات لا تجدي نفعا". بالإضافة إلى ذلك ظهر الفنان والمقاول محمد علي إلى ذات الأسلوب بشكل أقل حدة، وأطلق على السيسي ألقابا ووجه له شتائم، في إطار كشفه لملفات فساد في النظام.

وانقسم بعض المغردين العرب خاصة في لبنان، بشأن اللجوء للتشائم والألفاظ النابية، في مواجهة فساد المسؤولين وبينما رفضها البعض، اعتبر آخرون أن مستويات الفساد لا تقارن بما يقال:


أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور حسين الخزاعي قال: إن "لجوء الإنسان لهذا النوع من أساليب الاحتجاج، يعود لحجم الضغط الواقع عليه وعدم قدرته على مواجهة القهر والظلم".

وأوضح الخزاعي لـ"عربي21" أن الكبت "يدفع الإنسان لإخراج ما عنده بطريقة عنيفة، يفقد معها السيطرة على السلوك والألفاظ، بعد وصوله لنقطة الصفر، بالفقر والبطالة ورؤية حقوقه تسلب أمام عينيه وغيره يتنعم بها".

وأكد أن الوصول لهذه المرحلة لدى البشر يعني أن "الرجوع خطوة إلى الخلف أصبح مستحيلا، والحياة والموت تتساوى عندهم، وهذا ما لمسناه في الجزائر والسودان واليوم في لبنان"، مضيفا "لا أعتقد أن اللبنانيين سيتراجعوا بعد خسارتهم كل شيء، ولذلك خرجوا إلى الشارع لمخاطبة المسؤولين بأبشع الألفاظ والشتائم التي يستحقونها من وجهة نظرهم".

وتابع: "لغة الشتائم إذا خرجت من المظلوم والمقهور، يعني أنها وجهت لأشخاص فقدوا الأخلاق والحياء في التعامل مع الشعوب".

ورأى أن هذه الظاهرة "صحية، لتصل الرسالة بكل وضوح وشفافية لأصحاب القرار، لأن الشعوب الآن باتت أكثر ثقافة وعلما ولم تعد كالسابق يغلب عليها الجهل ويمكن قيادتها بسهولة دون تقديم خدمات وحياة كريمة لها".

وأضاف: "على سبيل المثال اللافتات التي شاهدها الجميع في لبنان، تشير إلى أكثر أنواع الجرأة لدى الشعوب والشفافية والاستهزاء واحتقار المسؤولين، لأن ما يفعلونه بالشعوب أبشع وأكثر قسوة من هذه العبارات".

 

حكام أفظع من الشتائم

من جانبه قال الكاتب الساخر سليم عزوز إن حالة الغضب الشديد التي تسود الشوارع العربية، نتيجة قمع الأنظمة الذي فاق الحدود، يضع الجميع أمام طريق مسدود لا ينفع معه إلا هذه اللغة.

وأضاف عزوز لـ"عربي21": إن "هناك رافدا جديدا دخل على خط الثورات والعمل النضالي والسياسي، وهو من خارج الأطر التقليدية والمدارس السياسية في الوطن العربي، ورأى أن الناس التي تعاملت بأخلاق في الموجة الأولى من الربيع العربي، جرى التنكيل بها وانتهاك حرماتها من الأنظمة الموجودة".


إقرأ أيضا: الغارديان: احتجاجات لبنان هي الأضخم منذ ثورة الأرز

 
وتابع: "فكرة النظام الممارس للاستبداد في حدود معروفة للجميع اختفت، ونحن اليوم أمام مشهد تدهور واستكانة وتفريط أمام الأعداء بصورة لا يمكن تخليها، فضلا عن حكام لصوص في سلوكهم ويقدمون نزواتهم ومصالحهم أمام، فقر مدقع وحرمان لا يوصف للشعوب ليخرج البعض ويلوم من يشتمون الحكام".

وشدد على أن الربيع العربي "كان ربيعا مهذبا، استغلت الثورة المضادة أخلاقه أبشع استغلال، وقامت بإهانة الناس والتنكيل بهم بشكل لا قدرة لمن ثار على مجاراته، ونحن لم نكن أمام عمل إعلامي مضاد فقط بل أمام خوض في الأعراض وسمعة العائلات، لذلك مكان من الطبيعي بروز أناس يواجهون هؤلاء بنفس الأدوات".

 

وقال عزوز: "أنا لا لم أمارس هذه الطريقة الاحتجاجية حتى بحدها الأدنى سابقا، لكن أنظمة أولاد السفلة لا ينفع معها اللغة الراقية واستطاع الشباب اليوم أن يوجعوا هؤلاء الحكام الذين مارسوا الابتذال في المجتمعات وتجاوزوا كل المحرمات، والنموذج الموجود الآن من الحكام من أرذل من يمكن تخيلهم".

لكن في المقابل رأى الكاتب والصحفي المصري أن "الاحساس بالانتصار، يخلق نوعا ما من الهدوء واللطف، ويعيد الأمور إلى نصابها، والشعوب ليست غاوية شتائم وألفاظ نابية، لكنها اضطرت في لحظة ما للخروج على بذاءة أكبر يمارسها الحكام".

وختم بالقول: "خلال الثورات العربية ومنها المصرية، رأينا الناس كيف كانت تمسح وتكنس الشوارع بعد الاحتجاجات، فضلا عن التفاعل في مبادرات اجتماعية، لأنها أخرجت أسوأ ما لديها حين شعرت بعدم قدرتها على الانتصار وانتزاع الحقوق وهو أمر مؤقت".

التعليقات (0)