مقالات مختارة

أوسلو.. من وضع السطر الأول يضع الأخير

نبيل عمرو
1300x600
1300x600

الذي كتب السطرين الفلسطينيين هو الرئيس محمود عباس، وما كان قبلهما وما جاء بعدهما كان صانع القرارات الرئيسية ياسر عرفات، الذي وافته المنية قرب منتصف الطريق.


يوم الثالث عشر من سبتمبر (أيلول) 1993، قرص كثيرون أنفسهم كي يصدقوا أن اتفاقاً أنجز بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد محادثات سرية جرت في العاصمة النرويجية أوسلو، كان إيقاع الحدث على مستوى العالم كله قوياً ومهيمناً، بحيث لم يجرِ تدقيق كافٍ في النصوص المكتوبة على الأوراق التي جرى التوقيع عليها في البيت الأبيض.


كان الظمأ المزمن بفعل غياب الحل لمعضلة العصر قد أنتج تأييداً تلقائياً ومتحمساً عند غالبية الفلسطينيين، أما حاضنتهم الأولى «العربية» فقد ساد فيها مصطلح يقول: «ما يؤيده الفلسطينيون نؤيده».


ذلك باستثناء تحفظات أثارها الرئيس حافظ الأسد بهدوء، وملاحظات أولية أشار إليها الملك حسين، بفعل قلة أو انعدام التنسيق معه في أمر مفصلي كهذا، إلا أن الملك البراغماتي تناسى ملاحظاته واتخذ دور الداعم الرئيسي لخيارات الفلسطينيين.


بطل الرواية المباشرة هو محمود عباس، ومع أنه لم يكن ليضع خيطاً في إبرة من دون قرار من عرفات، إلا أنه سمي بفعل دوره المواظب بمهندس أوسلو، فقبِل التسمية حين كان المشروع واعداً، وكرهها حين صار عبئاً.


الرئيس محمود عباس لم يقدم ما فعل على أنه إنجاز تاريخي كما فعل كثيرون غيره، ولم يأتِ على ذكر سنغافورة كمآل لفلسطين وفق أوسلو.


كان الأكثر واقعية وصدقية في تقديم ما فعل حين قال أمام المجلس المركزي، الذي يضم قيادات منظمة التحرير جميعاً: «إن ما توصلنا إليه قد يقود إلى دولة فلسطينية أو يكرس الاحتلال، والأمر في كلتا الحالتين يعتمد على أدائنا».


كل العناصر المكونة للعملية باستثناء نصوصها، كانت تؤكد نجاحها وبذلك حل التبني الجماعي للمشروع محل دقة الأوراق والوثائق، وحلت تطورات الوضع الداخلي على كلا الجانبين فلسطين وإسرائيل محل التنفيذ الدقيق والمضمون لما كتب على الأوراق.


طلقات مسدس صغير وضعت حداً لعراب المشروع عن الجانب الإسرائيلي إسحق رابين، تلته ضربة قدر أبعدت بالموت عرّاب الجانب الفلسطيني عرفات. كان غياب الرجلين أكثر من مجرد سبب للانهيار، بل خلاصة لكل الأسباب والمقدمات التي أدت إليه. لم يمضِ وقت طويل حتى تحولت الحالة الواعدة بسنغافورة إلى حرب شاملة بين شركاء المجازفة، جسدتها الانتفاضة الفلسطينية المسلحة والتي قوبلت بإعادة احتلال الضفة بدون إعلان، وفتك جماعي وصف في حينه بالإفراط في استخدام القوة، ذلك أنشأ واقعاً بدت حياله محاولات الإنقاذ فقاقيع صابون تذوب وتتلاشى مع أول طلقة رصاص، فما بالنا والأمر بلغ حد تفجيرات حصدت مئات الأرواح.


نحن في النهاية التي أرجأ الإعلان النهائي عنها الرئيس محمود عباس في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة وحددها بسنة، إلا أن إسرائيل كانت أكثر وضوحاً وتحديداً للمآلات منذ قيلت عبارة لم يعد لنا شريك في العملية السياسية، وحتى آخر عبارة لم تقل أفصح عنها رئيس وزراء إسرائيل نفتالي بنيت من على ذات المنبر، أفصح عنها بالصمت الأشد دلالة من الكلام، لم يقل لا شراكة ولا مفاوضات ولا شروط إلا أنه ألغى كل شيء وبضربة واحدة حين تجاهل فلسطين والفلسطينيين وكأن ملايينهم الاثني عشر وأكثر يعيشون على كوكب آخر أو أن قضيتهم هي مع جهة أخرى.


إن يقترب عباس كثيراً من الإعلان الصريح عن وفاة مشروع أوسلو فهذا ما كان واضحاً قبل الخطاب الأخير، وأن يرجأ الإعلان سنة لرؤية التركة وكيفية التعامل معها فهذا أمر مفهوم، إذ ليس ما بني على مدى ثمان وعشرين سنة من وقائع وحقائق يمكن أن يُمحى بضغطة زر. هي سنة تفسيرها العملي الوحيد أنها صرخة استغاثة وجهت للعالم كله، وتخصيصاً للولايات المتحدة، التي أشاد بالجهود المبذولة لعودة العلاقات معها مثلما كانت قبل فترة رئاسة ترمب، غير أن أميركا كانت قد استبقت الرهان عليها بإعلان أن التسوية ليست على الأجندة.


السنة التي وردت في الخطاب على هيئة إنذار اعتبرها الرئيس عباس الحد الفاصل بين الأمل واليأس وبين إصدار شهادة وفاة للمشروع الذي سمي في بداياته الزاهرة بالتاريخي أو إصدار شهادة ولادة جديدة كما أمّل كل الخطباء الذين تناوبوا على منبر حائط مبكى القرنين العشرين والحادي والعشرين، والمسمى بالأمم المتحدة.


وضع الرئيس عباس أمام إسرائيل معادلة هي في غير وارد الإصغاء لها، فإما الانسحاب التام وإما حل الدولة الواحدة أو التقسيم، ولأن إسرائيل لم تستجب لأوسلو المتواضعة فبالتأكيد لن تستجيب لما تراه أفدح منها بكثير.


هنالك متاح واحد لا ثاني له في هذا الأمر، هو أن يعاد بناء البيت الفلسطيني من جديد ليس من أجل إثبات جدارة بشراكة مع بنيت وغيره في التسوية، أو لإعادة الروح لأوسلو المتلاشية، وإنما من أجل أن تظل قضية الشعب الفلسطيني على قيد الحياة والتداول ذهاباً إلى فرص أكثر جدوى يوفرها النضال العنيد المألوف عن الشعب الفلسطيني.

 

حكاية التقسيم والدولة الواحدة يمكن أن تقال كمطالبات غير أنها سوف تكون خامس المستحيلات من حيث التطبيق، ولعل ما يجدر تذكره أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء في زمن يتحرك فيه كل شيء إلى الأمام وبسرعة ضوئية.

 

(عن صحيفة الشرق الأوسط السعودية)

 
3
التعليقات (3)
محمد غازى
السبت، 02-10-2021 06:29 م
أعجبنى جدا تعليق ألأستاذ محمود الطحان، لأنه كفى ووفى، ووضع الحقائق كاملة، لما حصل منذ أوسلو وما قبلها، وما جرى خلالها. أستاذ نبيل دائما أقرأ مقالاتك، وقد شممت فى هذا المقال، مهادنة كبيرة لمحمود عباس! سؤالى هل هى الخوف من قيامه بقطع راتبك ومخصصاتك؟ سؤال برىء جدا. ألكل الفلسطينى وخصوصا أهلنا فى الضفة، وخصوصا بعد قيام عباس بإغتيال الناشط الفلسطينى نزار بنات بتلك الطريقة الجهنمية التى لم يسبقه أحد قبلها، وما واجهت به قواته، ألشعب الثائر على السلطة، كل السلطة، واجهت الشعب بالضرب والتنكيل والإعتقال، كنت أتمنى أن تنتقد السلطة مجرد إنتقاد على ما قامت به، ولكنك للأسف لم تفعل. لذلك قلت خوفك من قيام عباس بقطع مخصصاتك!!! ياخسارة!!!! بعنا فلسطين وقعدنا نبكى على أطلالها!!!
محمود الطحان
الخميس، 30-09-2021 10:12 ص
يااستاذ نبيل لا أريد الدخول في تفاصيل مؤامرة أوسلو لأنك تعلمها جيدا لكنني سأذكر حقيقة هذا الاتفاق كيف جاء وكيف تم وأسباب استعجال إسرائيل للتوقيع عليه... الانتفاضه الاولي شوهت صورة إسرائيل علي مستوي العالم بأسره من ممارساتها القمعيه بحق أطفال الحجاره وتكسير أطرافه علي مراي من شاشات التلفزيون العالميه ..إضافة لانهاك الجيش الصهيوني لسنوات وهم يطردون الأطفال والشباب دون أن يتمكنوا من إطفاء تلك الانتفاضه بل ازدادت اشتعالا يوما بعد يوم وأثبتت قيادة الشعب الفلسطيني في الداخل بقيادة أعظم انتفاضه علي مستوي العالم بالضعف وغزه قياده وطنيه شريفه هدفها إنهاء الاحتلال الصهيوني وجاءت مؤامرة أوسلو من وراء الوفد الفلسطيني الذي يقوده شرفاء الشعب الفلسطيني وعلي رأسهم أشرف من انجبت فلسطين الدكتور حيدر عبد الشافي رحمه الله الذي استقال بغضب فور سماعه عن مؤامرة أوسلو لأن الموساد الإسرائيلي ارسل من يهمس باذن القائد الرمز بأن قيادات الداخل سوف يسيطرون على كل شئ وتخرج قيادة المنظمه من المولد بلا حمص فكانت أوسلو حبل النجاه لإسرائيل من محرقة الانتفاضه وأظنك يااستاذ نبيل تعلم بالمكالمه الهاتفيه بين رئيس الوفد الإسرائيلي في أوسلو بعد منتصف الليل باسحق رابين طالبا منه الموافقه علي توقيع إتفاق توصلوا إليه مع المنظمه وبدون أي تأخير وإلا ستكون إسرائيل خسرت مالم تكن تحلم به من الشعب الفلسطيني فطلب رابين انها لم نصف ساعه للرد عليه وكانت تلك الفتره هي باتصال رابين مع فيصل الحسيني رحمه الله وأخبره بالاتفاق وعارضا عليه شروط افضل مما توصلت اليه إسرائيل في أوسلو والتوقيع مع قيادات الداخل فكان رد ابوالعبد رحمه الله أن عنوان الشعب الفلسطيني هو تونس..والبقيه معروفه دخلت جحافل المناضلين سابقا كرجال شرطه لانقاذ الجيش الإسرائيلي من اطفال الحجارة وقاموا ولا زالوا يقومون باقذر ادوار من الممكن تخيلها من شعب محتله ارضه يدافع عن جيش الاحتلال!!!!!!!!!لا اريد الاطاله لأن الحديث مقرف جدا حين يكون عن أوسلو والسلطه ومحمود عباس واجهزته الامنيه القمعيه ضد شرفاء الوطن
ابوعمر
الخميس، 30-09-2021 08:05 ص
يا أزلام التصهين....... ....من تخلى عن ملابسه الداخلية في أوسلو..وغيرها من المواخير...عليه أن ينبطح ويرفع مؤخرته أعلى للغربيين......