كتاب عربي 21

أمريكا ونحن: من صدام حسين إلى قاسم سليماني والمهندس!

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

من بين كل الزوايا المهمة والهامشية المتعلقة باغتيال قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، غابت الزاوية الأهم -بنظرنا- عن النقاش، وهي دلالات الحادثة على طبيعة علاقة الولايات المتحدة مع المنطقة، وما هو الدرس الذي يمكن لأبناء المنطقة عربا وأتراكا وإيرانيين أن يتعلموه من التطورات الأخيرة.


من صدام حسين إلى سليماني.. من يتعلم؟

عندما شنت الولايات المتحدة عدوانها على العراق عام 2003، رحبت ميليشيات شيعية حليفة لإيران بالعدوان، واعتبرته طريقا مشروعا للقضاء على صدام حسين، بسبب عدائها معه لسنوات طويلة.

 

الموقف الإيراني لم يختلف عن موقف هذه الميليشيات، وإن كانت طهران لم تعلن تأييدها صراحة للعدوان، إلا أنها عمليا كانت سعيدة به لأنه سيخلصها من عدو لدود، كما أنه سيقرب حلفاءها من الميليشيات والأحزاب الشيعية من حكم العراق، بما يتيح لها نفوذا كبيرا في هذا البلد العربي المهم.


وبالفعل، استفادت إيران من احتلال العراق، فقد أصبحت البلد الأكبر نفوذا في البوابة الشرقية للوطن العربي، وأصبح حلفاؤها -أو أتباعها بصورة أدق- هم من يحكمون بغداد، بكل ما يعني ذلك من نفوذ سياسي وأمني واقتصادي لطهران.

 

أدى النفوذ الإيراني لبناء نظام حكم طائفي في العراق، وهو أمر لم تكن تعارضه واشنطن في ذلك الوقت، بل اعتبرت لقصر نظرها ورؤيتها الاستشراقية، أنه الحل الأمثل لبلد متعدد الأعراق والطوائف مثل العراق، وكانت النتيجة أن الميليشيات الشيعية باتت صاحبة اليد الطولى في بغداد، وفوقها وأعلى منها اليد الإيرانية بالطبع.


التدخل الأمريكي لم يكن في يوم من الأيام لصالح أبناء المنطقة، وأنه كان دوما عاملا لتفجير الصراعات بين أبناء الوطن الواحد أو بين هذه الدولة أو تلك، ولذلك فإن من العبث أن نتوقع أن يمثل اغتيال سليماني مصلحة لأبناء المنطقة

بالمقابل، كانت غالبية العرب السنة ضد الاحتلال الأمريكي للعراق، باعتبار أنه سيمنح إيران وحلفاءها "الشيعة" نفوذا وسلطة على حسابهم، وهو ما حصل فعلا بعد الاحتلال وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين.

ظل الطرفان السني والشيعي بين مد وجزر تجاه التواجد الأمريكي في العراق. فعندما حصلت إيران وحلفاؤها على السلطة والنفوذ اعتقدوا أن الوقت قد حان لإنهاء الوجود الأمريكي، وهو الأمر الذي عارضه في ذلك الوقت العرب السنة الذين اعتبروا القوات الأمريكية ضمانا لمنع تغول أكبر من الأحزاب والميليشيات الشيعية وطهران.

 

ولكن المعادلة تغيرت عندما سيطر تنظيم الدولة على مدينة الموصل، حيث رأى فيه كثير من العرب السنة، خصوصا في البدايات، خلاصا من العنف الطائفي الذي تمارسه ميليشيات تابعة للحكومة وإيران، بينما عادت الأطراف الشيعية لترى في أمريكا خلاصا لها من تنظيم "داعش"، فعملت تحت قيادتها وقيادة قوات التحالف للقضاء على التنظيم واستعادة الموصل.

بعد انتهاء المهمة، عاد الطرفان لنفس التموقعات، فالشيعة وإيران يريدان العراق خالصا لهم، فيما يرى العرب السنة أن الوجود الأمريكي يشكل عامل توازن للمعادلة.

 

ومع اغتيال قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، أصبحت الصورة أكثر وضوحا، فالبرلمان بأغلبيته الشيعية يصوت لخروج الولايات المتحدة من العراق، فيما يغيب الأكراد والعرب السنة عمدا عن الجلسة، فيما يظهر أنه رفض ضمني للتصويت.


لا حل لهذه المنطقة إلا بحوار سياسي استراتيجي بعيدا عن سطوة التدخل الأمريكي، والوصول لمصالحات تاريخية في الإقليم، فالتدخل الأمريكي ليس عاجزا فقط عن الحل، بل هو عامل تفجير، ستدفع شعوب المنطقة جميعها ثمنه الباهظ!

وقف الشيعة وإيران مع أمريكا ضد صدام حسين، ثم انتظروا ستة عشر عاما ليدركوا أن الولايات المتحدة لم تطح بصدام لأجل "سواد عيونهم"، والآن يصفق العرب لعملية اغتيال قاسم سليماني وكأن أمريكا فعلت هذا انتقاما لضحاياها الذين تسبب سليماني بقتلهم، ولا ندري كم سنة سينتظرون ليدركوا أن الاغتيال لن يحل أزماتهم لا مع إيران ولا مع أبناء وطنهم من الشيعة.

الدرس الأهم من الحدث

لا يحتمل طول المقال ذكر المزيد من الأمثلة حول طبيعة العلاقة الأمريكية مع أبناء المنطقة، من سوريا التي سمحت لها واشنطن بنفوذ كبير في لبنان عبر اتفاق الطائف قبل أن تحشد حلفاءها في المنطقة لطردها من بيروت، إلى أفغانستان التي دعمت أمريكا "مجاهديها" ضد الاحتلال السوفييتي قبل أن تعود لاحتلال بلادهم.

ولكن المهم من هذا التاريخ بكل ثقله وحضوره، هو أن التدخل الأمريكي لم يكن في يوم من الأيام لصالح أبناء المنطقة، وأنه كان دوما عاملا لتفجير الصراعات بين أبناء الوطن الواحد أو بين هذه الدولة أو تلك، ولذلك فإن من العبث أن نتوقع أن يمثل اغتيال سليماني مصلحة لأبناء المنطقة، بغض النظر عن رأينا بدوره السلبي والدموي في سوريا واليمن والعراق، كما أن من الوهم لبعض الأطراف العربية، وخصوصا العرب السنة في العراق أن يتوقعوا أن الاغتيال يمثل تموضعا أمريكيا جديدا لصالحهم.


إن الدرس الأهم هو أن أمريكا في علاقتها مع المنطقة لا يمكن أن تمثل حليفا حقيقيا، ولا يمكن الاعتماد عليها، ولا يمكن أن تمثل حلا لأي أزمة من أزمات المنطقة، لأنها تبقى أولا وأخيرا قوة استعمارية تبحث عن مصالح، لا عن صداقات، ولذلك فإن العتب ليس عليها وإنما على من يعتبرها صديقا، ومن يظن أنها ستدافع عنه بمواجهة أبناء بلده أو أبناء الإقليم.

لا حل لهذه المنطقة إلا بحوار سياسي استراتيجي بعيدا عن سطوة التدخل الأمريكي، والوصول لمصالحات تاريخية في الإقليم، فالتدخل الأمريكي ليس عاجزا فقط عن الحل، بل هو عامل تفجير، ستدفع شعوب المنطقة جميعها ثمنه الباهظ!


3
التعليقات (3)
براهين
الجمعة، 10-01-2020 09:11 م
الله يحفظ البلاد و العباد و يجمع شملهم و يشتت اعدائهم
احمد
الخميس، 09-01-2020 04:45 م
قبل ان نلوم الغرب ونلعن امريكا لنوضح اسباب تواجدها بالمنطقة اصلا فبعد اكتشاف النفط من الانجليز تداول على المنكقة بعد افول نجمها الامريكان كقوة خلفتها والغرب ملة واحدة بالطبع لكن امراء وشيوخ النفط ظلوا بابارهم رهينة لها ،ولنعد كيف مولوا كل حروبها والاخطر انهم نابوها في حرب السوفيات وبعدها اتوا على بقية الدول من اليمن الى سوريا حفاظا على عروشهم ،اما بخصوص من اتوا على ظهر الدبابة الامريكية لحكم العراق انظر كيف تسلموا العراق وكيف اوصوه الى هذا الوضع ،وهم شيعة بينهم والسلطة بايديهم ثم انهم اصلا جاؤوا ليغيروا الامر ويبنوا عراقا جديدا فتبين انهم مجرد لصوص تدربوا على اللصوصية بامريكا ولذلك فقد هربوا كل اموال الشعب العراقي الى هناك ،والى اليوم لم يسلم المواطن من التفجيرات اليومية ما يعني ان الامر مدبر ومستمر،،،
نفاق الغرب
الأربعاء، 08-01-2020 09:30 م
قوله عز وجل (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) أرباب الحروب و الانقلابات في العالم يأخدون البترول و الذهب مقابل صناديق فارغة من السفسطة و الكذب بإسم الحرية و الديمقراطية و الحضارة لكن من يقرأ التاريخ؟
adem
الأربعاء، 08-01-2020 07:47 م
ما قلته سيدي المحترم عن أمريكا ينطبق على الغرب الرّسمي كلّه بشقّيه الشّرقي و الغربي زد عليهم عبدة البقر و الأوثان لقد تداعوا على الأمّة ما الحلّ؟ و من بيده ذلك ؟ بكلّ تواضع التّحالف الإسلامي الجديد بقيادة تركيا هو الأمل إن كتب له الصّمود و النجاح و انضمام ممكن لةأوزان ثقيلة مثل الجزائر و مصر بعد سقوط الانقلاب بإذن الله تعالى ، و الأهمّ توافق استراتيجي بعيدا عنن الطّائفية ب ين السّنة و الشّيعة بضماّن من آجماع.ة الإخوان المسلمين و المرجعية الدينية في قم . ما لا أوافقك عليه حديثك عن قصر نظر و استراتيجية وم أ في العراق؟! استراتيجيتها تمكين الطّرف الأكثر استعدادا للتعامل الإيجابي مع سياستها ، إشعال فتنة طائفية مدمّرة ، و أخيرا الانقلاب عليه وتدميره تحت تصفيقات الطرف الآخر .