صحافة دولية

موقع إيطالي: الاستراتيجية التركية تنتقل إلى غرب البلقان

تستثمر تركيا أيضا في توسيع نفوذها عبر الثقافة- الأناضول
تستثمر تركيا أيضا في توسيع نفوذها عبر الثقافة- الأناضول

نشر موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي تقريرا تحدث فيه عن الاستراتيجية التركية في غرب البلقان، التي تعتمد على توطيد العلاقات مع دول المنطقة التي تعيش فيها أغلبية مسلمة، ونشر ثقافتها من خلال المدارس التركية، والعمل على خدمة المصالح المشتركة، مقابل اعتماد دبلوماسية مستفزة تجاه دول أخرى مثل اليونان.


وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن العالم منذ نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، شهد انتقالا من النظام ثنائي القطبية إلى نظام عالمي جديد.

 

وعلى الرغم من سيطرة الولايات المتحدة على العالم في بداية هذه الفترة، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تراجع هذه الهيمنة الأمريكية وظهور واقع جديد أكثر تعقيدا، يتسم بتعدد الأقطاب.

وأضاف الموقع أن العشرية الأخيرة شهدت عودة لاعبين جدد إلى الساحة العالمية، برزوا كقوى قادرة على التأثير في المشهد الدولي، ومن المؤكد أن تركيا تعد واحدة من هذه القوى، خاصة بالنظر للاستراتيجية التي تعتمدها أنقرة في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

خطوات مدروسة ودبلوماسية متعددة الواجهات:


أشار الموقع إلى أن وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو، استقبل الوزير الكرواتي للشؤون الخارجية والأوروبية غوردان غارليتش رادمان، في أول زيارة له إلى تركيا. كما التقى الوزيران مجددا خلال قمة دول الناتو لوزراء الخارجية في بروكسيل.

 

وتركز هذه اللقاءات على واجهتين، حيث أن تركيا تسعى لتعزيز علاقاتها مع كرواتيا، وعلاقاتها مع كل دول غرب البلقان وخاصة البوسنة.

وبين الموقع أن هذه المقاربة التركية باتت تحتل مكانة هامة في أجندتها الخارجية، وهناك عدة أسباب تدفع أنقرة لهذا التقارب مع كرواتيا.

 

حي في المقام الأول، من المنتظر أن يترأس هذا البلد مجلس الاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من سنة 2020، وهو يدعم بشكل معلن اندماج تركيا في الاتحاد الأوروبي.

ونبّه الموقع إلى أن هذا الإصرار التركي على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قد يبدو مستغربا لمن يتابعون السياسة الخارجية التركية في الفترة الأخيرة، وخاصة إقدامها على القيام بأنشطة تنقيب عن الغاز في البحر الأبيض المتوسط، وتدخلها العسكري في شمال سوريا، والاتفاق الأخير مع حكومة الوفاق في طرابلس.

لكن تركيا رغم كل هذه الخطوات لا تزال تضغط من أجل الحصول على فرصة الانضمام للاتحاد الأوروبي، وهذا التناقض بين الأسلوبين لا يجب أن يكون مستغربا، باعتبار أنه يندرج ضمن استراتيجية باتت تمثل أبرز سمات السياسة الخارجية التركية، التي تعتمد على الدبلوماسية متعددة الواجهات.

الروابط الدينية لأنقرة والصراع على النفوذ:


أكد الموقع أن أنقرة خلال فترة حكم أردوغان برزت كدولة حامية للعالم الإسلامي. وقد ظهرت هذه الاستراتيجية في الشرق الأوسط، حيث ساعدت أنقرة أصدقاءها المسلمين السنة في المنطقة.

 

أما في البلقان، فإن تركيا تسعى نحو نفس الأهداف ولكن بأساليب مختلفة. بعد مرور أكثر من عقدين على الحرب في ساراييفو وكوسوفو، أصبحت الوضعية في غرب البلقان أكثر استقرارا، على الرغم من التذبذب السياسي.

وأضاف الموقع أن تركيا تركز اهتمامها على الدول التي تعيش فيها نسبة أكثر من المسلمين، وخاصة البوسنة والهرسك، وكوسوفو وألبانيا.

 

وتعتمد تركيا في هذه الاستراتيجية على الجاليات المسلمة في ألبانيا والبوسنة، لأن هؤلاء المسلمين يتعاطفون مع جذورهم الإسلامية، وينظرون بإعجاب إلى سياسة حزب العدالة والتنمية في البلقان.

وإلى جانب البعد الديني، تستثمر تركيا أيضا في توسيع نفوذها عبر الثقافة، وذلك من خلال إنشاء المدارس التركية في هذه الدول. وهي تعتمد على التعليم كوسيلة لتحقيق الأهداف على المدى الطويل.

وأورد الموقع أن أنقرة تستغل كل خطوة ممكنة لجعل نفوذها واضحا في باقي دول البلقان، حيث أن أردوغان تجمعه روابط وثيقة مع حزب العمل الديمقراطي في البوسنة والهرسك.

 

اقرأ أيضا :  أتلانتك: قوة تركيا الناعمة العالمية تقوم على المساجد

 

وخلال الصيف الماضي، مثلت زيارة أردوغان إلى سراييفو فرصة للرئيس التركي لدعم ترشح حليفه بكير عزت بيغوفيتش، زعيم هذا الحزب، الذي أعيد انتخابه في أيلول/ سبتمبر.

وفي نفس الوقت، لا تتوانى تركيا عن إبراز عضلاتها وفرض سياسة قوية عندما يتعلق الأمر بالصراع مع أنصار فتح الله غولن.

 

مؤخرا، قام وزير الداخلية البوسني بإلغاء تصريح الإقامة لأربعة مواطنين أتراك تحت ضغط مباشر من أنقرة بسبب تبعيتهم لغولن.

 

الحسابات الاستراتيجية

تعتمد السياسة التركية في غرب البلقان على الروابط والمصالح المشتركة من أجل ترسيخ نفوذها في هذه الدول.

 

وفي الحالات التي لا تتوفر فيها عناصر ثقافية وتاريخية ودينية لتسهيل هذه الأهداف، تعتمد أنقرة على استراتيجية بديلة، أثبتت نجاحها لحد الآن.

لطالما كانت تركيا في علاقة عداء مع صربيا، ليس فقط بسبب العوامل التاريخية والدينية التي تعود إلى قرون، بل أيضا لأن أنقرة دعمت بشكل علني أعداء بلغراد في السنوات الأخيرة.

 

رغم هذا العداء، فإن أردوغان حاول الحد من تأثير هذه العوامل، من خلال التركيز على القطاع المالي، وتشجيع رجال الأعمال الأتراك على الاستثمار في مشاريع كبرى في صربيا. وخلال العشرية الماضية، شهد حجم المعاملات المالية بين البلدين طفرة واضحة.

في الجانب الآخر، تعتمد تركيا على سياسة عدائية ومستفزة تجاه اليونان وقبرص. وتأتي تهديداتها الأخيرة إلى أثينا في إطار سياسة أنقرة المعتمدة في البلقان، حيث أن الأتراك يعتمدون نبرة عدائية في الجنوب، ويقيمون علاقات صداقة مع غرب البلقان، الذين تربطهم علاقات وثيقة مع أثينا، وهو ما سيجعل هذه الأخيرة في النهاية في موقف محرج.
 

التعليقات (0)