قضايا وآراء

هل يخسر العراق مقعده في الأمم المتحدة بسبب استهداف الإعلام؟

محمود النجار
1300x600
1300x600
شهِدَت حرية الصحافة في العراق تراجعا لافتا حسب التقرير السنوي لعامي 2019-2020، الذي أعدته منظمة مراسلون بلا حدود، وهو أمر أرجعه صحفيون ومختصون إلى عدم توافق التشريعات والقوانين مع الدستور، وكذلك سياسة الإفلات من العقاب وتحجيم حرية الصحافة والتعبير، واستمرار تغييب الرأي العام عن ملفات المحاصصة الحزبية وصفقات الفساد المشبوهة.

العراق من أكثر الدول انتهاكا للصحفيين

احتلّ العراق المركز 156 عالميا من أصل 180 دولة شملها تقرير شبكة "مراسلون بلا حدود" عن حرية الصحافة لعام 2019، ثم تراجع ستة مراكز عن تصنيفه في العام 2019 ليصبح بالمركز 162 حسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2020. ووُضع العراق في المركز 12 عربيّا، حسب ترتيب مستوى الحرية والأمن اللذين يتمتع بهما الصحفيون حول العالم.

تتحكم مجموعات مسلحة في عديد من مواقع الدولة، سواء السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى لدى العشائر، إذ تهدد هذه الجماعات أي صحفي يكشف الفساد أو يحاول تقديم النُّصح للدولة عبر التلفزيون أو مواقع السوشيال ميديا، ما أدَّى إلى تراجع الحريات وانتهاكها تحت حماية الدولة.

فاتساع ظاهرة الإفلات من العقاب، وعدم جدّية الدولة في وقف العنف ضد الصحفيين، أدّى إلى تراجع مستوى الصحافة في العراق، بالإضافة لاستمرار التهديدات والتحريض بحقّ الصحفيين، يشير إلى ضعف أجهزة الدولة في حماية مواطنيها، كما تستدعي الضرورة أن تكون الدولة راعية لمسألة الأمن الوقائي للصحفيين والإعلاميين، خصوصا بعد عمليات قتل وتهجير للعديد منهم.

أرقام صادمة وعلميات الترهيب

موجة انتهاكات خطيرة ومستمرة تطال الصحفيين في العراق، خصوصا أثناء تغطيتهم التظاهرات العراقية في ساحات الاعتصام. إذ وثّق مرصد الحريات الصحفية (JFO) مجمل الانتهاكات لعام 2019، وقد بلغت 477 انتهاكا، منها 87 حالة احتجاز واعتقال، و98 حالة منع وتضييق، و32 حالة اعتداء بالضرب، و4 هجمات مسلَّحة، و243 ملاحقة قضائية، و4 حالات إغلاق ومصادرة، وإغلاق 4 قنوات فضائية هي العربية والعربية الحدث والغد وTRT التركية. ولم تسلم هذه القنوات وغيرها من اقتحام الجهات المسلحة وتكسير معداتها والاعتداء على كوادرها بالضرب، في حين سجّل هذا عام 2019 مقتل 9 صحفيين عراقيين.

"مرصد الحريات الصحفية" اعتبر البيئة المحيطة بعمل الصحفيين العراقيين بيئة معقدة تواجه المصاعب التي أثناء إنجاز التغطيات الاستقصائية، وتأتي هذه الصعوبات وسط رفع الزعامات السياسية سقف القيود المفروضة على مصادر المعلومات، عبر استغلال نفوذهم الأمني والسياسي في إبعاد المراسلين بالقوة عن مواقع النشاط الإعلامي الميداني.

هذه الأرقام كان لها أثر سلبي على العمل الصحفي الميداني وحمل الكاميرا بات أمرا معقَّدا للغاية، إذ تحصر السلطات أمر السماح لحركة الصحفيين وتجوالهم بالقيادات العسكرية والأمنية في جميع المدن العراقية، كما أظهرت حالات القتل شكلا واضحا لنية سياسية بازدراء العمل الصحفي، والتخطيط الواسع لعمليات تخويف الصحفيين، بهدف تشويه التغطية الإعلامية عن طريق الجيوش الإلكترونية التابعة لأحزاب السلطة.

احتمالية خسارة العراق لمقعد الأمم المتحدة

من جانبها أقامت منظمة اليونسكو ندوة بخصوص انتهاك حقوق الإنسان في التعبير عن رأيه، وقد تحدثت رئيسة المنظمة "أودري أزولاي" في لقاء صحفي معبِّرة عن إدانتها لواقع الانتهاكات ضدّ الصحفيين العراقيين، فقالت: "نُدِين حالات العنف التي طالت الصحفيين العراقيين، وندعو السلطات العراقية إلى التحقيق في انتهاكات الخطف والقتل التي بلغت أوجها في نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019، وبداية شهر كانون الثاني/ يناير 2020".

اعتبر الصحفيون تصريحات المنظمات الدولية جزءا من حالة "التخدير" لأنها لم تتحول إلى قرارات وتشريعات وبيانات ضاغطة وصريحة على الحكومة العراقية، فالمنظمات تعبر عن قلقها فقط ولا تتحرك بطريقة جدية لتفرض عقوبات على الذين ينتهكون حرية الصحافة. كما أعلن المرصد العراقي بأن العراق ربما يخسر عضويته بسبب الانتهاكات الصحفية وكبت الحريات عام 2020.

الحكومة تشير إلى الطرف الثالث

رئيس هيئة الإعلام والاتصالات العراقية "علي الخويلدي"، صرّح قائلا: "نُشِيد بدور الإعلاميين في تغطية القضايا العراقية، ونتهم الطرف الثالث بقمعهم، فالحكومة العراقية تستنكر الانتهاكات بحق الصحفيين، ولا نرضى بالتضييق على حرية التعبير".

ووفقا لهذا التصريح استغرب الكثير من الصحفيين والإعلاميين من كيفية تعامل الحكومة بهذه الطريقة السطحية، واعتبروه تهربا من المسؤولية، واتهموا الحكومة بأنها متحيزة للقنوات التي ترعاها أو التابعة لأحزاب سياسية في السلطة، وتساءلوا: لماذا لا تصل التهديدات للقنوات والوكالات التي تحتمي بالدولة؟

صحفيون يتهمون الحكومة

حملات تصفية الصحفيين تصاعدت بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، إذ تصاعدت حدة الاتهامات والحملات ضد الصحفيين ووسائل الإعلام إذا خالفوا في الرأي. ويبدو أن الحكومة تستخدم العنف لأنها ليس لديها خيار آخَر، وتريد فضّ التظاهرات وغلق ملفات الفساد والمحاصصة الحزبية بأي شكل من الأشكال، مستخدمة أساليب القمع والخطف والقتل والتخويف والتهديد.

خرق لمبادئ الديمقراطية

إجراءات الحكومة في عزل العراق عن العالم الخارج، خصوصا بعد قطع خدمة الإنترنت لأيام عدة، تعتبر انتهاكا صريحا وفاضحا للدستور، والمعايير والمبادئ الديمقراطية، ولائحة حقوق الإنسان، ونقضا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية. لكن العراق يبدو بعيدا عن التزاماته ولا يحترم حرية التعبير.

لا يبدو في ظلّ غياب القانون وسيادة لغة السلاح والترهيب أن معضلة الصحفيين العراقيين في طريقها إلى الحل قريبا، الأمر الذي يفرض على الحكومة العراقية مسؤوليات كبيرة لاتخاذ تدابير لحماية حرية الصحافة في البلاد وعدم الاكتفاء بإطلاق الوعود، لأن ذلك ربما سيؤدي إلى انفجار الشارع العراقي وفرض عقوبات دولية يحركها الصحفيون المخلصون لوطنهم.
التعليقات (0)