مقالات مختارة

البحث عن إبرة في الصحراء!

عبد الناصر بن عيسى
1300x600
1300x600

يقال بأن رئيس الحكومة الجديد لا ينام، وهو داخل ورشة "بشرية ضبابية" بحثا عن الكفاءات والإطارات التي ستشكل حكومة 2020، التي جاءت بعيدا عن آل بوتفليقة التي سيطرت لعقدين على سلطة توزيع الحقائب الوزارية المليئة بالأموال والفارغة من الأفكار، ويقال بأن الرجل يبحث عن وجوه جديدة بإمكانها أن تساعده وتساعد البلاد على رفع رأسها، من وحل التخلف والجمود الذي غرسته فيه خلال قرابة نصف قرن، ويقال بأنها ستكون حكومة "تكنوقراطية"، تُسيّر من أصحاب الكفاءات، وفيها وجوه جديدة وشابة كما وعد بذلك السيد عبد المجيد تبون، ويقال بأن زمن المهازل التي جعلت أحد وزراء الصحة يقول بأن الجزائر في ميدان الطب أحسن من فرنسا، وجعلت وزيرا آخر للجامعات يستهزئ بجوائز نوبل في العلوم، قد ولّى إلى الأبد.

المشكلة أن الجزائر تخلفت فكريا بمئات السنين، وبالتأكيد لا تكفي الشهادة الجامعية لوحدها لأجل تجاوز هذا التراجع المرعب والمخيف، وسيجد السيد عبد العزيز جراد ومن يساعده في البحث عن أهل الكفاءة، نفسه كمن يبحث عن إبرة في صحراء شاسعة، لأن وزير النفط الذي سيتسلم حقيبة "قوت" الجزائريين، سيجد سلاله ممزقة وسعره في الحضيض وقطراته مهددة بالتبخر، وسيجد شركات أجنبية تسيطر على الثروة وعاثت فيها استهلاكا، ولأن وزير المالية سيجد منظومة من دون بورصة ولا هيكلة ومن دون ناتج قومي حقيقي في بلد يصدر النفط فقط ويستورد كل شيء بما في ذلك النفط، وسيجد وزيرا التعليم والجامعات، هياكل وتلاميذ وطلبة، ولكن من دون تعليم ولا جامعات، وتصبح المهمة في منتهى التعقيد إذا لم يكن التعديل شاملا، والإرادة جادة تقبل الصبر والتضحية من القمة والقاعدة معا.

لم يحدث في تاريخ الجزائر أن استدعي وزير بعد أن تُنزع منه الحقيبة الوزارية، ليقدم جردا عاما لما فعله في عهدته التي يصرف فيها أحيانا ملايير الدولارات، ولم يحدث أن عوقب على أخطائه المهنية الجسيمة، وهناك العشرات ونخشى أن نقول المئات من الوزراء في الجزائر ممن حملوا الحقائب الثقيلة ولم يقدموا فكرة واحدة للنهوض بقطاعاتهم، ولن نقول عملا واحدا ملموسا.

 

وإذا كان أهل الحراك يطالبون بجزائر جديدة لا يعيّن فيها أي مدير بسيط إلا وبرفقته برنامجه العام، ويحاسب بعدها ليس على التجاوزات فقط، وإنما على أخطائه المهنية، فإن حاملي الحقائب من الوزراء الجدد مطالبون بتقديم أفكارهم للناس ومباشرة تنفيذها على أرض الواقع، لأن خطاب "الخشب والحطب والفلين" بوعود منح الفرصة للشباب، سمعه الجزائريون وملّوا منه، منذ أول طاقم حكومي في عهد أحمد بن بلة الذي ضم وزير المالية أحمد فرنسيس ووزير الإعمار أحمد بومنجل ووزير العمل أحمد بومعزة ووزير الصحة محمد الصغير نقاش، وأيضا وزير الشباب والرياضة والسياحة عبد العزيز بوتفليقة.

عندما تصبح الحقيبة الوزارية امتحانا خطيرا وحاسما للرجال والنساء، يُكرمون فيها من الشعب والتاريخ على أفكارهم وجهدهم، أو يهانون بالمتابعة القضائية، وليس حقيبة أموال وامتيازات و"بريستيج"، عندها فقط سننتظر الطاقم الحكومي وقلوبنا على أيدينا وأيدينا على قلوبنا!

(الشروق الجزائرية)

0
التعليقات (0)