مقالات مختارة

شخص واحد، وصوت واحد لإسرائيل – فلسطين

جدعون ليفي
1300x600
1300x600

تجلب خطة إدارة ترامب للسلام في الشرق الأوسط معها أخبارا سارة وأخبارا سيئة. أما الأخبار السارة فتتمثل في أنها سوف تدق آخر مسمار في نعش تلك الجثة التي تمشي على رجلين وتعرف بحل الدولتين، كما أنها ستخلق واقعا جديدا يصبح فيه القانون الدولي وقرارات المجتمع الدولي، وبشكل خاص تلك الصادرة عن المؤسسات الدولية، بلا معنى. 

أما ونحن مفعمون بالأمل الذي زرعه فينا الرئيس الأمريكي، بفضل ما في قلبه من رحمة، دعونا نبدأ بالأخبار السارة. بمجرد أن يتم الإعلان عن مقترحه لن يتمكن أي شخص من الحديث بأي درجة من الجدية حول حل الدولتين، الذي وإن كان في الغالب لم يولد بعد، إلا أنه لفظ أنفاسه بكل وضوح، فلا يوجد دولة فلسطينية، ولن يكون هناك بتاتا دولة فلسطينية. 

وما جسارة الولايات المتحدة على دعم إسرائيل في ضمها للأراضي الفلسطينية وتأجيل البت في أمر الدولة الفلسطينية إلى المستقبل – كما لو أن القضية الملحة هي الضم وليس الاحتلال – إلا بمنزلة النقش الذي يزين به الكفن، إذ لن يعود بإمكان لا السلطة الفلسطينية ولا الاتحاد الأوروبي ولا الأمم المتحدة ولا المؤسسة اليهودية ولا اليسار الصهيوني التحدث عن هذا الخيار، دون أن يبدوا غاية في الحماقة. 

كيف ستجرؤ البلدان الأوروبية على ذكر حل الدولتين دون أن تفقد ماء وجهها؟ وكيف سيجرؤ اليسار الصهيوني على الحديث عن إقامة دولة فلسطينية؟ أين بالضبط ستقام هذه الدولة؟ بين بيت لحم وبيت أمر بينما تتمدد بينهما كالوحش المتربص بهما مستوطنة غوش صهيون؟ أم بين القدس الشرقية وأريحا بينما تتمدد بينهما مستوطنة معالي أدوميم الكبرى؟ ستكون تلك جزيرة فلسطينية، أو فلسطين مصغرة، عبارة عن مساحة محدودة جدا تقام عليها نماذج لمجسمات من المباني والبشر في استعراض شاذ لما يمكن أن يطلق عليه الحل العادل.

وإذ يصبح غور الأردن ومعظم مستوطنات الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، فسيضمن الفلسطينيون أنهم لن تكون لهم دولة، ولا حتى نصف دولة، ولا حكومة مدينة ولا حتى ضاحيتها. وإذ يتم ضم غور الأردن ومعظم المستوطنات، يعلن دونالد ترامب رسميا عن إقامة دولة الفصل العنصري، التي سيطلق عليها اسم دولة إسرائيل. أي إن ما بدأه هيرتزل في بازل يتمه ترامب في واشنطن. 

سوف يغدو مستحيلا من الآن فصاعدا السماح للمجتمع الدولي، ذلك المجتمع المغرور الذي يطلق على نفسه لقب "الداعي إلى الخير"، بالاستمرار في إصدار وعود كاذبة حول حل الدولتين، فلم يعد هناك شيء بهذا المعنى، بل لم يكن ثمة شيء بهذا المعنى في أي وقت من الأوقات، ولن يكون. إذا كان المجتمع الدولي، ومعه السلطة الفلسطينية، يتمنون في أن يجدوا يوما ما حلا للمشكلة الفلسطينية، فلا يوجد أمامهم سوى طريق واحد إلى الأمام، يتمثل في إقامة نظام ديمقراطي بين البحر المتوسط ونهر الأردن. وسوى ذلك لم يبق شيء. 

وأما أوروبا التي تحولت إلى مكمم لأفواه من ينتقدون الاحتلال، فعليها أن تتبنى لغة جديدة، لغة الحقوق المتساوية. يوجد أمام العالم اليوم خياران: بإمكانه أن يعترف بالفصل العنصري أو أن يدعم حل الدولة الديمقراطية الواحدة. فلا يمكن لأوروبا أن تستمر في احتضان إسرائيل والتحدث حول "القيم المشتركة" بوجود دولة الفصل العنصري. عليها أن تتذكر، أخيرا، كيف تصرفت تجاه سلف تلك الدولة في جنوب أفريقيا، وكيف أن أوروبا نفسها وما يشبه حركة المقاطعة والعقوبات وسحب الاستثمارات "بي دي إس" ساهما معا في سقوط ذلك النظام.

كما سيتوجب على الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعلى السلطة الفلسطينية أن يودعا إلى الأبد ذلك الحلم، فقد وضع على الرف، واستبدل بحلم مختلف لا مناص أمامهم من أن يحملوه ويتحدثوا بلغته ويعملوا على تحويله إلى واقع؛ فإما ذلك وإما الاستسلام للفصل العنصري مقابل حفنة الدولارات التي وعدهم بها الأمريكان. والشيء نفسه ينطبق بالطبع على إسرائيل، لأن حلمهم، حلم الدولة اليهودية، وضع هو الآخر على الرف. لقد انتهت الصهيونية، فقد التزمتم الصمت، ودعمتم، وتجاهلتم، وعليكم الآن مواجهة العواقب. 

إلا أن ما في جعبة ترامب من أخبار، واستسلام العالم لما هو آت به، نذير شؤم أكبر. لا يقوم ترامب فقط بخلق إسرائيل جديدة، وإنما يخلق عالما جديدا؛ إنه عالم بلا قانون دولي، عالم لا تحترم فيه القرارات الدولية، ولا يوجد فيه مظهر من مظاهر العدل. إنه عالم يكتسب فيه صهر الرئيس الأمريكي من النفوذ ما يفوق نفوذ الجمعية العامة للأمم المتحدة مجتمعة. إذا ما أبيحت المستوطنات فكل شيء مباح. 

ما تم اغتنامه بالقوة العسكرية الغاشمة فلن يتم تحريره إلا بالقوة. لا يوجد في عالم ترامب واليمين الإسرائيلي مكان للضعفاء، ولا يوجد لهم حقوق. 

من الآن فصاعدا، سيكون الأمر على النحو التالي: شخص واحد، صوت واحد – الصوت المنفرد لترامب (ومعه بنيامين نتنياهو)، في مقابل مجمل أصوات جميع الأشخاص الذين يعيشون في إسرائيل – فلسطين.

أيها الأوروبيون، أيها الفلسطينيون، أيها الإسرائيليون: حان وقت الاختيار بين الاثنين. 

 

(صحيفة هآرتس)

0
التعليقات (0)