صحافة دولية

MEE: كيف منحت ساحة التحرير ميلادا جديدا للعراق؟

ميدل إيست آي: الناس الذين شادوا روح ساحة التحرير والعراقيون بشكل عام يستحقون الأفضل- أ ف ب
ميدل إيست آي: الناس الذين شادوا روح ساحة التحرير والعراقيون بشكل عام يستحقون الأفضل- أ ف ب

نشر موقع "ميدل إيست آي" مقالا للكاتب فنار حداد، يقول فيه إن "المطعم التركي" -البناية المؤلفة من 14 طابقا التي تقع بجانب ساحة التحرير- هو منظر يستحق الرؤية، فتحولت هذه البناية التي احتلها المتظاهرون أواسط تشرين الأول/ أكتوبر إلى رمز غير مسبوق للحركة الاحتجاجية في العراق.

 

ويشير حداد في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "البناية أصبحت مغطاة بالشعارات الوطنية والأعلام العراقية، ومنظرا يستحق التصوير ورمزا يمكن التعرف عليه: في ساحة التحرير أصبحت تستخدم نماذج مصغرة من المطعم التركي نصبا تذكارية لمن سقط من المتظاهرين، بالإضافة إلى أنه يتم رسم واجهة البناية على شكل علاقات مفاتيح وغير ذلك من القطع الفنية التذكارية".

 

هل هي ثورة؟

 

ويلفت الكاتب إلى أن جدلا كبيرا يدور على مواقع التواصل الاجتماعية العراقية بين المتظاهرين، حول ما إذا كان يجب تسمية ما يدور في العراق ثورة، مشيرا إلى أنه كما هو متوقع فإن الجدل يدور بين من هم أكثر حماسا للاحتجاج من ناحية، والأقل تحمسا، أو المعارضين من ناحية أخرى.

 

ويقول حداد: "بعد أن زرت ساحة التحرير عدة مرات على مدى الأسبوعين الماضيين، وجدت أن هناك شيئا لا شك فيه: حتى لو فشلت الحركة الحالية في تحقيق ثورة سياسية، وحتى لو لم تكن ثورة، إلا أنها دون شك حركة ثورية حققت إلى الآن ثورة ثقافية".

 

ويبين الكاتب أنه "على غير حال ساحة الخلاني وجسر السنك، حيث العنف أكثر حضورا والشعور السائد هو شعور المواجهة، فإن أجواء ساحة التحرير أجواء مهرجانية، وتجد هناك فيضا من التعبير والإبداع الفكري والسياسي والثقافي، والتباين بين الأجواء الاحتفالية والإيجابية والظروف الدموية التي ولدتها تباين صارخ".

 

وينوه حداد إلى أنه "من بين غابة الخيم في الساحة تسمع كل شيء، من موسيقى الهيب هوب إلى الشعر إلى قراءات العزاء الشيعية، وترى ما يذكر بسبب خروج العراقيين إلى الشارع وبأي ثمن، من صور وجداريات ونصب تذكارية وتجمعات للصلاة وغير ذلك من الأشكال الأخرى لإبقاء ذكرى الشباب الذين سقطوا خلال الشهرين الماضيين من حشد الجماهير".  

 

 

    

 

ويجد الكاتب أن "ازدهار التعابير المعروضة تتجاوز أهميتها القيمة الفنية الكبيرة لها، فأكثر من مجرد عرض ممتع أو خلفية مناسبة لأخذ صور السيلفي، فإن النتاج الثقافي لساحة التحرير والجهد الشعبي لإبقاء الاعتصام على مدار الساحة يعكس تضاريس ثقافة سياسية ناشئة بعيدة عن فترة البعث وعن السنوات الأولى بعد عام 2003". 

 

بين أمريكا وإيران

 

ويفيد حداد بأنه "أبعد من محفزات معارضة النظام فإنه لا يمكن حصر ميول الاحتجاج إلى اتجاه معين أو أيديولوجية، وفي الوقت الذي تشاهد فيه جدارية تصور خنجرا أمريكيا يستنزف العراق وتحمل شعار (أمريكا برة برة) تسمع تسجيلا مكررا لهتاف يقول إن العراق محتلة من إيران، وتعكس ساحة التحرير مقطعا عرضيا من التوجهات السياسية والقناعات الدينية والطبقات والفئات العمرية".

 

ويشير الكاتب إلى أن "معظم الناس في ساحة التحرير شباب من مناطق فقيرة في بغداد، مثل مدينة الصدر، لكنهم يعكسون التركيبة الديمغرافية للعاصمة: معظمها شباب ومعظمها فقيرة".

 

ويلفت حداد إلى أن "الخيام التي لا تعد والتي تملأ منطقة الاحتجاج تعكس تنوع المجتمع العراقي، ففي أي يوم تجد في الميدان كل شيء من النشاط المدني إلى الحفلات الموسيقية إلى المسيرات القبلية إلى الطقوس الدينية، فثقافة التضامن ومشاركة الجميع التي أبقت ساحة التحرير هي بحد ذاتها إنجاز كبير". 

 

ويذكر الكاتب أن "البنية التحتية للحشد والخدمات الخيرية المرتبطة بالمناسبات الشيعية، مثل عاشوراء والأربعين، تم توظيفها لخدمة الحراك المدني الذي يعتزم احتلال الساحة إلى أجل غير مسمى بهدف فرض تغيير في النظام، وهذا أكثر من المشاركين الفاعلين أو الموجودين فعلا في ساحة التحرير".

 

التحشيد الشيعي

 

ويشير حداد إلى أنه "تم تخصيص صناديق تبرع في المتاجر في أنحاء بغداد كلها، ويقدم العراقيون من فئات المجتمع كلها ما يستطيعون تقديمه للمتظاهرين، من البطانيات إلى الطعام إلى المال، حتى أن بعض رجال الأعمال الأغنياء يقومون بتمويل المؤن والبنية التحتية لحركة الاحتجاج، وأصبح المستفيدون من الفساد والممارسون له كارهون للأثر السلبي على مصالحهم".

 

ويقول الكاتب إن "هذه الاحتجاجات تأتي في وقت يظن على نطاق واسع بأنها تجاوزت افق الطائفية والتنافس الطائفي، وهذا لا يعني أن الهوية الطائفية اختفت، وليس هناك نقص في ساحة التحرير في الشعارات الشيعية: من صور أية الله علي السيستاني إلى صور لأئمة الشيعة إلى الرايات التي كانت من قبل مشجوبة على أنها (رايات طائفية)".

 

ويرى حداد أن "المهم في الأمر هو أن السياق مختلف تماما، ففي الوقت الذي كانت فيه راية (يا حسين) أو صور الأئمة تعد صورة من صور فرض الهوية في صراع طائفي، أصبحت هذه مجرد تعويذات في سياق تضامن عبر طائفي ضد نظام سياسي بغيض".

 

ويجد الكاتب أن "التحشيد الشيعي اليوم يعكس التغيرات في الجيل الجديد، وتغير الهوية العراقية السياسية الشيعية عبر ثلاث مراحل، في 2003 كان هناك مفهوم ضرورة تحقيق حلم العقود في (حكم الشيعة)، وبدلا من خطة مفصلة فما منحه هذا المفهوم لا يتعدى منطق ثنائية المظلومية والأحقية، والتهميش السياسي لـ(الأكثرية) وأحقيتهم في السلطة السياسية". 

 

ويبين حداد أن "كيف تتم ممارسة هذه السلطة ومن قبل من وبأي هدف، كانت أسئلة لم تطرح ولم يجب عليها، فتحقيق الحلم كان هو ما يهم، وعندما تحقق الحلم كانت المرحلة الثانية هي أهمية الدفاع عن المكاسب التي تحققت بعد 2003، فحتى عام 2014 كان بإمكان بعض السياسيين الشيعة تخويف الناس بشكل كاف من شبح عودة البعث بمؤامرات محلية أو خارجية".

 

ويستدرك الكاتب بأنه "بالرغم من تحقيق الحلم، إلا أنه بقي هشا، وبقيت العقدة الطائفية من أواخر حزب البعث والفترة الأولى التي أعقبت 2003 تتناغم مع قطاعات كبيرة من الرأي العام الشيعي".

 

ويقول حداد: "لكن، بالذات منذ الحرب ضد تنظيم الدولة، فإن مفهوم (الحكم الشيعي) بعد أن انتقل من حلم يتحقق إلى مكسب يجب الدفاع عنه، أصبح واقعا مضمونا لا يقدم أكثر من الهوية الطائفية المفرغة، فبالإضافة إلى البيئة الإقليمية والمحلية المتغيرة، وتغير موازين القوى بين اللاعبين الطائفيين، كانت هناك قضية أجيال مختلفة".

 

أهم الإنجازات

 

ويلفت الكاتب إلى أنه "بالنسبة للجيل الشيعي، الذي يشكل غالبية المحتجين، فإن (حكم الشيعة) لا يشكل حلما يراد أن يتحقق، ولا مكسبا يجب الدفاع عنه، بل هو واقع لم يعرفوا غيره". 
وينوه حداد إلى أنه "على خلاف الأجيال الأكبر سنا، فإن هذا الجيل لا يحكم على آفاقه السياسية الاجتماعية مقارنة مع فترة حكم البعث، لكن من حيث الواقع الاقتصادي الاجتماعي المر الذي يواجه غالبية العراقيين اليوم".

 

ويبين الكاتب أنه "بالإضافة إلى البعد الثقافي المذكور أعلاه، فإن المظاهرات حققت فعلا إنجازات سياسية مهمة، فتمكنت من الضغط على السلطات الدينية في النجف، والضغط على الحكومة لتستقيل، واضطروا الطبقة السياسية لتبدأ في نقاش الإصلاحات الانتخابية".

 

ويقول حداد إنه "سواء علمت الطبقة السياسية أم لم تعلم، فإنهم حققوا ضغطا سياسيا غير مسبوق لمنع العودة إلى العمل كالمعتاد، لكن توقع تغيير جذري يبقى في غير مكانه".

 

ويستدرك الكاتب بأنه "بالرغم من كون مواقع الاحتجاج تثير الإعجاب، إلا أنها لم تحقق بعد الكتلة الحرجة، فالأعداد في ساحة التحرير تزيد وتنقص، لكن ما يحصل في ساحة التحرير لم يصل إلى مرحلة التأثير على بغداد". 

 

ويشير حداد إلى أن "المظاهرات لم تؤد بعد إلى شل الخدمات العامة أو بيروقراطية الحكومة، وعلى المستوى العالمي لا تزال الحكومة العراقية محتفظة بالدعم الإقليمي والدولي، ومحليا لم نر تصدعات في المؤسسة السياسية والأمنية بعد".

 

ويرى الكاتب أن "الأهم ربما أن الاحتجاجات لم تؤثر بعد على قطاع النفط العراقي الذي يشكل شريان الحياة للنظام كله، فما لم يكن هناك تغير كبير في مدى أو أثر الاحتجاجات -إضراب عام، وتصعيد سريع، وتعطيل لقطاع النفط- فإنه يمكن للوضع الحالي أن يستمر لفترة طويلة، وطبعا لا يمكن استبعاد أي تطور آخر، مثل تصعيد للعنف أو توسيع الاحتجاجات، خاصة إن استمرت القوى الموالية للحكومة باللجوء إلى العنف القاتل".

 

مجال للأمل

 

ويستدرك حداد بأنه "حتى في الوضع الحالي، فإن هناك مجالا كبيرا للأمل، فأحد الاحتمالات هي أن نرى ساحة التحرير تتحول إلى موقع شبه دائم للاحتجاج والتعبير السياسي، وفي مثل هذا السيناريو ستبقى ساحة التحرير ومواقع الاحتجاج الأخرى مصدر ضغط دائم على الحكومة، وهو ما سيجعلها في حالة تأهب دائم لمنع الاحتجاجات ومتابعة الرأي العام".

 

ويرى الكاتب أن "هذا الصراع بين الشارع والطبقة السياسية قد يثمر على المدى البعيد تأثيرا أكبر للشارع على مقاليد السلطة القانونية والسياسية والاقتصادية، ولتحقق الاحتجاجات أقصى مكاسب سياسية، من الضروري أن تنتج كيانات سياسية وشخصيات تستطيع أن تذهب إلى أبعد من الضغط على الطبقة السياسية بمنافستها". 

 

ويؤكد حداد أن "التغيير في الغالب سيقوم على التفاوض وليس التغيير التام. وإن تم إيجاد نظام جديد فغالبا ما يحتوي على عناصر من النظام القديم، وتحديد العناصر التي يمكن التعايش معها من النظام الحالي يحتاج إلى قيادة شعبية تستطيع نقل الحوار إلى أبعد من الرفض الشامل".

 

المستقبل السياسي

 

ويلفت الكاتب إلى أنه "بعد 16 عاما ترسخ النظام الحالي ومعه مصالح كبيرة عراقية وغير عراقية، وهذه متشابكة مع قطاعات من المجتمع العراقي من خلال الرعاية والاعتماد، وببساطة فإن الطبقة السياسية ومن يقف خلفها لن يسلموا مقاليد السلطة ببساطة، ولن يحزموا أمتعتهم ويغادروا العراق". 

 

ويعتقد حداد أن "التحدي الذي لا يترك مجالا لا للخروج الآمن ولا للاستيعاب في نظام جديد من خلال التفاوض، سيولد المزيد من المقاومة من النوع الذي شهدناه على مدى الشهرين الماضيين أو أسوأ".

 

ويجد الكاتب أنه "من المنطلق ذاته فإنه ليست هناك أي قوة بإمكانها إطفاء ما تمت إقامته في مواقع الاحتجاج، فعلى الطبقة السياسية وضامني النظام العراقي الدوليين أن يدركوا أنه يجب استيعاب هذا الواقع الجديد للمضي قدما".

 

ويؤكد حداد أن "العناد القائم على الربح الكامل أو الخسارة الكاملة في العلاقة بين السلطة والشارع يجب أن ينتهي، إما إلى تنازل متحفظ، أو دوامة عنف قد تخرج عن السيطرة بسرعة كبيرة".

 

ويقول الكاتب إن "تحديد أين يتجه العراق، سيقرره في الغالب الطيف غير المتسق من الأحزاب وداعموهم الأجانب، وعدم الاتساق في ذلك، ناهيك عن سفك الدماء الذي شهدناه على مدى الشهرين الماضيين، لا يترك مساحة للأمل على المدى القصير".

 

ويختم حداد مقاله بالقول إن "الناس الذين شادوا روح ساحة التحرير ومواقع الاحتجاج الأخرى والعراقيين بشكل عام، يستحقون أفضل من هذا الوضع".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)