قضايا وآراء

تركي آل الشيخ أمام الأهلي.. مهزوماً ومتذاكياً

ماجد عزام
1300x600
1300x600
تاريخياً كان الأهلي أكثر من مجرد ناد رياضي، مع نشأته كتجمع للشباب الثائر وحمله لواء الرياضة الوطنية في مواجهة الإحتلال والمتعاونين معه، وعمله على مراكمة مبادئ أسس وقيم وإنجازات رياضية.

وطوال أكثر من قرن كان النادي فيها مؤسسة من مؤسسات الوطن الدولة المصرية عصي على كل الأنظمة، لذلك لجأت هذه عبر التاريخ إلى دعم منافسيه؛ من حقبة فاروق الذي أعطى اسمه للنادي المنافس، لكن دون تغول الدولة المدنية الديمقراطية على الرياضة المجتمع بشكل عام، إلى حقبة ناصر- عامر التي أممت فيها السلطة كل شيء لصالحها، وتحول الزمالك فيها إلى نادي النظام دون قدرة على المواجهة أو الاصطدام مع الأهلي (نادي الأمة)، وصولا إلى حقبة حسنى مبارك ورغبة العائلة في الهيمنة على كافة مناحي الحياة (تحديداً الإقتصاد الرياضة) كعائلة مالكة. ومع تراجع الزمالك في تلك الفترة، لجأوا إلى دعم وتقوية الإسماعيلي في مواجهة الأهلي وكمنافس له.

عربياً؛ كان الأهلي تاريخياً هو فخر العرب على المستوى الجماعي. فالنادي الذي سميت على اسمه عشرات النوادي في الوطن العربي، شكَّل إلهاماً وقدوة لمئات، بل آلاف منها.

هو كذلك نادي القرن في أفريقيا، والنادي الأكثر تتويجاً بالبطولات القارية على مستوى العالم حتى سنوات قليلة، قبل أن يتراجع في السنوات الخمس الأخيرة إلى المرتبة الثانية، ومع وصول ابن الأهلي بالتبني، محمود طاهر، للرئاسة في غفلة من الزمن، ربما في ظل حالة السعار التي صاحبت انقلاب تموز/ يوليو 2013.

فقد عجز طاهر عن بناء فريق جديد بعد جيل مانويل جوزيه؛ الذي تم بناؤه ثم تجديده من قبل مجلس الأساطير التاريخي (مجلس حسن حمدي ومحمود الخطيب)، ولا شيء يعبر عن حقبته التي كانت مجرد جملة اعتراضية في تاريخ النادي العريق أكثر من إعتماده على خصوم موتورين في المنظومة الإعلامية، مثل أسامة خليل ومحمد الشرقاوي، وتصالحه المجاني مع إداة النظام البلطجي مرتضى منصور، دون اعتذار ودون محاسبة بعدما تطاول على نادي القرن، وعلى طاهر شخصياً. وفي مناسبة الصلح (كأس السوبر بالإمارات في 2015) سأله مرتضى كيف يمكن شتم أم الحكم باللغة الإنجليزية، بينما اكتفى رئيس الصدفة بالتبسّم ببلاهة.. نعم هي واقعة حقيقية صادمة، وليست نكتة بأي حال من الأحوال.

مع عودة الأسطورة محمود الخطيب وثلة من أبناء الأهلي الأصليين إلى الإدارة، بفوز كاسح في انتخابات ديموقراطية حرة نزيهة مثلت وتمثل استثناء في البلد كله، بدأت الحرب الشرسة ضد النادي من النظام ووكيله وأذرعه المختلفة والإعلام المدجن، وكالعادة واجهت الإدارة المعركة بشكل حكيم ومسؤول؛ حافظ على النادي تقاليده ومبادئه، دون الاصطدام المباشر مع النظام والسلطة بشكل عام.

غير أن مرحلة جديدة مختلفة بدأت مع دخول المستشار السعودي تركي آل الشيخ إلى الساحة المصرية، على خلفية منصبه الرسمي في القيادة السعودية، كما لترؤسه الاتحاد العربي لكرة القدم. لم يدخله الخطيب طبعاً كما يقول بعض السذج أو الديماغوجيين، إنما دخل من خلال العلاقة الوطيدة أو تبعية النظام للسعودية وقيادتها. المهم أن تركي قدم نفسه كأهلاوي يريد خدمة النادي والرياضة بشكل عام، ومستعد لدعم النادي كما فعل العديد من عشاقه العرب، فرتّب مباريات دولية ودية للفريق ودعمه بصفقات بعد تعيينه رئيساً شرفياً، ولكن عندما رأت الإدارة أنه يتدخل في شؤون النادي وتفاصيله اليومية، أظهرت له الكرت الأحمر، فاضطر للانسحاب من الرئاسة الشرفية التي لم يكن يستحقها أصلاً.

بعد طرده من الأهلي (الذي سيكون سببا لمغادرته البلد)، شن تركي آل الشيخ حربا مسعورة ضد نادي القرن، عبر حملة إعلامية بدأها باتهامات لمجلس الإدارة المنتخب ديمقراطياً، ثم أسس، أو بالأحرى اشترى نادي الأسيوطي، مستعينا بطابور خامس من أبناء الأهلي، فاستقطب اللاعبين الذين كانوا على رادار النادي، ثم رفع الأسعار في البلد بشكل عام، وحوّل الزمالك المنافس إلى "الأسيوطي ب" لنفس الهدف، وهو إضعاف أو حتى تدمير الأهلي، مع التكفل بعقد المدرب الأجنبي للزمالك ونصف لاعبيه الموسم الماضي.

بالتوازي، أسس تركي قناة إعلامية لمهاجهة الأهلي، ضم إليها حثالات وسفلة الإعلاميين لنفس الغرض، ومع الاحتقان الذي سببه وانفجار جمهور الأهلي في وجه تركي، خشي النظام من أن يتحوّل الغضب ضده فتم إغلاق القناة، بينما استمرت الحرب الإعلامية عبر "الأسيوطي ب" برئيسه والإعلاميين المرتزقة. يمكن الإشارة هنا فقط إلى تمويل النائحة المستأجرة ساعتين (الزمالك اليوم) التي تحولت لبوق ضد الأهلي ورئيسه، وتكريس التعصب والفتنة في صفوف الجمهور خدمة للنظام الذي أوجد المكان؛ وتركي الذي أمّن التمويل.

في هذه الأثناء جرى التأثير على اتحاد الكرة والتلاعب في جدول الدوري لصالح الأسيوطي بجناحيه، وجرى تأجيل مباريات الفريقين بشكل مشبوه، ثم جرى تأجيل الدوري كله لما بعد كأس الأمم الأفريقية، على عكس أجندة الفيفا، وهو أمر اعترف به رئيس الأسيوطي أخيراً. ثم حكمت المحكمة لصالح الأهلي في حكم تاريخي، وبتعويضه من قبل اتحاد الكرة على الضرر الذي وقع عليه.

في سياق الحرب، أجبر تركي شركات سعودية لسحب رعايتها للنادي أو تزويده بالملابس. من جهته، أدار النادي المعركة بحكمة وثبات وصمود، واحتكام إلى القانون المؤسساتي، بينما تنهار الدولة كلها، وفاز ببطولة الدوري الأصعب في تاريخه، بعدما كان قد طلب لجنة تفتيش رسمية من خبراء مختصين لفحص تبرعات تركي، والتأكد من أنها صرفت وفق اللوائح القوانين المنظمة لعمل المؤسسات الرياضية.

واتفقت الإدارة كذلك مع شركة عالمية متخصصة لتزويد الفرق بما تحتاجه من مستلزمات، ثم توصلت إلى اتفاق رعاية آخر مع شركة الأمر الواقع التابعة للنظام، إضافة للحصول على 150 مليون جنيه كتعويض من الشركة السعودية التي أجبرها تركي على فسخ عقدها مع الأهلي.

انهيار مشروع تركي دفعه لمغادرة البلد كلها، بعدما طردته الإدارة من النادي، وما كان بإمكانه البقاء في ظل الحرب المستعرة مع الأهلي التي خسرها أصلاً.

رغم انحسار الموجة نهاية الموسم الماضي مع فوز الأهلي بالدوري، إلا أنها عادت مع خروج الفريق من بطولة الكأس قبل شهرين ونصف، فقط سخر تركي شخصياً من هزيمة الأهلي، ثم سخر من تريث النادي في التعاقد مع مدرب جديد، وسخر من المدرب الجديد، وحطَّ من قدراته، وأساء الأدب مع الشيخ طه إسماعيل الذي تولى التعاقد مع المدرب والدفاع عن قدراته وأهليته لتدريب نادي القرن.

انكسرت الهجمة الجديدة مبكراً جداً مع فوز الأهلي بكأس السوبر المصري، ثم تقديم النادي عروضا رائعة مع المدرب الجديد، ونجاح مجلس الإدارة بقدراته الذاتية في بناء فريق، بل فرق جديدة، ليس فقط في كرة القدم، إنما في الألعاب الجماعية الأخرى.

ثم كان الانتصار المدوي ضد اتحاد الكرة المتواطئ في معركة تأجيل مباراة القمة أمام الزمالك الذي حوّله تركي إلى "الأسيوطي أ" هذا العام، وذهاب أركان النظام لمنزل الأسطورة الخطيب لاسترضائه ومجلس الإدارة الذي كان مجتمعاً لمناقشة الأزمة.

فهم تركي أن قافلة الأهلي تسير بدونه، وأن الإدارة ماضية على طريق استعادة أمجاد النادي داخلياً خارجياً، وانتصرت في كل المعارك التي خاضتها. ولأنه مهووس بالبقاء في الأضواء المصرية، قرر الإعلان عن فتح صفحة جديدة مع الأهلي وجماهيره، لكن دون الاعتذار والإقرار بما فعله، بما في ذلك تقديم رشاوى لشتم الخطيب والتحريض عليه وعلى مجلس الإدارة، وحاول أن يتذاكى ويغطي نفسه عبر حملة إعلامية مكثفة لتصوير نفسه كمتسامح عاشق للكيان وراغب في خدمته.

عموماً يسعى تركي آل الشيخ لأن يحقق سلماً وبنعومة ما عجز عنه حرباً وبخشونة، ومجلس الإدارة الشرعي الديمقراطي المنتخب للأهلي قبِل الصلح، دون عودة التعاون معه، كما في السابق، لكن كأمر واقع مفروض تماماً مثل رئيس الاتحاد عمرو الجنايني، كما لمنعه (أي تركي) من دعم المنافس أو الانشغال في حرب لا داعي لها، رغم أن النادي حقق النصر فيها، لكن لا داعي لإهدار الوقت والجهد في حرب يمكن تجنبها، كما تفعل أي إدارة ديمقراطية منتخبة ستجلس للمحاسبة أمام جمهورها في صندوق الاقتراع.
التعليقات (0)