قضايا وآراء

يني تركيا يني شامبيون (2)

ماجد عزام
1300x600
1300x600
مع استمرار سيرورة قيام تركيا الجديدة على كل الأصعدة، ووجود رعاة من كبرى الشركات والمؤسسات الاقتصادية، وتجديد عقد المدرب لخمس سنوات قادمة كي يكتمل المشروع وتجديد عقود لاعبي الهيكل أو العمود الفقري للفريق، سيبقى النادي في القمة لسنوات وسيزاحم الكبار، كما فعل دائما، وسيفوز حتما ببطولة كبرى محلية، وسيعرفه الناس خارجيا مع حضوره الدائم في المسابقات الأوروبية، واستقطابه لاعبين كبارا على أبواب الاعتزال، لنقل الخبرة ومساعدة النادي على تكريس حضوره وشخصيته.

هذه كانت خاتمة المقال الذي كتبته هنا في أيار/ مايو الماضي بعنوان "يني تركيا يني شامبيون"، عن تجربة نادي باشاك شهير، كممثل لتركيا الجديدة اقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا وفكريا ورياضيا. حصل ما توقعته، حيث كان الفريق التركي الوحيد الذي تأهل للأداور التالية في البطولات الأوروبية، وما زال في القمة محليا مع حضور ممثلين آخرين لتركيا الجديدة، بالمعنى العام للكلمة في القمة أيضا، حيث أنهى سيواس سبور بطلا للشتاء بتصدره الدور الأول للدوري، متنافسا مع باشاك الشهير ومتقدما على العمالقة طرابزون سبور وفنار بهتشة وبشكتاش وبعشر نقاط كاملة، حتى على العملاق الآخر غلطة سراي. وليس ذاك فحسب، بل حضرت خمسة فرق ممثلة لتركيا الجديدة ضمن العشر الأوائل بعد نهاية النصف الأول للدوري.

لا بأس من التذكير أيضا بما كتبته هنا منذ فترة عن مفهوم ومعنى تركيا الجديدة، التي لا تقوم على أنقاض، بل على أسس وقواعد تركيا القديمة، وتمثل تحديثا وتطويرا وإصلاحا لها في كل المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، وبالتأكيد الرياضية أيضا.

تركيا الجديدة تتضمن كذلك إشاعة الحريات بجوانبها كافة، ولا إقصاء فيها لأي فئة أو شريحة في كل المجالات، ولا احتكار لأي مجموعة للسلطة أو القرار والنفوذ والموارد في أي من مناحي الحياة.

إذن بقي باشاك شهير في القمة أوروبيا ومحليا. كان النادي التركي الوحيد الذي اجتاز بنجاح دور المجموعات بالدوري الأوروبي. ليس ذلك فقط، بل تصدر مجموعته التي ضمت العمالقة روما الإيطالي ومونشن غلادباخ الألماني، حتى إنه قهر هذا الأخير في معقله عندما كان متصدرا للبوندزليغا.

محليا، رغم مغادرة المدرب عبد الله أفجي لخوض تجربة حديدة في بشكتاش ومغادرة القائد والأسطورة أيمري بيليز أوغلو إلى فنار بهتشة، إلا أن الفريق لم يتأثر، حيث جرى التعاقد مع مدرب وطني شاب جدير وطموح (أوهان أوروك)، كما تم الاحتفاظ بأعمدة الفريق لاعبي المنتخب التركي الثلاثة (الحارس ميرت غونوك، ولاعبي الوسط محمود بيكديميك وعرفان جان قهوجي)، والجناح الدولي البوسني أدين فيشكا، والمدافع بل أفضل مدافعي الليغا، المولدوفي ألكساندرو أبريانو، وأصحاب الخبرة جييل كليتشي وروبينيو وأردا توران. وتم التعاقد مع شباب طموحين لسد الثغرات مثل الهداف الفرنسي أنزو كريفيلي (عوض الأسطورة أديبايور)، والجناح النرويجي غولبرانسن، وصانع الألعاب الفنان الصربي داني أليكسيز، والدولي التركي السابق المخضرم محمد توبال. وبعد تعثر طبيعي وبسيط في البدايات حصل الانسجام سريعا، وانطلق قطار الفريق لينهي بفارق أربع نقاط خلف سيواس، كما تأهل إلى دور الـ16 من الدوري الأوروبي، حيث سيواجه العريق سبورتينغ لشبونة في منافسة تبدو متكافئة، وكل الاحتمالات فيها واردة.

محليا؛ كما قلنا: أنهى سيواس المنتمي لتركيا الجديدة، بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري والرياضي، متصدرا للدوري مع فريق مجتهد دون أسماء بارزة، كـالمحليين لاعبي الوسط أيمري كلينتش وميرت هاكان، والمالي الهداف مصطفى ياتاباري، وجمهور محلي متحمس، وملعب رائع، ومدرب وطني صاحب خبرة وتجربة هو رضا تشالمباي.

في العشرة الأوائل يوجد خمسة فرق ممثلة لتركيا الجديدة: نادى الآنيا المنتمي للمنتجع السياحي الصغير المستفيد من النهوض الكبير للسياحة، الذي ظل متصدرا لأسابيع طويلة مع مدرب شاب، هو إيرول بولوت الذى تعلم في باشاك شهير (كان مساعدا لعبد الله أفجي لسنوات) وأسماء مغمورة أيضا، لكن مجتهدة مثل التركي صالح تشان والسنغالي بابيس سيسيه.

شيء مماثل يمكن قوله عن مدينة ملاطيا (الشهيرة بالمشمش الطازج والمجفف والأكثر تصديرا له عالميا)، مع لاعبين مغمورين مجتهدين، ومدرب وطني مجرّب أيضا هو سيرجان يالتشين.

الصاعد غازي عنتاب ممثل المدينة الزراعية كان مفاجأة الدوري بوجوده في المقدمة لأسابيع أيضا رفقة المدرب الأجنبي الوحيد، والشاب أيضا (الروماني ماريوس سوموديكا) مع مدينة ناهضة وبنى تحتية رياضية حديثة وجمهور متحمس.

بالنسبة للكبار، فقد أعاد فنار بهتشة بناء الفريق بعد تغييرات إدارية فنية الموسم الماضي. إثر مغادرة الرئيس عزيز يلدريم وعودة المدرب أيرسن ينال واسترجاع القائد أيمري بيليز أوغلو مع استقدامات لافتة، يبدو الفريق في طريقه لاستعادة أمجاده، ويوجد على بعد نقاط قليلة من سيواس، وباشاك هو وحده تقريبا من الأربعة الكبار يملك فرصة جدية وكبيرة للمنافسة على اللقب.

طرابزون، شهد كذلك تغيرات إدارية وفنية العام الماضي، مع الاعتماد على مواهب شابة مميزة جدا، واستقدامات جيدة، حيث يوجد لأول مرة منذ سنوات في المركز الثالث بعد انتهاء الدور الأول، إلا أنه تعرض لهزّة في فترة الاستراحة الشتوية، قد تؤثر على مسيرته مع قرار طائش للإدارة بإقالة المدير الفني الوطني الشاب والمجتهد أيضا أونال كارامان.

بشكتاش يمر أيضا بمرحلة تحوّل بعد حقبة المدرّب شينول غينوش والرئيس فكرت أورمان، حيث نجح في التعاقد مع مدرّب باشاك، وصانع بل أحد صناع نهضته عبد الله أفجي باستقدامات جيدة ومواهب شابة وواعدة، وهو الآن في مرحلة بناء فريق جديد، وإنهاؤه الدور الأول في المركز الخامس يمثل إنجازا بعد تعثر كبير وخروج مهين من دور المجموعات بالدوري الأوروبي.

غلطة سراي، هو أكثر العمالقة معاناة رغم الاستقرار الإداري والفني، فقد عانى من استراتيجية استقدامات فاشلة (أحضر المهاجم الكولومبي راداميل فالكاو الذي لم يسجل ثلاثة أهداف في الدور الأول)، وربما من انتهاء العمر التدريبي للأسطورة فاتح تريم، والنتيجة أن الفريق يعاني على كل المستويات، ومتخلف بعشر نقاط عن المتصدر سيواس سبور، كما أنه احتل المركز الرابع والأخير في دور المجموعات بدوري الأبطال، متخلفا حتى عن البلجيكي المغمور جينك.

في الأخير وباختصار، وكما قلت سابقا، فإن تركيا الجديدة تقوم على أسس وقواعد وليس أنقاض تركيا القديمة، ومن ثم سيستمر وجود الأربعة الكبار (فنار غلطة طرابزون وبشكتاش) في القمة، لكن ليس وحدهم، إنما مع باشاك وسواس وآخرين، كون تركيا الجديدة "رياضيا" أكبر من أربعة، تسع وتستوعب الجميع دون احتكار أو استثناء.
التعليقات (0)