فنون منوعة

"باراسايت": أخلاق "المسحوقين".. والعيش على فتات الآخرين

نوع من الكوميديا السوداء التي تتطرق لمواضع لا يتحدث حولها كثيرون - (NEON + CJ Entertainment)
نوع من الكوميديا السوداء التي تتطرق لمواضع لا يتحدث حولها كثيرون - (NEON + CJ Entertainment)

الطفيليات، كائنات تعيش في المقام الأول على حساب المستضيف، وإن كانت الاستضافة أحيانا دون مشورة أو استئذان، فلن يستأذن الصرصور حين يعيش في مطبخ منزلك، ولا الفأر يطلب إذنا من الحكومة حين يسكن ويتكاثر في أزقة الدولة، ولا يقطع تذكرة حين يدخل إلى محطات القطار.

المتطفل الأول هو "كي وو" الذي يتصفح هاتفه، ويراسل الآخرين على حساب جارته في الأعلى ويحاول أن يصعد إلى الأعلى قدر الإمكان ليلتقط إشارة "الإنترنت" لكن رأسه يرتطم في النهاية بسقف منزله.

 

via GIPHY

 

لكن حتى الطفيليات لها "طموحات وأحلام"، تخرج في عتمة الليل لتعيش حياة مختلفة ولو لوقت يسير، وتنتعش بغياب المستضيف لكن لوقت قليل، فهي تحتاجه في النهاية لأنها تعيش على حسابه، وإلا فستبحث عن مستضيف جديد.

فيلم "باراسايت" أو "الطفيل" نوع من الكوميديا السوداء التي تتطرق إلى محرمات لا يتحدث فيها كثيرون، فلم يجد مخرج الفيلم "بونغ جون هو" أقبح من الطبقية في بلاده.

يقدم الفيلم صورة مختلفة عمّا تقدمه أفلام سابقة عن نبل أخلاق "الفقراء" وعجرفة "الأغنياء"، فلا الفقير هنا صاحب أخلاق عالية، ولا الغني متعجرف، وإن لم تعجبه رائحة الفقير، ولم يتمالك نفسه حين يغلق أنفه، فهو لم يخالطهم ولم يعتد رائحتهم.

 

الطفيليات ليس لديها خطط، تعيش كما تيسر، وهكذا كان الوالد "كي تيك"، يسأله الكل ما الخطة؟، فيلقي عليهم تعليمات وحلول، لكنه يعترف بالنهاية أنه لم يكن يملك أي خطة من الأساس يتحرك بالغريزة لينجو، وربما لا ينجو.

 

via GIPHY

 

اقرأ أيضا: إطلاق نسخة جديدة من فيلم "باراسايت" بالأبيض والأسود


ولا تريد الطفيليات أن تشاركها طفيليات أخرى قوتها، الأب "الطفيل الكبير" يلاحق البق (الطفيل الصغير) في منزله، بل ويجازف بحياته ليتخلص منه، فيسمح لمبيدات البلدية أن تتسلل إلى منزله الذي يبدو كالجحر أكثر منه كالمنزل، ليموت البق الضعيف وتنجو الطفيليات الأقوى، فالبقاء للأقوى دائما، حتى في مجتمع الطفيليات، لكنه شره لن يقف عند البق.

 

via GIPHY

 

لا تهتم الطفيليات بالمعايير الأخلاقية، وإن كانت تمثل في الفيلم الشريحة التي من المفترض أن يتعاطف معها الجمهور بعد مشاهدة الفيلم، بعد أن يقارن بين عائلة السيد "كيم" الفقيرة المتطفلة، وعائلة السيد "بارك" البرجوازية المستضيفة، والتي تعرف عن الولايات المتحدة ما لا تعرفه ربما عن كوريا الجنوبية.

 

لم يوضح لنا مخرج الفيلم، كيف حصل السيد بارك على ثروته، سوى أنه مدير شركة تقنية، ولا كيف أصبح السيد كيم معدما يعيش تحت الأرض، ويحتال ليأكل، وإن كانت مشكلة البطالة واضحة في عائلة من أربع أفراد لا يملك أحد منهم عملا، لكنه وضع يده على الجرح على الأقل، في بلد لا تخفى الطبقية فيه على أحد.

يتحرك الطفيل الأول، الابن "كي وو" باسمه المستعار "كيفن" ليعطي دروسا باللغة الانجليزية لابنة المستضيف الثري الشابة داهاي، ثم يحتال ليجد مكانا للطفيل الثاني، اخته كي جونغ، التي تبدأ بإعطاء دروس الفن والتربية للطفل المدلل داسونغ، والتي تحتال بدروها لتجد للطفيل الكبير، الوالد كيم، عملا لدى السيد بارك سائقا، ويجلب الأخير شريكته تشونغ سوك لتكون مدبرة المنزل.

واللافت أن كلا من الوالد والأم والابنة، اخذوا مكان غيرهم عنوة، وبلا أي حساب للأخلاق، أو مصير الآخر.

وتجد شخصيات عائلة كيم المتطفلة في أغلب الفيلم، يمشون برأس محني خوفا من أن يكتشف أمرهم، أو يسترقون النظر من خلف الجدران، أو يتسللون في العتمة، يختبئ أحدهم تحت السرير، وأخر أسفل الطاولة في حالات الطوارئ، حتى أن تشونغ سو لم تخجل من أن تصف زوجها بـ"الصرصور الذي يهرب سريعا لحظة وصول السيد بارك".

 

via GIPHY

 

أزعج الوصف السيد كيم الذي أمسكها من قميصها بشدة، فلم تعرف أتضحك أم تبكي على حالها، لكنه تراجع سريعا، وقال إنه كان يدعي الغضب، ولك أن تصدق أو لا تصدق!.

انتقلت حياة العائلة المتطفلة تقريبا من الجحر القديم، إلى القصر الرغيد، لكن لم يكن في خيالهم أن هنالك طفيليات سبقتهم إلى هناك، تعيش في الأسفل، وتقتات على فتات المستضيف، فيبدأ عندها صراع الطفيليات على فتات صاحب البيت، وإن كان يكفيهم جميعا!.

 

via GIPHY

 

اكتشفت عائلة السيد كيم طفيليا قديما يعيش في القبو من أربع سنوات، هو زوج مدبرة المنزل السابقة، يخرج ليلا ليقتات أحيانا، وتحضر له زوجته الطعام أحيانا أخرى.

تتقاتل الطفيليات بين بعضها البعض، وتخرج المدبرة القديمة منتصرة في الجولة الأولى، فتلقي خطاب النصر من على الكنبة، على غرار مذيعي الأخبار في كوريا الشمالية، لكنها بعد قليل ستخسر في الجولة الثانية، وستفقد حياتها بضربة من طفيل ينافسها على المكان.

يعرج المخرج على معاناة الطبقة المسحوقة حين تمطر السماء ويفيض النهر، فيصور لك أكبر مصائب عائلة السيد بارك الغنية، متمثلة في إلغاء رحلة التخييم وحفل عيد الميلاد.

 

ولم تغرق "خيمة" الطفل "دانغ سو" في المطر الشديد، فهي بحسب أمه، مستوردة من أمريكا، فيما غرقت بيوت الفقراء الذين يسكنون تحت الأرض بأكملها.


وقبل أن ينتهي الفيلم الذي يشدك حتى نهايته، تقتل بعض الطفيليات بعضها الآخر، وتقتل أخرى مستضيفها لأنه يكره رائحتها النتنة، كما تقتل بعض الأمراض أصحابها، وتسكن طفيليات مكان أخرى، فيما تبقى الصورة الكبيرة كما هي، طفيليات تقودها غريزة البقاء تسكن في الأسفل، ومستضيفون "أغنياء" في الأعلى، وتسمر الحياة.

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم