مقالات مختارة

مصر: دور شياطين الخصخصة في تصفية الأصول العامة!

محمد عبد الحكم دياب
1300x600
1300x600

أغرق «المشير» السيسي مصر في مستنقع صهيو أمريكي، واختار له طريق التبديد والمغالاة في الديون وطلب القروض، وإنشاء «صناديق مالية» تتبعه شخصيا؛ فصندوق «تحيا مصر»، جعله وعاء لأموال «التمكين» التي تبقيه في الحكم مدى الحياة، و«الصندوق السيادي» وعاء آخر لإيداع حصيلة بيع القصور والمباني والمواقع الحيوية للسعودية ودول الخليج؛ دون قيود قانونية أو حكومية، وسنفرد لهذا موضوعا مستقلا لتناوله، وهناك مناطق بيعت بالفعل وأخرى مرشحة للبيع؛ في «محور قناة السويس»، وقصور ومباني قلب القاهرة العريقة والتاريخية، فور إخلائها تباعا من الوزارات والهيئات والمصالح الحكومية، ونقلها إلى «العاصمة الجديدة» أو البديلة أو الموازية، بالإضافة لجزر النيل؛ الواقعة في زمام القاهرة الكبرى وحوله.
وأسمح لنفسي بالقول إن «المشير» يشبه «غوبلز» وزير الدعاية النازية؛ في كراهيته للثقافة والمثقفين، ويُنسب إلى غوبلز قوله: «عندما أسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي»؛ لذا فـ«المشير» شديد التضييق على المثقفين والمفكرين والأكاديميين، ويلاحقهم أينما حلوا، ويفضل الارتباط بالمقاولين والجنرالات، والسماسرة ورجال المال وملاك العقارات والأراضي، وأباطرة النفط السعودي والخليجي، بالإضافة للأمريكيين والصهاينة في فلسطين ومحيطها، ولأنه يتصورهم أصحاب فضل ونفوذ بنى لهم عاصمة؛ لتحل محل القاهرة، إذا استمر في الحكم حتى عام 2034، كما هو مخطط وفقا لتعديلات الدستور. ومن أجل هذه العاصمة أطلق سراح أكبر مقاولي مصر، وكان يقضي عقوبة السجن المؤبد لمدة 15 سنة في قضية مقتل فنانة لبنانية، بجانب حاجة «المشير» إليه بسبب المشاكل الفنية والتمويلية المستعصية لإتمام «العاصمة الجديدة».
ومن جانبها بدأت الحكومة تصفية ما تبقى من أصول عامة للدولة، وسلمت مالية مصر لـ«صندوق النقد الدولي»، الذي أخذ بدوره يباشر خطة التخلص من الجهاز الحكومي، وبيع ممتلكاته وثرواته الطائلة، بعد أن أنهى عصر الخدمات المجانية، وكانت تُغطَّى من الضرائب، ومن المنطق أن ينتفي مبرر تحصيلها على المرتبات والدخول الثابتة، وقصرها على الأرباح التجارية، ومشروعات البنية الأساسية التي تخدم رجال المال والأعمال؛ بالإضافة للتأمينات الاجتماعية للعاملين في القطاعين الحكومي والأهلي، ومعنى تحصيل الضرائب بعد إلغاء الخدمات؛ هو نوع من التجبر وجبايات وإتاوات قسرية «مملوكية»؛ للصرف على سفه الرئاسة وتبذير الحكومة، ودعم أباطرة المال والأعمال، وإلغاء الدعم بأنواعه لغيرهم، وصارت أعباء الحياة لا تحتمل، وتدهورت الطبقات الوسطى والعاملة، وهبطت لمستوى الكفاف، الذي وصفه «المشير» في قاموسه بـ«العَوَز»، وهو نزول لخط الفقر وتحته.
وهذا وصف مشين آخر جاء في المؤتمر السادس للشباب بجامعة القاهرة؛ وأفاض فيه «المشير» قائلا، إن مهمته «إخراج المصريين من حالة العوز التي يعيشون فيها»، متجاهلا أنه صانعها، رغم الأموال التي هطلت عليه كالمطر، وقدَّرها موقع صحيفة «دوتشه فيله» الألمانية الإلكتروني بأكثر من 33 مليار دولار، بجانب تقديرات أخرى أوصلتها لأكثر من 50 مليار دولار، ومسؤولية «العوز» تقع على كاهل من ألقى بتلك الأموال الطائلة في أبيار بلا قرار.
السيسي شديد التضييق على المثقفين والمفكرين والأكاديميين، ويلاحقهم أينما حلوا، ويفضل الارتباط بالمقاولين والجنرالات، والسماسرة ورجال المال وملاك العقارات والأراضي، وأباطرة النفط السعودي والخليجي.
وفي تصريح لمستشار سابق لـ«صندوق النقد الدولي» وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة فخري الفقي لموقع الصحيفة الألمانية نفسها «ما تم اعتماده لمصر نحو 33 مليار دولار، فضلا عن دعم عيني من مشتقات النفط، ووصلت هذه الأموال لنحو 23 مليار دولار، منها 12 مليار دولار وديعة لدى البنك المركزي على دفعتين. وصلت الدفعة الأولى حتى 29.12.2015؛ لدعم احتياطي النقد الأجنبي المتدهور، ورغم ذلك لم يتحسن مستوى المعيشة بل انهار، وزادت نسبة من هبطوا تحت خط الفقر من 27.8 %عام 2015/ 2016 إلى 32.5 %عام 2017/ 2018، حسب بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء».
والمشكلة في غياب الرؤية الاجتماعبة والاقتصادية والسياسية الرشيدة، وعشوائية الأداء الاقتصادي المتدني وتهافته، وقوة «الاقتصاد الأسود» التي زادت خارج القنوات الشرعية، ومنها قنوات الصناديق الخاصة؛ كـ«تحيا مصر» و«الصندوق السيادي». وهي كوارث اقتصادية؛ زادت ببيع وزارة المالية في نيسان/إبريل الماضي (2019) سندات دولية قيمتها مليارا يورو على شريحتين، ومن ثم أغرقت الدولة في مزيد من الديون الخارجية، وقيمة الشريحة الأولى 750 مليون يورو على 6 سنوات، والثانية قيمتها 1.25 مليار يورو لمدّة 12 عاما، وسبقها في شباط/فبراير الماضي (2019)، طرح سندات حكومية دولية بقيمة 4 مليارات دولار على ثلاث شرائح، موزعة على 5 و10 و30 عاما، وذلك في الشهر الذي تسلمت فيه الحكومة الشريحة الخامسة والأخيرة بقيمة ملياري دولار المتبقية من قرض «صندوق النقد الدولي».
وارتفع الدين الخارجي بنسبة 15.2% ووصل لأكثر من 90 مليار دولار حتى أيلول/سبتمبر 2018، مقابل 80 مليار دولار في أيلول/سبتمبر 2017، وفق بيانات البنك المركزي المصري، وفوائد الديون المطلوب تسديدها خلال العام المالي المقبل، تعادل نحو نصف إيرادات الدولة خلال هذا العام، ونحو ما يقرب من قيمة مخصصات الرواتب والدعم معا. وبدأت الحكومة موسم بيع الأصول العامة، وأعلن هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام في 22 أيلول/سبتمبر الماضي (2019) أن حجم المديونيات على المصانع المتعثرة التابعة لوزارته 42 مليار جنيه، وأشار خلال لقائه بجمعية رجال أعمال الإسكندرية، في 21 أيلول/سبتمبر (2019)، إلى النية المبيتة لبيع أصول شركات قطاع الأعمال لتسديد تلك الديون، واستخدام الفائض في تمويل خطط تنمية ومشروعات جديدة(!!). وهل من يعجز عن حماية ما تحت يديه قادر على تمويل خطة تنمية وإضافة مشروعات جديدة؟
والوزير نفسه أعلن في نيسان/أبريل الماضي (2019)، عن بيع 20 مليون متر من أراضي شركات وزارته، لسداد ديون بلغت 38 مليار جنيه، ولديه قطاع يضم ثماني شركات قابضة، و125 شركة تابعة في مختلف المجالات؛ معدنية (حديد وصلب وخلافه) وغزل ونسيج وكيماويات وأدوية، ويعمل فيها نحو 841 ألف عامل وموظف، وهذه إحصائية «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء».
ومن المهم الإشارة إلى استجواب النائب محمد عبد الغني عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب في 19/ 11/ 2019؛ لرئيس الوزراء ووزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق، وقال نقلا عن صحيفة «الشروق» المصرية، «إن الأزمة سببها بيع شركة الحديد والصلب»، وتُعد واحدة من 17 شركة تابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية، وكانت أحد الشركات الرائدة، التي اعتمدت في إنتاجها على الخام المحلي، وامتلكت خط إنتاج كامل، يبدأ باستخراج الخام من المنجم، ووحدة تجهيز الخام «التلبيد»، وأفران صهر وصولا للمنتج النهائي، والشركة تتميز بتنوع منتجاتها النهائية.
وكشف الاستجواب الأوضاع المتردية في الشركة، التي كانت عملاقة واستراتيجية، وتحولت على يد «شياطين الخصخصة» إلى شركة فاشلة وعبء ينخر فيه فساد مالي وإداري؛ من خلال «تعيينات جديدة وتوقيع عقود مع مستشارين يحمّلون الشركة أعباء مالية، مع الادعاء بوجود عمالة زائدة»، ومع ذلك تستمر التعيينات، وأشار النائب للنوايا المبيتة من وراء رفض وزارات «الكهرباء والبترول والتعدين» جدولة الديون، وَوَقْف أعمال التطوير التي كانت جارية. ولفت إلى عدم التحقيق الجاد في الفساد وإهدار المال العام، مما كبدت الشركة خسائر فادحة حالت دون إصلاحها وإعادة تأهيلها!! وتصفية الأصول العامة تتم بتحويل شركاتها الاستراتيجية والعملاقة لشركات خاسرة، وبدلا من إعادتها إلى ما كانت عليه يُكلف «شياطين الخصخصة» بإدارتها وبيعها اعتمادا على قاعدة «حاميها حراميها»!!

 

(القدس العربي)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل