قضايا وآراء

"ثاقب الثلج" وثورة التحرر العربي

طارق أبو غزالة
1300x600
1300x600

لست من هواة مشاهدة أفلام الخيال العلمي، لكن فيلم "ثاقب الثلج- Snowpiercer" الذي أخرجه المخرج الكوري العالمي "بونغ جو هو"، وهو المخرج الذي أخرج أيضا فيلم "الطفيلي" الذي حاز على جائزة الأوسكار لأحسن فيلم هذا العام استثناء لذلك.

الفيلم يجب على كل من شارك في حركة التحرر العربي مشاهدته إلى لحظاته الأخيرة لفهم طبيعة الصراع والمرحلة التي نمر بها، والتي أظن وآمل أنها ستنتهي كما في نهاية الفيلم.

الفيلم من أفلام الخيال العلمي، وتدور كل أحداثه داخل قطار سريع يجوب الأرض بعد أن دخلت الأرض عصرا جليديا عن طريق الخطأ حين حاول أهلها التغلب على ظاهرة الاحتباس الحراري عبر رش مادة كيماوية مبردة في طبقات الجوّ ما أدى إلى تجمّد الأرض وفناء الحضارة التي لم ينج منها إلا مجموعة قليلة من البشر الذين استطاعوا أن يلتحقوا بهذا القطار "المعجزة" الذي يجوب الأرض بسرعة خيالية لا يتوقف أبدا.

لكن هؤلاء الركاب داخل القطار ليس لهم من الأمر شيء؛ فمنازلهم ومنزلتهم في المقطورات مقررة سلفا حسب الطبقة التي ينتمون إليها من رأس القطار (القيادة) إلى ذيله (العبيد) مرورا بباقي الطبقات.

 


هذه التركيبة هي إذاً تركيبة العالم؛ بشرية محصورة في حافلة ذات وجهة واحدة إلى الأمام لا تتوقف لشيء تقودها في المقطورات الأمامية قيادة مدعومة من الأثرياء والعسكر ونظائر العسكر (شبيحة، بلطجية، بلاطجة، كتائب)، بينما يقوم نزلاء ذيل القطار بتزويد رؤوس القيادة بكل ما يحتاجونه ليعيشوا حياة الرغد والرفاهية التي لا تتورع عن فعل شيء لتستمر تلك الحياة.

لكن بيئة وسط كهذا ستستدعي دوما ثورات الذيل على الرأس التي ستقمع وتخمد دوما؛ فالرأس أصبح قادرا على التنبؤ متى ستحدث الثورة لوجود مشعرات لديه قابلة للقياس يعرف بموجبها ماذا على وشك أن يحدث.

قوة الفيلم في حواره الذي يدور حول جدلية القيادة والثورة الشعبية عليها وقدرة القيادة على التحكم بمفاصل وحوليات الثورة، وسبب ذلك برأيي يعود إلى قدرة القيادة على التفكير المتأني للتخطيط والتفكير السريع الرد فعلي للقضاء على أي ثورة فيما يعوز الثوار القدرة على التفكير البطيء المتأني التخطيطي لانشغالهم دوما بالتفكير السريع القائم على رد الفعل اللازم لحفظ الحياة لا أكثر، هذا التفكير الناجم عن إشغال القيادة للذيل بشكل مقصود ومخطط له بأمور حياتهم المعاشية اليومية، وبذلك تبقى القيادة متقدمة خطوات عن الذيل المشغول بالرغيف وتضميد الجراح وتأمين المأوى سواء في منزل طين أو في خيمة أو تحت شجرة زيتون.

كل هذه الأحداث تدور في فضاء جليدي قاتل لا يساعد على الثورة، لكن ملاحظة أي تغييرات في هذا الفضاء قد تكون الشرارة التي يستطيع الذيل استغلالها لتغيير واقعه الكئيب المنكوب.

جدير بالذكر وربما إشارة ذات مغزى هي حصول خلاف شديد بين المخرج بونغ جو هو والمنتج وهو هار?ي واينستين حول بعض المشاهد التي أراد المنتج إزالتها من سردية الفيلم فرفض المخرج. فما كان من المنتج إلا أن أصدر قرارا منع بموجبه عرض الفيلم في دور السينما العامة وقصر العرض على منصة نيتفليكس.

اليوم يحاكم المنتج واينستين في المحاكم الأمريكية بتهم التحرش الجنسي، ويُتوقع صدور قرار بحبسه، فيما ارتفع شأن المخرج جو هو إلى مصاف العالمية.

هذه الخاتمة للرجلين مشابهة لخاتمة الفيلم في نهايته غير المتوقعة، هذه النهاية التي أصبح لا بد منها اليوم، بل بدأنا نرى إرهاصاتها في بقعة ضوء هنا وإضاءة هناك.

لكن يبقى السؤال الحاسم: هل يستطيع أصحاب الثورة اليوم الخروج على النص لا عنه؟

التعليقات (0)