قضايا وآراء

جيل التحرر من الاستبداد

محمد عماد صابر
1300x600
1300x600
جيل خرج من رحم ثورة يناير، كانوا صبيانا وأطفالا شاركوا فيها تظاهراً وهتافا وخدمة ودفاعا.. جيل ناقد ناقم متمرد.. هذه بدايات كل الشخصيات المستقلة المتحررة غير التابعة، جيل التحرر لا تصنعه الأيدي المرتعشة ولا المؤسسات المرتهنة، لكن تصنعه الأحداث الأجسام والمواقف العظام..

تمرد الجيل الحالي هو تمرد يناسب طبيعة المرحلة، مرحلة السطو المسلح على حلم الحياة بكرامة في ظل وطن حر، مرحلة التيه والضياع والانحطاط الذي يحيطهم من كل مكان، في بقايا الأسرة والمدرسة والمسجد والكنيسة وفساد الإعلام.

فاصبروا عليهم، إياكم من تدجينهم تحت أي شعار، إياكم أن تظنوا ممارستهم خروجا عن الأدب! بل ما هو الأدب؟ مفهوم يحتاج إلى تحرير حتى لا يدخلوا بحجة الأدب حظائر العبيد والتبعية وإلغاء الشخصية، وربما يدخلون به معابد الفرعون طاعة وولاء ونفاق.

رسخوا فيهم القيم إن استطعتم.. قيم الإيجابية والصدق والعدل، ورفض الظلم، ونصرة المظلوم، اجعلوهم يروا فيكم قيم السلوك الحسن للقول الحسن، سلوك المؤمنين بربهم قولا وعملا.. لا إيمان بلا عمل، إيمان المتكلمين لا العاملين..

إياكم أن تغرسوا فيهم الحكم والأمثال التي ضيعت الأجيال.. إياكم من "امش جنب الحيط وأحيانا داخل الحيط".. إياكم من "الحيط لها ودان".. وإياكم من "اربط الحمار زي ما يقول صحبه".. ثم يكون الحصاد لا حمار ولا رباط..

دعوهم يطرحون كل الأسئلة خاصة الصعبة عن الكون وعن الله وعن الدين وعن الدنيا، ولا تجيبوا إن لم تكن لديكم الإجابات فتكون مصيبتين: مصيبة الكذب عليهم ومصيبة فقدان الثقة فيكم.. دعوهم يبحثون هم وسيصلون حتما ولو بعد حين، ليكونوا على ثقة وعلم وقناعة وليس اتباع والسير مع القطيع دون دراية.

لا تقلقوا، هو تمرد تهذبه التجربة والنضج، إياكم من توريث صفات الخضوع والخنوع والخوف، بل قيم الشموخ والجرأة والمغامرة.. دعوهم يمارسون حقهم ويعيشون تجربتهم. يخطئون ويصححون.. يتعثرون ويقومون.. دعهم يقولون لا ولماذا.. أكثر مما يقولون نعم وتمام..

اصبروا عليهم واستوعبوهم وانصحوهم بما يناسبهم هم لا ما يناسبكم أنتم، وأكثروا الدعاء لهم بالصلاح والإصلاح والهداية والتوفيق والتفوق، لا تشتبكوا معهم حتى لا تخسروهم، إن لم تنجحوا أن تكونوا لهم آباء وأمهات وأصدقاء وصديقات، فلا تكونوا لهم خصوما وفرقاء..

احترموا وقدروا ما يقولون.. واسمعوا لهم أكثر مما تتكلمون إليهم، وارفقوا بهم.. لا تخسروهم أبناء رحماء ولا أصحاب رفقاء..

اطمئنوا، الشجرة الطيبة ستنبت ثمرة صالحة ناضحة وإن طال الوقت. كان الإمام الزاهد العابد الفضيل بن عياض "عابد الحرمين": يقول اللهم أصلح ولدي فإن عجزت عن إصلاحه، وظل يدعو سنوات طوال حتى أصلح الله له ولده.

جيل التحرر من الاستبداد عليه تبعة تاريخية نبيلة، وهي استكمال سلسلة التحرر التي حققتها شعوب وأجناس وقوميات، والتحرر من العبودية ثم التحرر من الاستعمار، وأخيرا النضال للتحرر من الاستبداد وريث الاستعمار ووكيله في بلادنا. جيل التحرر من الاستبداد أمل منشود وحلم موعود، فلا تفقدوا الأمل ولا تتنازلوا عن الحلم.

ويبقى السؤال الأهم: كيف نسهم في بناء جيل التحرر من الاستبداد قياما بالواجب الشرعي والمسؤولية الوطنية؟

وللحديث بقية..
التعليقات (3)
مصري جدا
الأربعاء، 04-11-2020 10:43 ص
في انتظار المقال القادم لطرح الفكرة الاساسية من العنوان جيل التحرر من الاستبداد ،، ومن الواضح ان حضرتك تشير انه جيل مازال يتشكل بعيدا عن الجماعات والاحزاب الموجودة القديمة والتقليدية ،،، جيل جديد متجدد.
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 03-11-2020 12:37 م
... ثورة الشعب المصري في يناير 2011 لم تنشأ من فراغ، فقد قامت على أكتاف جيلين وأكثر لم يقصروا في مقاومة نظم الحكم الفاسدة وكشف جرائمها في حق الشعوب عبر عقود، وتلك الأجيال القديمة دفعت ثمناُ باهظاً لثباتهم على الحق في مواجهة الطغمة الحاكمة، وكان من زعمائهم من عانى الاعتقال في ساعات الثورة الأولى، حين كان غيرهم يتمتعون بمشاركة الطغاة ويبررون جرائمهم ويمكنون لهم، ووصف الثورة بأنها ثورة الشباب وأن هناك من يريد ركوبها، هي أكذوبة لمبارك في خطابه الأخير، وشاركه أتباعه في ترويجها، لخديعة الثوار وبث الفتنة بين صفوفهم، فثورة 2011 قامت بها كافة فئات الشعب المصري بكل أجياله، كما أنها كانت جزءاُ وما زالت من ثورة الشعوب العربية على فساد حكوماتهم، ولا ينكر إلا جاحد أو جاهل فضل الثورة التونسية في تفجير الشرارة الأولى، ووصف الثورة بأنها مجرد تمرد للجيل الحالي فيه تقزيم للثورة، وإجحاف بحق شهدائها، ومن دفع ثمنها غالياُ من مصادرة أموالهم واستشهاد أبناءهم وبناتهم، وما زال منهم من يقبعون في معتقلات الانقلابيين حتى يومنا هذا، وبعضهم من الشيوخ في سنوات حياتهم الأخيرة، والإفك والفتنة الأكبر هي في القول بأن الجيل الذي قاد الجهاد ضد الفساد لعقود قد أفلس، وأن عليهم أن يتنحوا ويعتزلوا الحياة السياسية، وإشاعة أن الأجيال القديمة هم العقبة امام تقدم الأجيال الجديدة هو إفك، لأنه لا فلاح لأمة إلا بتواصل أجيالها وتعاونهم، وليس ببعيد عنا كيف خدع بعض شباب الثورة فيمن ادعى بأنهم حركة تمرد، وساروا ورائهم مغمضي الأعين، وشاركوهم في التشكيك في إخلاص قادتهم، والذين ما زالوا مستمرون في النفخ في الخلافات بين أجيال الثورة، لا يريدون بها أي خير، والتحذير من مغبة أفعالهم واجب على كل مخلص عاقل.
الهام عبداللاه
الثلاثاء، 03-11-2020 07:45 ص
الشجرة الطيبة تنبت الثمار الطيبة الصالحة وهذا بيت القصيد النواة الحسنة