صحافة دولية

فيسك: لهذا من المستحيل أخذ "صفقة القرن" على محمل الجد

فيسك: "صفقة القرن" سخيفة وتافهة ولا يمكن أخذها على محمل الجد- جيتي
فيسك: "صفقة القرن" سخيفة وتافهة ولا يمكن أخذها على محمل الجد- جيتي

نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للصحافي روبرت فيسك، يعلق فيه على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته للسلام في الشرق الأوسط، قائلا إن "صفقة القرن" التي أعلن بها ترامب هي أمر سخيف وغير عادي، ومن المستحيل النظر إليها بجدية.

ويبدأ فيسك مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إنه "عندما خرج سياسيان محتالان في البيت الأبيض هذا الأسبوع بكوميديا تراجيدية هي الأكثر جنونا وهزلية في الشرق الأوسط، كان من الصعب معرفة هل تضحك أم تبكي".

 

ويشير الكاتب إلى أن "الخطة، التي تقع في 80 صفحة، احتوت على 56 إشارة إلى (رؤية) في أول 60 صفحة منها (Vision)، نعم بالحرف الكبير في كل مرة، فأعتقد أن (صفقة القرن) كانت كشفا خارقا للطبيعة، لكنها لم تكن كذلك، وإن كانت أعدت من إسرائيلي خارق".

 

ويلفت فيسك إلى أن "هذه الخطة قالت وداعا لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، ووداعا للقدس عاصمة لفلسطين، ووداعا للأونروا، لكنها رحبت بالاحتلال الإسرائيلي الدائم للضفة الغربية والضم الكامل للمستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت هناك منتهكة القانون الدولي".

ويقول الكاتب: "من المسلم به أن لهذا الكلام الفارغ أثرا سحريا يغطي على مشكلات الزعيمين الأمريكي والإسرائيلي، وابتسم المحتالان للمصفقين من مؤيديهما في واشنطن، وأصبح واضحا على الفور أن هذه الوثيقة الكاذبة -التي تحتوي على أشكال السخافة والهزل كلها وتفاهة كئيبة بنسبة متساوية- دمرت وإلى الأبد أي أمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة في أي شكل، وهي لم تقل ذلك لكن ما عليك إلا أن تنظر إلى الوثيقة لترى اللغة التي تصف أطول احتلال في التاريخ الحديث بأنه (بصمة أمنية)، وحيث تم التخلص من اتفاقية أوسلو على أنها الاتفاقية التي أنتجت (موجات من العنف)". 

ويضيف فيسك: "حقا، يجب على الجميع قراءة الوثيقة، ويجب أن يقوم كل زعيم بقراءتها مرتين، خشية أن يكون قد فاته في القراءة الأولى بعض الإهانات الشنيعة التي وجهت للفلسطينيين".

 

ويجد الكاتب أن "الوثيقة لم تكن هدية لإسرائيل فحسب، بل احتوت على كل طلب إسرائيلي قدم لواشنطن (مضافا إليها المزيد)، وقامت بتدمير كل جهد قام به مجلس الأمن، وكل قرار للأمم المتحدة يدعو إلى انسحاب إسرائيلي، وكل جهد للاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية في الشرق الأوسط لإنتاج حل عادل للحرب الفلسطينية الإسرائيلية".

 

ويقول فيسك: "باختصار، فإن إسرائيل ستحصل على القدس بالكامل ومعظم الضفة الغربية، وتمتلك تقريبا كل مستوطنة في الأراضي المحتلة، وتسيطر على الشعب الفلسطيني الأعزل الذي قطعت أوصاله، وعليه أن يدعو إسرائيل (الوطن القومي للشعب اليهودي)، (بالرغم من تشكيل السكان العرب نسبة 21% من سكانها)، وتفرض رقابة على مناهجه الدراسية، ويعتقل ويحقق مع أي شخص يتجرأ على معارضة الاحتلال، الذي سيستخدم عددا من القرى خارج أسوار القدس يسميها عاصمة".

 

ويضيف الكاتب: "صحيح أن هذه وثيقة فريدة وتاريخية قامت حديقة حيوانات ترامب (خاصة زوج ابنته جاريد كوشنر) بإنتاجها؛ لاعتقادها بأن الفلسطينيين يمكن أن يقبلوا بالأحلام مثل هذه المطالب السياسية المجنونة والهزلية، أمر لا سابقة له في العالم الغربي".

 

ويستدرك فيسك متسائلا: "لكن متى علينا بصفتنا صحافيين أن نعمل كل ما بوسعنا، سألت نفسي بعد أن انتهيت من 56 (رؤية) بالحرف الكبير، وبالمناسبة هناك رؤى أخرى بأحرف صغيرة، بالإضافة إلى أن هناك عدة مهمات (missions) بالإضافة إلى قائمة الممنوعات المفروضة على الفلسطينيين؟ وهذه تتضمن التعليمات بأنه (لا يحق للدولة الفلسطينية أن تنضم إلى أي منظمة دولية إن كانت تلك العضوية تتعارض مع التزامات دولة فلسطين بنزع السلاح والتوقف عن الحرب السياسية والقضائية ضد دولة إسرائيل) ولذلك وداعا لحماية محكمة الجنايات الدولية أيضا".

 

ويقول الكاتب: "بعض زملائي أصيبوا بالذهول، مثل مروان بشارة في قناة (الجزيرة)، الذي استخدم أوصافا مثل مهزلة وخداع وغضب وسريالية وانتهازية وشعبوية وساخرة، أما جدعون ليفي، الذي أعده بطلي في صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، فإنه لم يكن بذلك الذهول، لكنه كان مروعا، حيث قال إنها (كانت آخر مسمار في نعش الجثمان المتحرك المدعو حل الدولتين)، وأضاف أن الوثيقة خلقت واقعا (يكون فيه القانون الدولي وقرارات المجتمع الدولي، خاصة المؤسسات الدولية، لا تعني شيئا)".

 

ويورد فيسك نقلا عن ليفي، قوله إنه ليست هناك دولة فلسطينية، ولن تكون هناك دولة فلسطينية، يجب أن تكون ديمقراطية بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط -حقوق متساوية للفلسطينيين والإسرائيليين، وإلا ستكون إسرائيل دولة أبارتايد، وأضاف أن ترامب خلق (عالما يكون فيه زوج ابنته أقوى من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن سمح للمستوطنات بالبقاء فكل شيء مسموح به)، ويعلق الكاتب قائلا: "هذا صحيح".

 

ويستدرك الكاتب قائلا: "لكن هل نحن الكتاب والصحافيون و(الخبراء) والمحللون لا نزال نملك الأدوات للتعامل مع هذا الكلام الفارغ؟ أليست هذه لحظة -ليس فقط بهدف الأخلاقيات والعدالة والنزاهة والكرامة- طرح السؤال الأكثر أهمية: متى يجب على الصحافيين أن يتوقفوا عن أخذ هذا الكلام بجدية؟ لأجل الكتابة عن دعاية ترامب الصاخبة كأنها حقيقية ويمكن تطبيقيها، أم أن مجرد مناقشتها تصبح فيها مهانة ووقاحة، ليس فقط للعاملين في الإعلام، لكن لمن يتأثرون بهذه الوثيقة السيئة؛ وهم الفلسطينيون وكل من وقف بإخلاص مع مطالبهم المعقولة بالحرية والعدالة". 

 

ويقول فيسك: "أدركت بعد عدة ساعات من قراءتي للوثيقة بأنه بالنسبة لكل مسلم معاد لإسرائيل يعتقد بوجود (مؤامرة صهيونية) فإن هذه الوثيقة المؤلفة من 80 صفحة ستعزز مثل هذه المعتقدات الغريبة، وفي مثل هذه الحالات، ربما يجب علينا أن ندعو الكوميديين ليصبحوا مراسلين، أو نطلب من رسامي الكرتون أن يكتبوا القصة، أو قد يكون من الأفضل لي أن استخدم برنامج صدق أو لا تصدق الذي يقدمه ربلي لنقل الرسالة، بحيث يقول برنامج صدق أو لا تصدق: رئيس أمريكي يعطي قوة أجنبية الحق لاحتلال أرض شعب آخر إلى الأزل، فبالنسبة لي هذا اختصار للقصة في 15 كلمة (إنجليزية)". 

 

ويستدرك الكاتب قائلا: "لكن علينا ألا ننسى أن الفلسطينيين سيحصلون على الأموال مقابل استسلامهم -ملايين الدولارات الخضراء التي سجلت في صفحات وفقرات الوثيقة وخطط التمويل والسياحة (المسار السريع) واستثمار كبير لأجل (تحسين الوضع الاجتماعي) و(تقرير المصير) و(طريق لحياة وطنية كريمة واحترام وأمن وفرص اقتصادية)".

 

ويختم فيسك مقاله بالقول: "أولم يخبر بوريس جونسون ترامب بأنها كانت (خطوة إيجابية للأمام؟) أو لم يسمها (وزير خارجيتنا)، دومينيك راب (مقترحا جادا (يستحق) الدراسة العادلة والصادقة).
صدق أو لا تصدق..".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)