اقتصاد عربي

لهذه الأسباب لا تقطع القاهرة وأنقرة علاقاتهما الاقتصادية؟

خبراء: الاستثمارات التركية المصرية محمية بقوانين دولية ويترتب على أي ضرر لها عقوبات دولية- جيتي
خبراء: الاستثمارات التركية المصرية محمية بقوانين دولية ويترتب على أي ضرر لها عقوبات دولية- جيتي
على إثر تصاعد حدة الخلافات المصرية التركية في ملفات عدة بينها الصراع بمنطقة شرق البحر المتوسط الاقتصادية، والظهور التركي الأخير بالأزمة الليبية، تزايدت بشكل لافت دعوات التحريض السياسي والإعلامي بين القاهرة وأنقرة.

واكتظت الصحف المصرية والمقالات والبرامج الإخبارية والسياسية والتوك شو عبر الفضائيات، بجانب مواقع التواصل الاجتماعي، بالحديث عن الدور التركي في ليبيا واعتبرت جميعها دعم تركيا لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، بالغزو لأراضي ليبيا وبهدف سرقة نفطها.

وروج الإعلامي أحمد موسى، لانهيار الاقتصاد التركي ومعاناته من البطالة بنسبة 13.5 بالمئة، وإصابته بالتضخم وتراجع سعر الليرة بنسبة 7 بالمئة، وانسحاب الاستثمارات الأجنبية، وعدم الاستقرار الأمني، وتراجع فرص العمل.

كما زعم موسى، عبر برنامج "على مسئوليتي" بفضائية "صدى البلد"، إصابة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالجرب، واحتمال إصابة ملايين الأتراك بهذا المرض، محذرا الشعوب من السفر لتركيا.

 

وفي استضافة الإعلامي عمرو أديب، ليلة رأس السنة لخبيرة الأبراج بسنت يوسف، عبر فضائية "mbc مصر"، سألها عن حظ الرئيس التركي في 2020، لتطلق مجموعة من العبارات الساخرة والموحية بهزيمة أردوغان.

إلا أن تلك الحملة لم تصل أصوات التحريض فيها لوقف التعاون الاقتصادي التركي المصري الذي لم ينقطع حتى منذ الرفض التركي لانقلاب قائد الجيش عبدالفتاح السيسي، على أول رئيس منتخب ديمقراطيا بمصر الراحل محمد مرسي، بل ويتزايد بشكل مطرد بين القاهرة وأنقرة التي تأتي بالمرتبة العاشرة لأهم الشركاء التجاريين لمصر.

والسؤال: رغم الخلافات المصرية التركية الشديدة في ملفات شرق المتوسط وليبيا، ورغم التحريض السياسي والإعلامي اليومي؛ لماذا لا تقطع القاهرة وأنقرة علاقاتهما الاقتصادية؟

 

اقرأ أيضا: القاهرة تدين قرار البرلمان التركي إرسال قوات إلى ليبيا

اتفاقيات مرسي

وفي رؤيته، أكد الخبير الاقتصادي، أحمد ذكرالله، أنه "منذ العام 2013، كانت هناك رؤية مهيمنة على سلطات الجانبين أنه يمكن تفادي توتر العلاقات والوصول لتفاهمات مع الإدارة التركية، بل كانت القاهرة أكثر حرصا على ذلك وكانت تأمل من أنقرة تحجيم أنشطة المعارضة التي يقع أغلبها بقطر وتركيا".

وأضاف ذكر الله لـ"عربي21"، أنه "وبعد الضغط على الدوحة، وإغلاق فضائية (الجزيرة مباشر مصر)، وانتقال أركان المعارضة لتركيا كان للحكومة المصرية نفس الرغبة بتحجيم نشاط المعارضة".

وأشار أيضا إلى "الكثير من الملفات الأمنية محل التباحث الدائم بين الطرفين؛ مثل تنظيم الدولة، والعائدون من سوريا، والذين تسربوا لمصر وليبيا".

ومن الناحية الاقتصادية قال، إنه "إضافة إلى التبادل التجاري بين مصر وتركيا، فقد تقدم الاستثمار التركي لمصر بقطاع النسيج إثر ثورة يناير 2011، وما بعدها، وهي استثمارات محمية بقوانين دولية ويترتب على أي ضرر لها عقوبات دولية".

وتابع: "هناك أيضا مجموعة اتفاقيات تجارية تم توقيعها بعام حكم الرئيس محمد مرسي، ولم يكن ممكننا الرجوع عنها لأنها اتفاقيات دولية".

ولفت إلى حجم خسائر مصر بقضايا التحكيم الدولي والغرامات التي لحقت بها الفترة الماضية، مؤكدا أنه "وبالتالي لم يكن لمصر إمكانية للتراجع عن تنفيذ الاتفاقيات مع تركيا".

 

اقرأ أيضا: أنقرة: مصر "سعيدة جدا" من الاتفاقية البحرية بين تركيا وليبيا

وأضاف ذكرالله، أنه "كان أيضا للحكومة التركية ودائع في مصر بنحو 2 مليار دولار، تم ردها فيما بعد بمواعيدها الطبيعية، وبالتالي كان قطع القاهرة العلاقات مع أنقرة يعني ضرورة رد هذه الودائع فورا".

وذكر أنه "أواخر 2017، استثمرت شركة زجاج تركية هي الثالثة في العالم نحو 2 مليار دولار بمصر، تمثل رقما كبيرا بجملة الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يأتي للقاهرة، وإذا حذفنا الرقم الذي يذهب لقطاع البترول سنجد أنه الاستثمار الوحيد الذي أتى لمصر في 2017 واحتمال 2018".

وأكد الخبير الاقتصادي أن العام 2018، سجل تصاعدا هو الأكبر للتبادل التجاري بين البلدين، حيث بلغت الصادرات التركية لمصر نحو 3.1 مليارات دولار تقريبا، وبلغت الصادرات المصرية 2.2 مليار دولارا؛ وهذا رقم كبير بالنسبة لإجمالي الصادرات المصرية التي تبلغ 30 مليار دولارا".

وأوضح أن "السوق التركية مهمة بالنسبة للصادرات المصرية ولا يمكن الاستغناء عنها بسهولة"، مضيفا أنه "كان يمكن أن تستفيد مصر من السائحين الأتراك بأزمة قطاع السياحة منذ 2014 وحتى العام الماضي، ولكن الإجراءات الأمنية والتعبئة ضد الشعب والحكومة التركية منع ذلك".

وخلص إلى أن "هذه التشابكات والعلاقات التجارية لم تتأثر بشدة؛ إما نتيجة كونها تحت حماية قوانين دولية لا يمكن لأي من الطرفين غض الطرف عنها، أو لأنها تمثل بالفعل حقائق استراتيجية، أو مصالح متبادلة، أو لأنه باب خلفي يمكن الرجوع منه بأي وقت لتحقيق مصلحة".

"خسارة للجانبين"

وقال الخبير الاقتصادي المصري عبدالحافظ الصاوي، إن "السياسة لا تعرف المصالحة التامة أو الخصام التام"، ضاربا المثل بالصراع الاقتصادي الصيني الأمريكي.

وأوضح الصاوي، لـ"عربي21"، أنه "في ظل ما تابعناه من إجراءات مقاطعة اقتصادية وفرض رسوم جمركية متبادلة بين الصين وأمريكا في 2019، فإن الميزان التجاري بين البلدين لم ينخفض أو يتأثر كثيرا".

وأكد أنه "رغم الحرب الدائرة التي يسمع بها العالم أجمع؛ ظلت الصين تحقق فائضا اقتصاديا مع أمريكا تخطى 270 مليار دولار"، مشيرا إلى أنه "وكذلك العلاقة بين أي دولتين بينهما خلاف سياسي ممكن أن تظل العلاقات الاقتصادية قائمة لارتباطها بمصالح كثيرة".

وتابع: "كذلك الوضع بين مصر وتركيا؛ فهناك علاقات اقتصادية ممتدة وخاصة أن أنقرة لها استثمارات قائمة بمصانع نسيج وغيرها بمصر".

ولفت إلى أن "هذه المصانع يعمل بها عدد من العمالة المصرية تزيد عن 40 ألف عامل مرتبطون بآلاف الأسر، وبالتالي تأثر هذه المصانع بأي قرار من الحكومة المصرية يؤثر على تلك الأسر".

وأشار الصاوي، أيضا إلى ما اعتبره "مصالح مصر من خلال صادراتها لتركيا، التي تبلغ بين 2 و 2.5 مليار دولار سنويا"، مبينا أن "مصر في هذا الوضع المالي تحتاج لزيادة صادراتها لدول العالم وبينها تركيا".

وخلص الخبير المصري إلى أن "قطع العلاقات بينهما أو تأثرها سلبيا على الصعيد الاقتصادي؛ يؤثر على البلدين حيث أن هناك جانب من المصالح المتبادلة لابد أن يحرص عليه الطرفان".

"هكذا تتأثر مصر"

ويرى أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة صباح الدين زعيم التركية أشرف دوابه، أنه في العلاقة الاقتصادية المتواصلة بين مصر وتركيا رغم ما بينهما من خصام سياسي، يأتي "الميزان التجاري لصالح القاهرة".

وأوضح دوابة، لـ"عربي21"، أن "الأمر الثاني؛ هو حجم الاستثمارات التركية في مصر"، مبينا أنها "أيضا تمثل رقما جيدا قد يؤثر سلبا في هذا الإطار، وخاصة مع وجود عدد العمالة المصرية الكبير الذي يعمل داخل المصانع والشركات التركية بمصر".

وقال إن أي قطع أو تأثر للعلاقات الاقتصادية بينهما "يعني مزيدا من البطالة للعمالة المصرية، ومزيد من تخفيض الصادرات المصرية للعالم الخارجي".

التعليقات (1)
منصور عبدالقادر
الجمعة، 10-01-2020 10:02 م
السياسه والصدق خطان متوازيان لا يمكن ان يلتقيان