قضايا وآراء

أمريكا- إيران: غاب سلطان الحكمة

محمد موسى
1300x600
1300x600
في خضم الصراع المحتدم في الشرق الأوسط بين الجمهورية الإسلامية في إيران من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وإن اختلف المحللون على تسميته (خلاف في العلن وأحباب في الخفاء)، ما زال في اعتقادي بأن هناك استمرارا وتصاعدا للغة المصالح المشتركة بين العدوين اللدودين في أكثر من موقع في العالم.

تعتبر أفغانستان أولى المحطات التي تحتاج أمريكا وقواتها العسكرية الموجودة هناك لغطاء إيراني لما لإيران من نفوذ لها هناك، وخاصة بعد فشل المفاوضات التي جرت في الدوحة بين الولايات المتحدة وبين حركة طالبان. فالأمريكان ينشدون خروجا آمنا، بل اتفاقا مع طالبان وغطاء من إيران، فهل الى خروج من سبيل؟

لا تبتعد الساحة العراقية التي هي أرض الحدث والتطورات المتسارعة، حيث النفوذ الإيراني الظاهر والطاغي المهيمن على الحياة العراقية برمتها، عن كونها أرض اشتباك حالي وقادم على ما يبدو، ومفتوح على كل الاتجاهات والمسارات وعلى كافة الصعد.

فلا الإيراني سيقف عند حدود الرد الذي لم يرتق إلى قيمة ترتقي للمقارنة مع خسارة إيران لوجه غيّر وجه المنطقة من اليمن السعيد إلى غزة هاشم، مرورا ببغداد الرشيد ودمشق الياسمين العابق وبيروت أم الشرائع. فكيف بنا إذا صدقنا السيناريو الذي كتبته كبرى الصحف والمواقع العالمية حول ضربة إيران المنسقة عراقيا وخليجيا وأمريكيا؟ إن إيران رسمت هدفا واضحا في العراق، وهو خروج أمريكا من العراق، وذلك كان حاضرا في كلام مرشد الجمهورية ورئيسها روحاني، حتى في كلام حلفائها المنتشرين في المنطقة وأبرزهم على الإطلاق السيد نصر الله من بيروت، وبالتالي أصبحت بغداد عمليا على صفيح ساخن.

اما بيروت الحزينة الصابرة الثائرة فهي على حالها المتردي الذي يصعب على الغريب والقريب في ظل انهيار بطيء على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية.

في السياسة يبدو أن المخارج قد انعدمت في ظل رشقات الرصاص الكلامي التي أطلقها رئيس البرلمان نبيه بري غامزا نحو وزير الخارجية جبران باسيل في مشاكل تأليف الحكومة، مذكرا بإمكانية إنجاز حكومة لم الشمل. وهنا سيكون الشارع الثائر على أهبة الاستعداد للعودة وربما بقوة أكبر في مواجهة حكومة السياسيين لا الاختصاصيين المستقلين، وهو المطلب الذي اعتبرته القوى الدائرة بالفلك الإيراني مطلبا أمريكيا بهدف إخراج حزب الله وحلفائه من الحكومة، في ظل إصرار حلفاء إيران على حكومة تكنو- سياسية حفاظا على مكاسبهم بعد الانتخابات النيابية الأخيرة.

وهنا تبرز حلبة كباش إيراني- أمريكية جديدة، وشيفرة ليس بالهين حلها إذا ما رافق الواقع السياسي واقع اقتصادي مأزوم، حيث وصل سعر الصرف إلى حدود 2500 ليرة للدولار الواحد. يؤكد العارفون أن لبنان واقع تحت خط الفيلق الزلزلي الإيراني الأمريكي، فكيف للبنان الخروج من هذا المأزق؟؟

وفي اليمن لا يزال التعقيد سيد الموقف تارة هنا وتارة هناك من صنعاء إلى الدوحة، وصولا إلى استوكهولم. ولا جديد يذكر إلا احتلال مديرية من هنا وتحريرها من هناك، واليمنيون يضرسون.

والأكثر من الأكيد أن طهران وواشنطن لم تصلا بعد إلى خط النهاية في أزمة اليمن.

أما المحطة الفلسطينية في الصراع الإيراني الأمريكي، فهي أم المعارك مع الضغوطات لتنفيذ صفقة القرن بسلاسة، حسب التعبير الأمريكي، في ظل ثبات ورفض الرئيس عباس ومعه كل الفلسطينيين لهذه الصفقة المشبوهة، في ظل حالة إنكار عربي للقضية الفلسطينية.

يعتبر البعض أن أية حلول تحتاج إلى الوقوف عند رأي كافة الفصائل الفلسطينية، وحماس جزء فاعل وأساسي فيها. وهنا لا بد من الإشارة لعودة الدفء إلى العلاقة بين إيران وحماس بعد بيان النعي لسليماني من غزة. وفي ذلك بعد جديد لعلاقة طهران- حماس، والذي ستكشفه القادم من الأيام والذي سيكون حكما مدعاة للجدل بين أمريكا وإيران.

إن الانتخابات الأمريكية على الأبواب والإجراءات القانونية في الكونغرس الأمريكي للحد من سلطات ترامب تزداد، ولكن من يستطيع لعب دور الوسيط بين إيران وأمريكا مع كثرة الملفات العالقة والمتشعبة بينهما، في ظل غياب سيد الدبلوماسية الناعمة، رجل الحكمة والعقل السلطان قابوس الذي يفتقد دوره في هذه الأزمات الدولية الكبرى؟ فالسلطان كان عنوانا لحوار الحضارات، وأداة خير لكف النزاعات وكاسحة الغام في زمن ممتلئ بالمتفجرات من الحروب والنزاعات في منطقة لا تكاد الحرب تنطفئ فيها حتى تشتعل من جديد.

رحم الله سلطان الحكمة السلطان قابوس بن سعيد وأسكنه فسيح جناته، وأدام الله على العمانيين الأمن والأمان، ودورهم الريادي في نزع فتيل الحروب في منطقتنا.
التعليقات (0)