كتب

جديد طه عبد الرحمن عن النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين

طه عبد الرحمن: أحد مآلات عزلهم الأخلاق عن الدين هو إلغاء الأخلاق ذاتها- (عربي21)
طه عبد الرحمن: أحد مآلات عزلهم الأخلاق عن الدين هو إلغاء الأخلاق ذاتها- (عربي21)

تميز المفكر المغربي الدكتور طه عبد الرحمن باطلاعه العميق والواسع على الحضارة الغربية، ورصده لتطوارتها، ورده الدقيق على انحرافاتها من خلال منظور إسلامي. 

ومما تميز به الدكتور طه عبد الرحمن ـ أيضا ـ هو لغته العربية الرصينة التي كتب بها دراساته، واشتقاقاته اللغوية ونحته لكثير من الألفاظ التي تقابل المصطلحات الغربية، وهو في هذا أكد ولاءه لإحدى دعامات هويتنا، وهي اللغة العربية، وهذا ما يحسب له، ويبرز تميزه ككاتب إسلامي.

 



ومن أجل تقديم الشواهد على ما نقول بصدد اشتقاقه ونحته للألفاظ التي تقابل المصطلحات الغربية، وإبداعه في ذلك، نأخذ لفظ المصطلحات في مجال "العلمانية"، وهو محور كتابه "بؤس الدهرانية" الذي سنعرضه في السطور الآتية..

 

مصطلحات ودلالات
 
فقد اقترح الدكتور طه عبد الرحمن لفظ "الدنيانية" للعلمانية بشكل عام وهي تقابل مصطلح "Secularism" باللغة الإنجليزية، واقترح "العَلمانية" بفتح العين للعلمانية التي فصلت السياسة عن الدين، "والعِلمانية" بكسر العين للعلمانية التي فصلت العلم عن الدين، "والدهرانية" للعلمانية التي فصلت الأخلاق عن الدين، وقد ذكر أن هناك علمانيات أخرى: منها علمانية فصلت الفن عن الدين، وثانية فصلت التربية عن الدين، وثالثة فصلت الإيمان عن الدين، وهلم جرا.

ومن الجدير بالذكر أنه يمكن أن نعتبر الدكتور طه عبد الرحمن وعبد الوهاب المسيري أوسع كاتبين وأعمق كاتبين تحدثا عن العلمانية بشكل خاص، وعن الحضارة الغربية بشكل عام، ففيم اتفقا في شأن العلمانية؟ وفيم اختلفا؟

اتفقا على أن العلمانية تتطور باستمرار نحو الأسوأ، بدءا من نشوئها إثر الثورة الفرنسية عام 1789م، لكن عبر كل منهم عن موقفه من هذا الانحدارنحو الأسوأ بألفاظ وتعبيرات مختلفة.

فأطلق المسيري تعبير "العلمانية الجزئية" عن المرحلة الأولى من نشوء العلمانية، وأطلق "العلمانية الشاملة" على الصورة التي انتهت إليها العلمانية في وقتنا المعاصر، واعتبر "العلمانية الجزئية" التي فصلت قيم السياسة عن الدين، لكنها مازالت تعتبر الإنسان وما يتعلق به من بعض ألأخلاق، مثل: الرحمة والعدل والحق إلخ. مرجعا لها، أما "العلمانية الشاملة" فهي التي فصلت فصلاً كاملاً بين الإنسان وكل القيم من رحمة وأخلاق وعدل وحق الخ، واعتبرت أن الذات المادية للإنسان هي المرجع النهائي له، أو قل بصورة أدق إن "العلمانية الشاملة" هي التي نزعت القداسة عن كل شيء، وعن كل نشاط اجتماعي أو خلقي، وحوّلت كل ما في العالم إلى أدوات استعمالية، وأصبحت القوى والمصالح هي صاحبة القيمة، ومنها تستمد كل قيمة، فهي لا تخفي فقط القيم والأخلاق والحق والعدل بل تخفي الإنسان أيضا.

 



وهنا التقى المسيري مع الدكتور طه عبد الرحمن في توصيفه للعلمانية التي أطلق عليها "الدنيانية"، وفيما انتهت إليه من فصل الدين عن كل شيء بدءا من السياسة وانتهاء بالإيمان مرورا بالعلم والأخلاق والفن والتربية إلخ...

لكن الدكتور طه عبد الرحمن اختلف عن المسيري في أنه لم يقبل أي نوع من "العلمانية"، وبقي يدينها ويرفضها، ويوضح انحرافاتها وبعدها عن الدين الإسلامي، ويبين مساوئها وآثارها الضارة على البشرية، وقد اتضح هذا في عناوين آخر كتابين له عنها، وهما "بؤس الدهرانية" و"شرود ما بعد الدهرانية"، وتميز الدكتور طه عبد الرحمن بنقدها من خلال مفاهيم ومبادئ وقيم إسلامية، وطرح البديل عنها.

لكن الدكتور عبد الوهاب المسيري وقع في خطأ كبير عندما قبل "العلمانية الجزئية" ورفض "العلمانية الشاملة" فقط، وهو هنا ـ أي المسيري ـ اختلف مع الدكتور طه عبد الرحمن، وأرى أن الحق مع الدكتور طه عبد الرحمن فيما انتهى إليه، إذ أنه لا فرق بين "العلمانية الجزئية" و"العلمانية الشاملة" في أصل المشكلة، وهي فصل السياسة عن الدين في البداية، وكان هذا في بداية النشوء للعلمانية، وترافق هذا الفصل مع مواقف أخرى من الدين ومنها اعتبار حديث الدين عن الآخرة أوهاما وخيالات، واعتبار أن المادة أساس الكون، ونبذ رجال الدين وتصرفاتهم، وحصر نفوذهم ضمن الكنيسة، ولا عمل لهم خارجها إلخ...

ثم بدأت تتسع شقة الانحراف وزاويته حجماً وعمقاً، إلى أن وصل الفصل بين الإنسان وبين كل القيم، وهو ما سماه المسيري بـ "العلمانية الشاملة"، وقد رفض المسيري "العلمانية الشاملة" وقبل "العلمانية الجزئية" مع أن هذا الموقف خاطئ لأن كلا من "العلمانية الجزئية" و"العلمانية الشاملة" لا تختلفان في أصل الانحراف، لكنهما ـ كما ذكرنا ـ تختلفان في مداه وعمقه.

 

انحراف العلمانية


إن تصور الدكتور طه عبد الرحمن للإنحراف في "العلمانية" أدق وأوضح وأحق من عبد الوهاب المسيري، لذلك رفض "العلمانية" بكل صورها واعتبرها غير مقبولة في كل أحوالها، في حين أن الدكتور المسيري أخطأ وقبل صورة منها وهي "العلمانية الجزئية."

لقد أطلق الدكتور طه عبد الرحمن مصطلح "الدهرانية" كما رأينا على قضية فصل الأخلاق عن الدين، وهو من أجل محاكمة هذا الفصل وتقويم بعده عن الصواب، والحكم على فشله في إيجاد أخلاق بديلة عن الأخلاق الدينية ألّف كتاب "بؤس الدهرانية: النقد الائتماني لفصل الأخلاق عن الدين" وبدأ ذلك الكتاب بأن رسم ثلاثة مسلمات في البداية، وهي:

الأولى: "مسلمة التبدل الديني" ومعناها أن الدين المنزل يأخذ صورتين: "الصورة الفطرية" و"الصورة الوقتية"، الأولى تكون صورتها الأصلية التي نزلت على النبي، والثانية تتكون من التغيير الذي يطرأ عليها من البشر مع مرور الزمن.

الثانية: "مسلمة التخلق المزدوج" بمعنى أن الأخلاق مع "الصورة الفطرية" للدين تنطلق من داخل الإنسان إلى خارجه، ولكن الأخلاق مع "الصورة الوقتية" للدين تنطلق من الخارج إلى الداخل.

الثالثة: "مسلمة الآمرية الإلهية" ومقتضاها أن ما أمر به الله تعالى من الأعمال خيرٌ وعدل وما نهى عنه شرٌ وظلم، وإن إتيان المأمورات يحقق تخلق الإنسان وإن إتيان المنهيات يحول دون تخلق الإنسان.

وقد اعتبر الدكتور طه عبد الرحمن أن هناك أربع صيغ من الدهرانية: وهي "الصيغة الطبيعية" ويمثلها روسو، "الصيغة النقدية" ويمثلها كانط، "الصيغة الاجتماعية" ويمثلها دوركهايم و"الصيغة الناسوتية" ويمثلها فيري.

وقد نقل الدكتور طه عبد الرحمن بعد ذلك موقف هذه الصيغ الأربعة من المسلمات الثلاث التي رسمها في البداية، وها نحن سننقل كلامه حول هذه الصيغ الأربع من المسلمات الثلاث التي طرحها وتحدثنا عنها سابقاً. 

أولاً: صيغة الدين الطبيعي

ويمكن أن نعتبر الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو" خير ممثل لهذا الدين وأخلاقه، وقد شرح أفكاره عن ذلك الدين في كتابه "إيميل" وعنونه باسم "عقيدة قسّيس سافُوَا". وقد اعتبر روسو أن هناك تضاداً بين "الدين الطبيعي" و"الدين المنزل" وأقامه على ثلاثة شكوك: "إنكار الوحي" و"إنكار الملائكة" و"إنكار النبوة".

ثانياً: صيغة الدين العقلي

لم يبلغ أحد مثل الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانط" مبلغه في تأسيس الأخلاق على العقل وحده، ويقوم تصور كانط على أن العقل قادر على أن يتوصل إلى قوانين أخلاقية مطلقة، وأن كل قانون عقلي يكتسب قيمة كلية تلزم جميع الكائنات العاقلة.

ثالثاً: صيغة الدين الاجتماعي

وجدت بعض أفكار "كانط" في الأخلاق تطبيقاً في مجال التربية مع عالم الاجتماع "إميل دوركهايم" بعد أن أعاد صوغها في قالب علمي.

ومن الجدير بالذكر أن الجمهورية الثالثة الفرنسية اجتهدت في إقامة تعليم دهري للأخلاق بهدف الفصل بين الكنيسة والمدرسة، فأقرت تلقين التلاميذ في المدارس الابتدائية العمومية "الأخلاق الدهرية" وسنت لذلك قوانين محددة منها قانون 28 مارس أذار 1882، ووضعت برامج تعليمية مفصلة. وقد عرف دوركهايم "التربية الدهرية" بكونها التربية التي تأبى أن تقتبس المبادئ التي تبنى عليها الأديان المنزلة، فلا تعتمد إلا على الأفكار والمشاعر والممارسات التي تتبع العقل وحده في كلمة واحدة: "التربية العقلانية الخالصة". 

رابعاً: صيغة الناسوتية الثانية

سعى الفيلسوف الفرنسي المعاصر "لوك فيري" إلى أن يضع أسس ناسوتية جديدة وسماها "الناسوتية الثانية" تمييزاً لها عن "الناسوتية الأولى" التي نشأت مع النهضة الأوروبية، ورسخت مع فلاسفة الأنوار، ثم ازدادت رسوخاً مع الثورة الفرنسية بسبب إقرارها بحقوق الإنسان، إلى أن جاءت التفكيكيات التي هدمت كثيراً من المثل التي انبنت عليها هذه "الناسوتية الأولى" وأصبحت هذه المثل بمثابة أوثان تفصلها عن الواقع.

وقد أشار "فيري" إلى عملية التأنيس الإلهي، والمراد به فعل التدهير ـ أو الدهرنة ـ الذي يأتي إلى الدين فيخرج على التدريج كل ما هو إلهي منه ويحوله إلى ما هو إنساني.

وقد أكد "فيري" أن الفكر الفلسفي ساهم بقوة في إقامة "الدهرنة"، فقد ظل يجتهد في نقل المعاني الميتافيزيقية والقيم الأخلاقية التي تضمنتها الأديان إلى لغة العقل.

انتقل بعدها الدكتور طه عبد الرحمن لمناقشة موقف صيغ الدهرانية الأربعة من مسلمة الأخلاق، فنقل أن كانط اعتبر أن العلاقة الوحيدة التي تربط الإنسان بالله إنما هي العلاقة الأخلاقية ليس إلا، وبهذا الصدد يضع قاعدة أنه إذا استثنينا السلوك الحسن، فإن كل ما يعتقد الإنسان أنه يمكن عمله من أجل إرضاء الإله، هو مجرد جنون ديني خالص وتعبد للإله فاسد.

أما الأخلاق في الصيغة الاجتماعية، فقد اعتبر دوركهايم أنها تقوم على ثلاثة أركان هي: الأول: روح الانضباط، الثاني: التعلق بالجماعة، والثالث: استقلال الإرادة. وقد اتصفت الأخلاق الدهرية عند دوركهايم بأنها أخلاق خارجية وتجعل الداخل تابعاً للخارج وتلبس الداخل لباس الخارج.

أما الأخلاق في الصيغة الناسوتية فقد ميز "فيري" فيها بين نوعين من الأخلاق: الأول يسميه "أخلاق الواجب" والثاني يسميه "أخلاق الخلاص".

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن عن موقف الصيغ الدهرانية للدين من مسلمة الآمرية الإلهية، فقد وجد أن روسو لا يقول بالأوامر الإلهية وينكر الوحي والرسالة أو على الأقل يشك فيهما، ولا يسلم بالشعائر المنزلة. وقد أسند إلى الضمير الصفات التي تسند للإله من عصمة وخلود وتأله وكمال وحكم على الأفعال، وقد اعتبر أن ضميره هو الذي يأمره وينهاه ويحكم على أفعاله إن خيراً أو شراً.

أما الأوامر الإلهية والصيغة النقدية فقد شغلت "كانط" مسألة تأسيس الأخلاق، واعتبر "كانط" أن الأخلاق تتأسس على الإنسان باعتباره كائناً حراً، ولم تعد الأخلاق بحاجة إلى فكرة كائن آخر أعلى لكي يعرف الإنسان واجبه، ولا تحتاج الأخلاق إلى الدين لكنها بفضل العقل العملي الخالص تكتفي بذاتها.

وقد أسند "كانط" إلى الإرادة ما يشبه ما أضفاه روسو على الضمير من صفات الكمال التي لا يستحق أن يوصف بها إلا الإله مثل "الخيرية المطلقة" و"الذاتية المطلقة" و"الخيرية الذاتية".

 أما الأوامر الإلهية والصيغة الاجتماعية فقد وجد "دوركهايم" ضالته في المجتمع باعتباره مستقلاً عن أفراده، ونسب دوركهايم إلى المجتمع كل صفات الجلال والجمال التي يختص بها الإله في أخلاق الدين المنزل، فقال إن المجتمع بالنسبة لأعضائه كالإله بالنسبة لعباده، فإن الإله هو قوة أعلى من الإنسان تأمر وتُتّبَع، فكذلك المجتمع له نفس العلو علينا.
 
أما الأوامر الإلهية والصيغة الناسوتية الثانية، لقد ذهبت الناسوتية الثانية إلى إقامة الإنسان مقابل الإله، بل جعلته يزدوج به، فقد وضع فيري مصطلحاً مركباً هو "الإنسان الإله" ليدل به على الأمر الآدمي مكان الأمر الإلهي.

لقد انتهى الدكتور طه في دراسته إلى أن الصيغ الأربعة اتفقت على رد الآمرية الإلهية إلى الآمرية الآدمية، واختلفت مضامين هذه الآمرية الآدمية من صيغة لأخرى، فالصيغة الطبيعية نسبت هذه الآمرية إلى "الضمير"، والصيغة النقدية نسبتها إلى "الإرادة"، والصيغة الاجتماعية نسبتها إلى "المجتمع"، والصيغة الناسوتية أسندتها إلى "الإنسان الإله". وقد أوضح أن إنكار هذه الصيغ للآمرية الإلهية عائد إلى الجهل بالقدر الإلهي مصداقاً لقوله تعالى: " وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى? بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ" (سورة الأنعام، الآية 91 ) .وقوله تعالى: " وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ? سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى? عَمَّا يُشْرِكُونَ" (سورة الزمر، الآية 67).

وقد تمثل هذا الجهل بقدر الله في تصورات فاسدة عن علاقة الإنسان بالله، وقد حصرها الدكتور طه عبد الرحمن في أربعة تصورات هي: التصور الخارجي، التصور التجزيئي، التصور التسييدي، والتصور التجسيدي.

ثم عرض هذه التصورات ودلل عليها وأتى بالشواهد المناسبة، وبهذا دلل على بؤس فكري فاحش قام عليه هذا النموذج الدهراني الذي فصل الأخلاق عن الدين.

ثم عرض الدكتور طه عبد الرحمن الأنموذج الائتماني الذي يعتقد أنه يبرز اتحاد الأخلاق بالدين، وبيّن أنه يقوم على خمسة مبادئ وهي:

1 ـ مبدأ الشاهدية: ومقتضى هذا المبدأ "أن الله يشهد عملية التخلق الإنساني باطنها وظاهرها".
2 ـ مبدأ الآياتية: ومقتضى هذا المبدأ هو "أن اتصال الدين بالعالم اتصال آيات لا اتصال ظواهر"، باعتبار العالم مجموعة من الآيات التكوينية والدين مجموعة من الآيات التكليفية.
3 ـ مبدأ الإيداعية: مقتضى هذا المبدأ هو "أن الأشياء ودائع عند الإنسان".
4 ـ مبدأ الفطرية: إن مقتضى هذا المبدأ هو "أن الأخلاق مأخوذة من الفطرة".
5 ـ مبدأ الجمعية: إن مقتضى هذا المبدأ هو "أن الدين بجمعيته أخلاق".

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن في الفصل الرابع عن ظلم الدهرانية لماهية الإنسان، فبين أن فصل الأخلاق عن الدين أدى إلى أن المفكرين الدهرانيين ظلموا الدين كما ظلموا الأخلاق.

ثم انتهى الدكتور طه عبد الرحمن إلى تحديد البواعث التي دعت المفكرين الدهرانيين إلى فصل الأخلاق عن الدين، فحددها بثلاثة عوامل هي: "التذمر من الدين المسيحي، والتذمر من الدين عموماً، واللجوء إلى العقلانية". وكلها تقضي إلى إلغاء الدين المنزل واستبدال دين دهري مكانه، دين اتخذ صورة أخلاق عقلية مستقلة.

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن عن ظلم الدهرانية للأخلاق، في كون أحد مآلات عزلهم الأخلاق عن الدين هو إلغاء الأخلاق ذاتها.

ثم تحدث الدكتور طه عبد الرحمن في الباب الثاني عن المفكرين المقلدين من أبناء ملتنا للدهرانيين، فتوصل إلى أنهم أشد بؤساً وأشد ظلماً للأخلاق، لأنهم يقلدونهم ويتبعونهم فيما لا ينبغي تقليدهم واتباعهم.


الخلاصة: لقد فصلت "الدهرانية" الأخلاق عن الدين في مرحلة تالية من بدء العلمانية في أوروبا إثر الثورة الفرنسية عام 1789م، وحاولت إيجاد أخلاق بديلة عن طريق فلاسفة كبار وهم روسو وكانط ودوركهايم وفيري، وقد استعرضنا تلك المحاولات جميعها، وأوضحنا تعثرها بل فشلها، لذلك نستطيع أن نجزم مع الدكتور طه عبد الرحمن بأنه لا يمكن أن تكون أخلاق بلا دين، وأن الدين المنزل هو الذي يولد أخلاقاً حقة تكون فعالة في دفع مسيرة المجتمع إلى الأمام.

التعليقات (0)