مقالات مختارة

كيف تُرضي جيل الغاضبين؟

عثمان ميرغني
1300x600
1300x600

إذا أخذنا بعدد من الدراسات الجادة، فإن ثورات العراق ولبنان، بعد السودان والجزائر، التي اعتُبرت موجة ثانية لما سُمي «الربيع العربي»، ليست نهاية المطاف، والأرجح أن تتلوها موجات أخرى. كما أن هذه الثورات ليست حالة خاصة بالمنطقة، ولا هي معزولة عن ظاهرة عالمية تحدث أمام أعيننا منذ سنوات، وهي ظاهرة من شقين؛ الأول يتعلق بالشباب، والآخر بتنامي الإحباط والغضب عالمياً.


التفسير لذلك نجده أولاً في الإحصائيات التي تقول إن 41% من سكان العالم اليوم هم من الشباب دون سن الـ25. وثانياً في أن غالبيتهم يشعرون بالغضب مما يرونه انسداد الأفق أمامهم بالنظر إلى زيادة الأعباء المعيشية والضغوط الاقتصادية وتقلص فرص العمل والإحساس بالتهميش والقلق من المستقبل. هذان الأمران نجدهما واضحَين في الحراك اللبناني والعراقي، مثلما كانا في أحداث السودان والجزائر، وقبل ذلك في الموجة الأولى من «الربيع العربي».


الشباب أيضاً يبرز كعنصر فاعل في احتجاجات فنزويلا والبرازيل وتشيلي، مثلما رأيناه يتقدم مظاهرات المناخ في أوروبا وأميركا وآسيا بل وحول العالم.


الشباب استفادوا في حراكهم من أشياء لم تكن متوفرة لجيل الآباء وتحديداً وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الهواتف الذكية، ما أتاح لهم منصات يتبادلون فيها الأفكار والأخبار، ويعبّرون عن آرائهم بحرية، وينظمون حراكهم الذي ينقل غضبهم من الفضاء الإنترنتي إلى الساحات والميادين والشوارع.


لهذا رأينا السلطات في السودان والعراق، على سبيل المثال لا الحصر، تلجأ إلى حجب وتعطيل الإنترنت لمواجهة المظاهرات الشعبية ومحاولة عرقلة تنظيمها، وهو أمر كان له تأثيره، لكنه لم يوقف الاحتجاجات الناجمة عن غضب عارم من أوضاع متردية ومشكلات متفاقمة تتطلب حلولاً حقيقية وتغييرات جذرية.


تغيير التركيبة الديموغرافية وارتفاع عدد الشباب يطرح تحديات كبيرة أمام صناع القرار، لا في العالم العربي وحده، بل على مستوى العالم كله، في مقدمتها توفير فرص العمل في عالم ترتفع فيه أرقام البطالة بشكل مقلق بسبب المشكلات الاقتصادية واختفاء الكثير من الوظائف نتيجة دخول الكومبيوتر والذكاء الصناعي في كل المهن تقريباً مع استثناءات قليلة. ويتوقع أن تحل الروبوتات محل الإنسان بشكل متزايد في كثير من الوظائف خلال عشرة أعوام أو أكثر قليلاً.


 فعلى سبيل المثال يتوقع الباحثون أن تكون الآلات التي تعمل بالذكاء الصناعي قادرة على قيادة الشاحنات بحلول عام 2027، وأن يتحول الكثير من المتاجر إلى استخدام تقنيات الذكاء الصناعي والبداية نراها في متاجر «أمازون» الذكية Amazon Go التي انطلقت تجريبياً قبل عامين في سياتل وامتدت بعد ذلك إلى 17 فرعاً موزعة على عدد من المدن الأميركية.


هذه التحولات تطرح تحديات جديدة في أسواق العمل وتفاقم من وضع مقلق أصلاً لصناع القرار. فاستناداً إلى منظمة العمل الدولية في تقرير «العمالة العالمية والتوقعات الاجتماعية... اتجاهات عام 2018»، هناك نحو 192 مليون إنسان بلا وظيفة حول العالم، ونحو 4 مليارات إنسان من دون أي ضمانات صحية أو اجتماعية. أما في العالم العربي فإن عدد العاطلين عن العمل يقدّر بنحو 50 - 60 مليون شخص، وفقاً للجامعة العربية.


 وخلال السنوات الخمس المقبلة يُتوقع أن يدخل نحو 27 مليون شاب سوق العمل في المنطقة العربية لن يجد أكثرهم فرص التوظيف لأن أمامهم طوابير من العاطلين من الأجيال التي سبقتهم ولا تزال تعاني من قلة فرص العمل، ومن ارتفاع تكاليف المعيشة، ومن تنامي مشاعر اليأس والحيرة والغضب. ونسبة بطالة الشباب العربي تعد من بين الأعلى في العالم، ما يعكس حجم المشكلة وتعقيداتها بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في أكثرية دول المنطقة، والنزاعات الداخلية في بعضها الآخر.


الاحتجاجات التي تتالت منذ 2011 طغى عليها بوضوح هذان العنصران؛ الشباب والأوضاع الاقتصادية. صحيح أن هناك مطالب وشعارات سياسية برزت، لكن الاحتجاجات حرّكتها بدايةً الضغوط والمطالب الاقتصادية، لذا فإن الحلول لا بد أن تراعي بل تركز على هذين العنصرين، من دون أن تغفل بالطبع الإصلاحات الأخرى المطلوبة. فهناك شكاوى في الدول العربية المعنية من تردي التعليم والخدمات الصحية ومن انتشار الفساد ومن التهميش وضعف المشاركة السياسية.


تونس نموذج يوضح أن التغيير المطلوب جوهري وليس شكلياً. فالحكومات التونسية التي شُكِّلت لم تلبِّ مطالب الناس، ولم تستطع تضييق الهوة مع الشباب. وعندما حانت فرصة الانتخابات مجدداً صوّت الشباب لصالح رئيس جديد، صوّت 90% من الشباب بين سن 25 و28 للأستاذ الجامعي قيس سعيد، موجّهين رسالة قوية إلى الأحزاب والرموز التقليدية بأنهم يريدون روحاً جديدة وشخصيات تعبّر عن توقهم للتغيير، ولم تتلوث سياسياً، وتمنحهم الأمل بأنها ستعمل بنبض الشارع لتحقيق تطلعاته والانصراف للعمل الصعب المطلوب للإصلاح الاقتصادي والسياسي.


الشباب الذين يتصدرون الحراك قد يشكّلون تحدياً للحكومات، وقد ينظر إليهم البعض على أنهم عبء اقتصادي وتحدٍّ سياسي، لكن العالم العربي لديه ميزة تتمناها مثلاً الدول الأوروبية التي تعاني من تراجع متزايد في المواليد وبالتالي نقص الشرائح العمرية صغيرة العمر. فالشباب في المنطقة يمكن أن يكونوا، ما دام توفر نظام سياسي واقتصادي يحمل همومهم ويعمل لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم، الثروة الحقيقية للنهوض الاقتصادي الذي تسعى إليه دول المنطقة. ولو تمحورت السياسات التنموية حول الاستفادة القصوى من هذه الشرائح العمرية لربما تحدثنا خلال سنوات قليلة عن «النمور العربية» كما تحدث العالم سابقاً عن «النمور الآسيوية». البديل لذلك أن تستمر دوامة الغضب... وتداعياتها.

 

عن جريدة الشرق الأوسط اللندنية 

 

0
التعليقات (0)

خبر عاجل