ملفات وتقارير

هل خوّل الإسلام السلطة حق القوامة الدينية على المجتمعات؟

الحركات الإسلامية لم تبور بعد مفهوما واضح المعالم للدولة المعاصرة- جيتي
الحركات الإسلامية لم تبور بعد مفهوما واضح المعالم للدولة المعاصرة- جيتي

يسود في الأدبيات المؤّسسة لحركات الإسلام السياسي، وتيارات السلفية على اختلاف تشكيلاتها، أن الإسلام يمنح السلطة السياسية (الحاكم أو الخليفة) حق القوامة الدينية على المجتمعات، وهو ما تعده تلك الحركات والاتجاهات من المسلمات الدينية المقررة.


ويجادل شيوخ ورموز تلك الحركات والتيارات بأن مفهوم القوامة الدينية الذي يخول السلطة السياسية فرض الأحكام الشرعية وتطبيقها في المجتمعات بسيف القانون هو مفهوم ديني أصيل، وليس من ابتداع منظري تلك الحركات وشيوخها.  


لكن ثمة اتجاهات حداثية، وشخصيات تنويرية تنازع في ذلك، وتنفي أن يكون الإسلام قد خوّل السلطة السياسية حق ممارسة القوامة الدينية على المجتمعات، "لأن السلطة في الإسلام شأن دنيوي يديره المسلمون بما يحقق مصالحهم، بعيدا عن فرض الأحكام الشرعية بسيف الدين وإكراه الناس على ذلك".


وفي هذا السياق، أوضح ممثل دائرة الإعلام لحزب التحرير الإسلامي في الكويت، أسامة الثويني، أن الإسلام "باعتباره مبدأ للدولة والمجتمع والحياة جعل الدولة والحكم جزءا منه، وقد جاءت نصوص شرعية كثيرة جدا وقاطعة تأمر المسلمين بالحكم بما أنزل الله، كما جاءت نصوص شرعية كثيرة وقطعية تبين تفصيلات حوادث الحكم". 


وأضاف: "التي منها نصوص التشريع الحربي والسياسي والجنائي والاجتماعي، وفي المعاملات وغير ذلك من التشريعات، وقد طُبّق ذلك بالفعل أيام الرسول عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين ومن بعدهم من حكام المسلمين". 

 

اقرأ أيضا: الإسلاميون لم يبلوروا مفهوما واضح المعالم للدولة المعاصرة
 

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "فالخليفة  تبايعه الأمة على الحكم بالكتاب والسنة، فإن حكم الحاكم بغير الكتاب والسنة فقد ظهر منه الكفر البواح، وصار واجبا على الأمة الخروج عليه، فحكم الحاكم في نظام الإسلام بالشرع ليس حقا له، بل واجب شرعي".


من جهته، رأى الدكتور عماد أبو قاعود، إمام وخطيب مسجد في الأردن، ويحمل شهادة الدكتوراة في علوم القرآن وتفسيره أن "هذا الموضوع -كان وما زال- مثار جدل كبير خاصة بعد انهيار الدولة العثمانية" لافتا إلى أن "الآيات التي تحدثت عن الحكم إنما تقصد القضاء، وليس النظام السياسي".


وواصل شرح فكرته بالقول: "السلطة في الإسلام أمر دنيوي تركها الإسلام للعقل البشري، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، يجتهد فيها الناس لأحسن صيغ الحكم وتطبيقها، فلم يتدخل الإسلام في التفاصيل، وإنما وضع ضوابط عامة كالعدل والشورى والمشاورة والعمل الصالح وإحسان العمل.. وهذه كلها يتفق عليها كل البشر".


وإجابة عن سؤال "عربي21" بشأن الدولة التي أقامها الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة، شدد أبو قاعود على أن "الدولة التي أقامها الرسول في المدينة إنما كانت بسلطة من الناس، وليس من الله، إذ منحه الناس هذه السلطة في بيعة العقبة الثانية (وأن تمنعوني مما تمنعون نساءكم وذراريكم) فالنبي له وظيفتان، دينية وهي تبليغ الرسالة، ودنيوية وهي قيادة الناس سياسيا". 

 

اقرأ أيضا: الإسلاميون والحراكات الشعبية: مخاوف وأسئلة وتحديات مستقبلية


وتابع: "فالأولى ملزمة لنا وثابتة، والتكليف بها من الله، والثانية متغيرة وغير ملزمة كونها دنيوية، والتكليف بها من البشر، فالدولة التي ينبغي أن يعمل المسلمون من أجلها هي التي تؤسس على الشورى والعدل وإحسان العمل والحرية بحيث يُترك للناس فيها حرية اختيار القوانين والتأويلات دون إكراه أو إجبار". 


وأشار أبو قاعود إلى أن "فكرة القوامة الدينية السلطوية فكرة تراثية تاريخية ساهم تيار الإسلام السياسي في إبرازها وإظهارها، ولا تجد لها نصا صحيحا صريحا، وإنما تأويلات متعسفة"، على حد قوله. 


بدوره، بيّن الأكاديمي والباحث الشرعي المغربي، الدكتور حفيظ هروس، أن "فكرة قوامة السلطة الدينية على المجتمع، وتدخلها في تدين الناس، وتوجيه سلوكهم الديني مدارها في كتب الفقه، وكتب السياسة الشرعية على ولاية الحسبة التي ترجع قاعدتها إلى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".


وقال: "هذا المبدأ توسعت النصوص الشرعية في التأكيد عليه، وقد جعل الفقهاء مسألة الاحتساب واجبة في حق الحكام، واعتبروها أحد أهم مسوغات وجود السلطة، وأمر الشارع بإقامتها".

 

مفهوم الحسبة


وأوضح هروس لـ"عربي21" أن "سبب اختلاف الحسبة عن غيرها من ولايات تنفيذ الأحكام مثل القضاء وولاية المظالم أنها لا تتوقف على الدعوى، إذ تبادر السلطة إليها دون حاجة إلى مطالبة المدعين بإقامتها".


 وشرح مفهوم الحسبة في تصور الفقهاء بأنه يقوم على ركنين: ركن إلزامي (الأمر بالمعروف) حيث رأى الفقهاء أن لولاة الأمور إلزام الرعية بإقامة الصلاة والجمعة والجماعات..، ومعاقبة من لم بذلك، وركن مُنعي (النهي عن المنكر) عن طريق منع العقود المحرمة، والتطفيف في الكيل والميزان، والغش والتزوير، ومنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق..". 


أما عن شيوع الفكرة في الفكر الإسلامي المعاصر، فتتمثل أصولها، طبقا لهروس في مبدأ "شمولية الإسلام" الذي قال به رواد الحركة الإسلامية الأوائل، حيث صورت غالبية أدبيات "الإسلام السياسي" الدولة باعتبارها دولة حارسة لقيم الإسلام وعقائده وتشريعاته، ومن ثم فإن من وظائفها المفترضة أن تكون حريصة على "تحول عقائد الإسلام وتعاليمه إلى واقع عملي ملموس". 


ولفت هروس إلى أن "ثمة فروق واضحة بين التصورين، إذ تمّ توسيع دائرة تدخل السلطة في الشأن الديني بحيث أصبح منوطا بها بوصفها سلطة محاولة تغيير آراء الناس، وحراسة سلوكهم الديني، ولم يعد الأمر مجرد أداة  تحرص من خلالها السلطة على بسط رؤيتها الدينية ي مجالات محددة، إضافة إلى كون هذه الأداة من الناحية التاريخية هشة ومرتعشة"، على حد قوله. 


وعن إمكانية وجود كيفيات جديدة لتطبيق مبدأ الاحتساب تتماشى مع الدولة الحديثة، لفت إلى "إمكانية تلوين التنزيلات الممكنة لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المراعية لتطور مفهوم الدولة والسلطة السياسية وتشعب مؤسساتها، إذ يمكن القول بأن السلطة والمجتمع بمفهومهما الحديث استوعبا الكثير من وظائف الحسبة التاريخية". 


وخلص هروس في ختام حديثه إلى القول: "فعلى مستوى الإلزام الديني لم يعد ذلك ممكنا لتعارضه مع قاعدة الحريات التي بُني عليها مفهوم الدولة الحديثة، أما على مستوى المنع فقد اختصت به السلطة التشريعية، ولم يعد بإمكان السلطة التنفيذية إلا تطبيق ما تم إقراره من قوانين وتشريعات، يبقى ما يتعلق بمستوى الوعظ والإرشاد فتلك المهمة موكولة بالمجتمع الأهلي وهيئاته المدنية، فتحاط بسياج الحفظ في مستوى الخطاب والإقناع، من غير أن يتعدى الأمر إلى مستوى الإجبار والإكراه".

التعليقات (0)