حول العالم

قونيا التركية تستقبل الآلاف من عشاق "الرومي" في ذكرى وفاته

يأتي السياح من كل مكان لزيارة ضريح "مولانا" - الأناضول
يأتي السياح من كل مكان لزيارة ضريح "مولانا" - الأناضول

التاريخ والعراقة والروحانية، تعبق من كافة جنبات مدينة قونيا، عاصمة السلجوقيين والمتصوفين، وسط هضبة الأناضول، مدينة مولانا جلال الدين الرومي، حيث يرقد فيها بعد أن ملأ العالم حكمة وروحانية.


قونيا تستقبل كل عام عشرات الآلاف من عشاق السائرين في طريق الرومي، يقودهم عشق لا متناه إلى هذه المدينة للمشاركة سنويًا في إحياء ذكرى وفاته المصادف اليوم الثلاثاء، 17 كانون الأول/ ديسمبر.


وخلال هذا العام تدفق عشاق التصوف إلى قونيا، لعكس عشقهم الإلهي في هذه المدينة، التي وجدوا في كل أرجائها، عبقا يعطر بالتصوف، فانعكس على كل شيء فيها من هدوء وسكينة وطمأنينة.


العشق الإلهي، الذي يؤديه دراويش التصوف في رقصة السماح المولوية، تجسيدا لمشاعر المتصوفين، أثارت اهتمام غالبية الزائرين الذين أبدوا إعجابهم بهذه الطقوس المميزة المرافقة لمعزوفات الناي، والتي تحلق بهم لعوالم تستقر داخل النفوس.

 

اقرأ أيضا: "مولانا".. مات في العشق كقطع سحب تذوب في ضوء الشمس

ومولانا جلال الدين الرومي، من أهم المتصوفين في التاريخ الإسلامي، حيث أنشأ طريقة صوفية عرفت بالمولوية، وكتب كثيرا من الأشعار، وأسس المذهب المثنوي في الشعر، وكتب مئات آلاف أبيات الشعر عن العشق الإلهي والفلسفة.

 

 

 


ولد الرومي في مدينة بلخ بخراسان، في 30 أيلول/سبتمبر 1207، ولقب بسلطان العارفين لما له من سعة في المعرفة والعلم، استقر في قونيا حتى وفاته في 17 كانون الأول/ديسمبر 1273، بعد أن تنقل طلبا للعلم في عدد من المدن أهمها دمشق.


فاطمة عبد الرحمن زائرة من الأردن، أبدت إعجابها بالأجواء الطيبة في قونيا، حيث قالت "كل شيء يأخذك هنا إلى عالم آخر، ترى مولانا جلال الدين الرومي في كل مكان، الحالة الروحانية مرتفعة ومميزة".


وأضافت، للأناضول، "كل شيء في قونيا يأخذ من تسامح الرومي، تجد انعكاس التسامح على وجوه الناس وهدوئهم، والمدينة بحد ذاتها هادئة لطيفة تغري كل زائر بأن يقطف من جمالها ويستقر بها".


وردًا على سؤال حول برنامج الاحتفالات وما لفت نظرها، أجابت: "منطقة مولانا التي تشهد الفعاليات ذات حركة رائعة، تنتقل من زاوية لأخرى، فتسمع لموسيقى التصوف من جهة، وتشاهد نشاطًا ثقافيًا واجتماعًا من جهة أخرى".


وزادت، "رقصة السماح مميزة أيضا عبر الأجواء الروحانية، وانسجام الحاضرين مع العروض التي تقيمها الفرق هنا، فضلا عن التلاحم الثقافي الموجود في المكان"، مؤكدة "استعدادها للقدوم دائما للاحتفالات بحسب ظروف عملها".


أحمد شابي بن عبد الرشيد من ماليزيا، قال من ناحيته، "هذه المرة الأولى التي أزور فيها تركيا وهي جيدة وسعيد جدا لتواجدي فيها، وكنت زرت الكثير من الدول من قبل".

 

 

 


وأضاف، للأناضول، "الناس هنا لطفاء وسأبقى هنا لأيام أطول، مستمتعا، ولم أكن أعلم أن مولانا ولد في أفغانستان، وتعرفت عليه جيدا هنا بعد زيارتي، والأجواء الروحانية جيدة، رغم أن تركيا دولة علمانية إلا أن الأجواء الروحانية جميلة مع تلاحم الثقافات، وإن منحني الله فرصة أخرى فسأزور تركيا مرات أخرى".


السائح الإيراني آراش من شيراز، قال: "جئنا حديثا إلى قونيا وسنبقى فيها 3 أيام، وهي المرة الأولى التي نأتي فيها إلى قونيا، ومنها ننطلق إلى إسطنبول التي سبق وأن تواجدنا فيها بزيارات سابقة".

 

وأردف "في قونيا أجواء روحانية جميلة، والجو العام مختلف تماما عن إسطنبول، حيث الأجواء الروحانية والعرفان في كل مكان، ذهبنا لعدة تكايا وزرنا الأماكن الروحانية والثقافية، وسمعنا بروحانية المكان من أصدقائنا الذين أبلغونا بأنها بكل مكان، ولذا جئت إلى هنا مع زوجتي".

 

وقالت زوجته سميرة من طرفها: "إنها المرة الأولى التي أزور فيها قونيا، وهو مكان مختلف معنوي وعرفاني، وروحاني بنفس الوقت".

وزادت "كنت قد رأيت أناسًا زاروا هنا ويبكون، لم أكن أفهم لماذا، وعندما زرت بنفسي وجدت كيف أن الأجواء والموسيقى والروحانيات مختلفة بطريقة تؤثر على الإنسان، وبالتالي عشت أيضًا الأحاسيس الروحانية نفسها".


وختمت بالقول "عندما دخلت معرض مولانا كانت هناك معزوفات أثرت في وبكيت، وسأعمل على القدوم بالسنوات القادمة بفضل ما عشت من أجواء جعلتني انجذب للمكان، وسنشارك بالحفل الختامي الثلاثاء، ونغادر قونيا بعدها".


أما مواطنتها الإيرانية، نيدا من طهران، فقالت "أمضي يومي الرابع هنا في قونيا، ذهبنا إلى المتحف، وأعجبت برقصات السماح وخاصة تلك المشتركة التي يمكن فهم كلامها والموسيقى التي ترافقها".

 

عندما نكون ميتين ، لا تبحث عن قبرنا في الأرض ، بل ابحث عنه في قلوب الرجال

في 17 ديسمبر 1273 ، غادر جلال الدين الرومي إلى مسكنه، بعد أن ترك هذه الرسائل لنا:

 


وأضافت "نرغب بالقدوم في السنوات المقبلة، حيث كنا ذهبنا عدة مدن تركية، ولكن لم نكن نفهم لماذا كان يزور الناس هذا المكان بالتحديد، فعرفنا هذه المرة لماذا، هذا الفرق بالأجواء الروحانية، ونرغب بالعودة لقونيا في السنوات القادمة".


وكان جلال الدين الرومي مثالًا عظيمًا للتسامح، متّبعا تعاليم الدين، وأُحيط بأشخاص من الديانات والملل الأخرى، وضرب مثالًا للتسامح معهم، وتقبلا لآرائهم وأفكارهم، وكان كل من يتبع مذهبه، يرى أن كل الديانات خير، وكلها حقيقية.


رغم مرور قرون على رحيله، ما يزال الملايين حول العالم يلبون دعوة المعلم الروحي جلال الدين الرومي، ويتوافدون سنويًا لزيارة قبره في متحف "مولانا" بولاية قونيا، وسط تركيا.

التعليقات (0)