قضايا وآراء

مؤتمر كوالالمبورعلى خط التنافس الاستراتيجي بين واشنطن وبكين

مأمون أبو عامر
1300x600
1300x600
جاء الإعلان عن تشكيل نواة تجمع جديدة انطلاقاً من العاصمة الماليزية كولالمبور، والذي بدأ بخمس دول أساسية، هي إندونيسيا وماليزيا وباكستان وتركيا، ليطرح تساؤلاً حول الأهمية الجيو- استراتيجية لهذا التكتل الجديد.

قد يتحدث الكثير عن الأهمية الكبيرة لهذا التجمع في الدفاع عن مصالح الشعوب المسلمة التي تتعرض للاضطهاد في كل بقاع الأرض، سواء في داخل العالم الإسلامي بسبب حالة الاستبداد، أو حالة الاضطهاد الديني من الدول التي يعيشون فيها. لكن النظر إلى مسألة تشكل هذا التجمع من الزاوية الجيوبوليتيكية، فإنه يضع هذا التجمع تحت المجهر، خاصة في منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا التي تضم كلاً من ماليزيا وإندونيسيا.

تشكل منطقة جنوب شرق آسيا وبحر الصين؛ المحيط الإقليمي لدولة الصين التي ستسعى للهيمنة عليها ومنع أي قوى أخرى من الهيمنة على هذه المنطقة، بحسب منطق النظرية "الواقعية الجديدة" في العلاقات الدولية، التي تفسر سلوك الدول العظمى في الهيمنة وتعزيز نفوذها وقوتها الدولية. فهذه المنطقة أكثر المناطق أهمية في مرحلة صعود الصين، ومحاولة إعادة تشكيل النظام الدولي على أساس من التعددية القطبية، تأخذ الصين مكانتها كقوة كبرى منافسة للولايات المتحدة على صعيد النظام العالمي، في المقابل ترى الولايات المتحدة بأن هذه منطقة مهمة بحسب استراتيجية أوباما عام 2010 التي تقوم على اعتبار "منطقة جنوب شرق آسيا وبحر الصين منطقة مصالح أمريكية استراتيجية من الدرجة الأولى"، في مواجهة التمدد الصيني بهدف عرقلة المساعي الصينية في فرض الهيمنة على محيطها الإقليمي.

من الناحية النظرية، تبرز أهمية تشكل قوة ومحور جديد في المنطقة، بخلاف التكتل الأمريكي في مواجهة العملاق الصيني الصاعد. هذا التكتل الجديد يتميز بامتداد جغرافي وكتلة بشرية ضخمة تصل حوالي 650 مليون نسمة في كل من إندونيسيا وماليزيا وباكستان وتركيا، كنقطة انطلاق لتجمع إسلامي كبير يضم 1,7 مليار مسلم. وزيادة على المصالح الاقتصادية التي يتطلع إليها مؤسسو هذا التجمع الجديد، تلعب العصبية الدينية دور المحرك الأساسي الجامع لهذا التكتل الجديد، فضلا عن وجود عصبية العرق والتواصل الجغرافي كما هو الأمر بين ماليزيا وإندونيسيا.

قد يشكل الغياب الرسمي لقادة باكستان وإندونيسيا عن جلسة القمة لهذا المؤتمر في نسخته الحالية نقطة ضعف، لكنه لم يلغ دور هذه الدول في تأسيس هذا الملتقى الجديد. وبانتظار أن تأخذ هذه الدول موقعها كاملاً في تشكيل هذا الملتقى الجديد، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل يمكن أن ينجح قادة مؤتمر كوالالمبور في استعادة ثقة المشاركين المترددين، مثل باكستان وإندونيسيا، للتقدم باتجاه تعزيز قوة هذا التكتل وفرضه كحقيقة واقعة أمام القطبين الكبيرين واشنطن وبكين في لعبة صراع النفوذ والهيمنة في هذه المنطقة الحيوية.

تشكل هذا التكتل يعني وجود قوة ثالثة في هذه المنطقة، مما يفرض على القوتين الرئيسيتين في الإقليم واشنطن وبكين إلى التعامل بجدبة مع هذه القوة، والأخذ بالحسبان مصالح هذه القوة في لعبة توازن القوى الاستراتيجي، مما يزيد من حجم المصالح والمنافع للقوة الجديدة.

إن تشكل تكتل مستقل في هذه المنطقة، في حال نجاحه في استقطاب دول إسلامية أخرى في المنطقة، سيعطي وزناً كبيراً على الصعيد العالمي تعطي هذه المجموعة قوة توازي مكانة مجموعة دول عدم الانحياز في مرحلة الحرب الباردة في أسوء الأحوال.. هذه القوة تزداد وتنقص طردياً بقدرة هذا التجمع على التوسع الأفقي، أي بضم دول جديدة، وعمودياً بتعزيز الترابط بين دوله من خلال تعزيز العلاقات السياسية والتعاون الاقتصادي والتقني، بهدف إيجاد قوة ثالثة على مستوى النظام العالمي تهدف لخدمة وتعزيز مصالح المسلمين.

خلاصة القول، لا زالت فكرة مؤتمر كوالالمبور في مهدها، بالرغم من التحديات والمعيقات من بعض الدول الإسلامية، وهي فرصة للانطلاق نحو صناعة مركز ثقل جديد يكسر الرتابة في النظام العالمي وحالة التهميش التي يعاني منها أصحاب المنطقة، سواء في منطقة جنوب شرق آسيا أو الشرق الأوسط.
التعليقات (0)