سياسة عربية

الأردن.. مسارعة بانفتاح اقتصادي مع سوريا دون "السياسي"

لا تزال الدبلوماسية الأردنية حذرة من الانفتاح السياسي على نظام الأسد بعكس الاقتصادي- جيتي
لا تزال الدبلوماسية الأردنية حذرة من الانفتاح السياسي على نظام الأسد بعكس الاقتصادي- جيتي

رغم الاتصال الهاتفي الذي أجري مؤخرا بين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وبين رئيس النظام السوري بشار الأسد، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وجملة الزيارات المكوكية التي قام بها وزراء ومسؤولون سوريون إلى عمان، بينهم قائد جيش النظام العماد علي أيوب، فإن النية بزيارة عكسية "سياسية" من عمّان إلى دمشق لا تزال بعيدة المنال، بحسب الدبلوماسية الأردنية.

 

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، كان صريحا وواضحا عند سؤاله عن موعد زيارته لدمشق، في ظل الانفتاح الأردني اللافت على سوريا، حيث قال في مقابلة مع قناة "فرانس 24" الفرنسية، الجمعة، إنه لا توجد أي خطط باتجاه زيارة سوريا قريبا، مؤكدا أن  "الأردن يعمل من أجل إيجاد تحرك فاعل باتجاه الأزمة السورية"، وسبق للصفدي أن قال إن عمّان تتحدث مع النظام السوري لغياب "أي استراتيجية فاعلة لحل الصراع السوري".


وأوضح الصفدي حينها في لقاء مع شبكة "سي إن إن"، الخميس الماضي، أن تنسيق الأردن مع شركائه وأصدقائه هو محاولة لتوجيه التحرك نحو آلية فاعلة من شأنها أن تضع حدا للأزمة السورية.

 

قانون قيصر

 

وحاز الأردن على استثناء ضمني من واشنطن حيال بنود قانون قيصر، الذي يفرض عقوبات أمريكية على المتعاونين مع نظام الأسد، وتأمل عمّان في أن تحوز على متنفس اقتصادي حيوي وهام، من خلال فتح الحدود البرية مع سوريا، وإنعاش خطوط الترانزيت، وكذا تهيئة الأجواء والبنية التحتية لوصول الكهرباء الأردنية إلى لبنان، وكذا المساهمة الفاعلة في نقل الغاز المصري عبر الأراضي الأردنية فسوريا ثم لبنان.

 

لكن اللافت أن الرغبة الأردنية لا تزال تدور في سقفها ضمن الملفات الاقتصادية دون السياسية مع دمشق، حيث سبق تأكيد الصفدي عدم وجود نية لزيارة سوريا، وعدم لقاء الملك عبدالله الثاني بوزير الدفاع السوري العماد علي أيوب، الذي زار المملكة في أيلول/ سبتمبر الماضي، ضمن زيارة لم يعلن عنها سابقا، وكان راغبا في لقاء مع الملك، واكتفاء الدبلوماسية الأردنية بلقائه مع قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي.

 

ويقدم الصفدي سياسة بلاده حيال سوريا، بالقول إن المملكة "تعمل مع شركائها من أجل التقدم في حل سياسي للأزمة السورية".

وتابع: "الكل يُجمع أن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسيا، وهذا ما نقوم به بالتنسيق والتشاور مع شركائنا وأشقائنا في هذا الموضوع".

وأردف: "يجب أن تنتهي هذه الأزمة، وثمة مرجعية يتفق عليها الجميع للحل السياسي في سوريا، وهو القرار الأممي 2254، وهذا ما نعمل بالتنسيق مع الجميع من أجله".

 

اقرأ أيضا: المعارضة السورية مستاءة من زيارة وزير خارجية الإمارات لدمشق


وشدد على أن "ما نريده هو ما يريده العالم أجمع، وهو إنجاز حل سياسي ينهي هذه المعاناة ويحفظ وحدة سوريا وتماسكها ويعيد لها أمنها واستقرارها ودورها".

واعتبر أن "الأردن من أكثر المتأثرين بالأزمة السورية؛ في ما يتعلق باستضافته لـ 1.3 مليون لاجئ، وبتوقف التجارة، وبتهديد الإرهاب الذي كان موجودا على الحدود وبعضه لا يزال، وكذلك بتهديد تهريب المخدرات".

واستدرك: "نقوم بحماية مصالحنا الوطنية الأردنية وذلك عبر الإسهام في جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كل هذه التهديدات التي تؤثر علينا وعلى غيرنا في المنطقة".

 

وحول إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، أوضح أنه "ليس قرارا أردنيا بل هو قرار عربي".

ووفق مراقبين، فإن عمان تسعى بالوسائل كافة، وعبر منظومة علاقات دولية وارتباطاتها مع واشنطن وموسكو، إلى إنهاء أزمة مع سوريا أثقلت كاهلها سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

 

وفي الرابع من آب/ أغسطس الماضي، فتحت السلطات في كلا البلدين معبر "جابر-نصيب" بينهما، وسمح بعبور ودخول وخروج المواطنين بينهما، بعد إغلاقه مؤخرا أمام حركة البضائع والركاب، نتيجة للتصعيد العسكري الذي وقع حينها بين النظام السوري والمعارضة بدرعا.

 

أسباب تغير الموقف الأردني

وكان مسؤولون أردنيون سابقون وخبراء سياسيون، فسروا لـ"عربي21" سبب التحول في الموقف الأردني تجاه النظام في سوريا بـ"الأمر الواقع وموازين القوى على الأرض السورية، وبحث المملكة عن مصالحها الاقتصادية في ظل أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالبلاد".


ويرى نائب رئيس الوزراء الأسبق، ممدوح العبادي، أن "من مصلحة الأردن الانفتاح على سوريا"، قائلا: "موقفنا السابق أضر الأردن التي حوصرت اقتصاديا بسبب إغلاق الحدود واستيراد البضائع بكلف أعلى، خصوصا مع ارتفاع الشحن البحري مؤخرا"، وأوضح العبادي في حديثه لـ"عربي21"، أن "إغلاق الحدود مع سوريا مقتل اقتصادي للأردن".

وتدهورت العلاقة بين الأردن وسوريا عام 2011، عقب انطلاق الأحداث في سوريا، واتهام دمشق لعمان بتدريب المقاتلين وتسليحهم وتسهيل عبور الجهاديين، لتصل إلى القطيعة في العلاقات الرسمية، وصلت إلى حد طرد السفير السوري في عمان بهجت سليمان في عام 2014.

وخرج الملك عبد الله الثاني، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عام 2017، يدعو ضمنيا إلى تنحي بشار الأسد، قائلا؛ إن "المنطق يقتضي بأن شخصا ارتبط بسفك دماء شعبه، من الأرجح أن يخرج من المشهد".

إلا أن الملك عبدالله الثاني، عاد وقال في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأمريكية تموز/يوليو الماضي؛ إن بشار الأسد ونظامه باقيان في سوريا لأمد طويل، داعيا إلى حوار منسق مع السلطات في دمشق.

بينما كشف رئيس وزراء الأردن بشر الخصاونة عن دور أردني مصري لإعادة دمج النظام السوري في جامعة الدول العربية وإعادة مقعد سوريا، قائلا في مقابلة لصحيفة إندبندنت عربية: "الأردن مهتم مع جمهورية مصر العربية، وبعض الدول الشقيقة، بأن تعود سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية؛ لأن الغياب هنا لم يكن منتجا، ولأن النظام الرسمي العربي يمكنه أن يؤسس لهوامش مبادرة وحوار أفضل مع السوريين، من خلال عودتهم إلى مقعدهم الطبيعي في حضن الجامعة العربية، فكثير من المسائل المهمة عبر الجامعة يمكن أن تُناقَش مع الأشقاء السوريين، ومن بينها، بل أبرزها، عودة اللاجئين والمشردين إلى وطنهم".

وينظر الأردن بقلق إلى الوضع الأمني في درعا بعد اشتباكات مسلحة بين المعارضة السورية والنظام السوري، رغم توقيع الفصائل المعارضة فيها اتفاق تسوية مع النظام برعاية روسية- أردنية عام 2018. كما يسعى الأردن لمد لبنان بالكهرباء من خلال الشبكة السورية، بحيث تدفع الولايات المتحدة فاتورة تلك الكهرباء.


تصفية ملفات
يقول الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، أستاذ العلوم السياسية، خالد الشنيكات، لـ"عربي21"؛ إن "الأردن منذ بداية الأزمة في سوريا كان يدعو لحل سياسي، رغم انخراطه بشكل غير مباشر في الأزمة بسبب بعض الضغوطات".

وأضاف: "اليوم هنالك تغيرات على أرض الواقع بعد أن حسم التدخل الروسي الأمر لصالح النظام السوري، وروسيا هي المفتاح في هذا الملف وتمسك بخيوط اللعبة، وبات الأردن يدرك بالاعتماد على السياسة الواقعية أن مسألة تغيير النظام السوري مسألة تجاوزها الزمن، ولم تعد مطروحة بعد سيطرة النظام على كل سوريا، ما عدا بعض الجيوب الصغيرة".

وأردف: "الأردن تضرر بشكل كبير من الأزمة في سوريا وهذه أسباب تحول الموقف الأردني، الأردن يستضيف ما يقارب 1.3 مليون لاجئ سوري منذ فترة طويلة، وعليه، فمن مصلحة الأردن أن يعودوا إلى ديارهم بعد استقرار الوضع الأمني، ويحتاج إلى الدعم الروسي في هذا الموضوع".

ولا يخفي الشنيكات وجود تخوفات لدى الأردن مما يجري في درعا ومن موجة لجوء جديدة: "الأردن يضغط أن يتم معالجة الأمر بشكل سلمي، وطرح الملك في زيارته الأخيرة لواشنطن الملف السوري، بحيث يكون هناك حل سياسي متعدد الأطراف يشمل روسيا وأمريكا وبعض الدول".

أما بخصوص إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، يقول: "طُرح هذا الموضوع وأعتقد أن دول الخليج لم تعد تمانع هذا الموضوع، لكن برأيي سيطرح هذا الموضوع ضمن صفقة شاملة، وحل موضوع المليشيات المسلحة القريبة من الحدود الأردنية، بحيث توجد فقط قوات النظام السوري".

اقتصاديا، يرى "أن من مصلحة الأردن عودة التجارة مع سوريا عبر المعابر الحدودية، كما لا يمكن أن يمد الأردن لبنان بالكهرباء كما هو مطروح دون موافقة سوريا لمرور الربط عبر سوريا".

هذا وأبدت غرفة تجارة الأردن في تصريحات صحفية عن استعدادها للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وقالت في بيانه؛ إن "المملكة ستكون البوابة الكبرى لإعادة إعمار سوريا، وسيزدهر القطاع اللوجستي والموانئ الأردنية، والعديد من المحلات والمؤسسات الفردية على الطرق سوف تزدهر، وسيكون الأردن المكان الأفضل لشركات الخدمات وخاصة المالية".

المعارضة السورية والانفتاح الأردني

وأثار التطور اللافت في العلاقات بين النظام السوري والأردن، مخاوف المعارضة السورية من توسع التطبيع مع النظام السوري، ودخول أطراف عربية جديدة على هذا الخط.


وتعبيرا عن مخاوف المعارضة، فإن ائتلاف المعارضة السورية، انتقد إعادة بعض الدول علاقاتها مع النظام السوري، معتبرا أن التطبيع مع النظام يعني القبول والشراكة بالجرائم بحق الشعب السوري.

وأضاف في بيان أنه "بعد عشر سنين من الحرب الوحشية المستمرة من نظام الأسد على الشعب السوري، وقتل مليون مدني، واعتقال ربع مليون، وتهجير نصف الشعب، لا يمكن أن يكون هذا الكم الهائل من الفظائع مسوغاً لتدوير نظام الإبادة أو إعادة العلاقات معه"، معتبرا أنه "لا يمكن تسويغ إعادة العلاقات مع نظام الأسد المجرم بأي دوافع اقتصادية، فالنظام جعل سوريا من أفقر الدول عالمياً، وهو غير قادر على تأمين الخبز والوقود، فماذا يمكن أن تأمل منه أي دولة؟ أو ماذا يمكن أن يصدر لها النظام سوى الأزمات والخيبات؟".

ويبدو أن مخاوف المعارضة تتجاوز الأردن. وعن ذلك، يقول الباحث في مركز "جسور للدراسات"، وائل علوان، إن انتقال التنسيق بين الأردن والنظام السوري من المستوى الاقتصادي إلى المستوى السياسي، يأتي ضمن المباحثات بين الأردن وروسيا، التي تضغط لإعادة تعويم النظام عربيا ودوليا.

ويضيف لـ"عربي21"، أن الأردن لا تمثل نفسها، بل كل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي فإن استمرار التطبيع وانضمام أطراف عربية أخرى محكوم بالضمانات الروسية، وفي مقدمتها النفوذ الإيراني في الجنوب السوري.

ويعني ذلك، وفق علوان، أن الجدية الروسية هي التي تحدد توسيع التطبيع مع النظام السوري في ضمان ما تريده دول المنطقة، أي تغيير سلوك النظام، والحد من مخاوفها الناجمة عن تعاظم النفوذ الإيراني.

ويتابع علوان بأن نجاح روسيا في تقديم الضمانات الحقيقية سيفتح الباب واسعا أمام التطبيع العربي مع النظام.

الكاتب والمحلل السياسي، حسن نيفي، قال لـ"عربي21"، إن التوجه الأردني للتطبيع مع الأسد لم يكن وليد اللحظة، وإنما يعود لنهايات العام 2019، عندما فتحت الإمارات قنصليتها في دمشق، وكادت أن تقدم دول عربية عدة، من بينها الأردن، على الخطوة ذاتها، لكن الرفض الأمريكي في حينها من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب منع ذلك.

وأضاف لـ"عربي21"، أنه مع قدوم إدارة جو بايدن وهي تحمل ذات المواقف اللينة مع النظام السوري وإيران، فإن الأردن تشجع وأعاد المحاولة مجدداً.

ورغم إعلان إدارة بايدن تمسكها بالثوابت الأمريكية حيال الملف السوري، فإنها، بحسب نيفي، لا ترفض بشكل حازم إعادة العلاقات مع النظام السوري، ولا تشجع كذلك. بمعنى آخر، أن الإدارة تعتمد سياسة غض النظر عن خطوات التطبيع مع النظام السوري.

وقال نيفي: "غالبا، أن خطوة الأردن ستكون فاتحة لخطوات عربية أخرى، وفي مقدمتها مصر الدولة الأكثر تشجيعا للنظام السوري".

 

التعليقات (2)
أبو العبد الحلبي
السبت، 13-11-2021 02:47 م
الأخ صاحب التعليق "التضحية بالعسكر ..." : ارجو الله أن يوفقك و يحفظك ، فتعليقك صواب و أزيد عليه في الشعر بيتاً : في سنة الله الكونية يوجد موعد محدد لهلاك الظالمين في قوله تعالى (و تلك القرى أهلكناهم لمَا ظلموا و جعلنا لمهلكهم موعدا) . أرجو الله أن ينتقم من كل من آذى شعب سوريا و شعوب العرب و الشعوب الشقيقة .
التضحية بالعسكر في لعبة شطرنج الشرق الاوسط
السبت، 13-11-2021 10:29 ص
هل اصدرت امريكا الاوامر لوكيلها في الاردن بالمسارعة في انقاذ نظام المجرم ابن انيسة من السقوط كما فعلت من قبل بالضغط على وكلائها الخليجيين بدعم وتمويل التدخل الروسي لانقاذه عندما حاصر الثوار السوريين دمشق و اوشكوا على اقتحام قصره والقبض عليه وعلى اعوانه واركان نظامه بعد ان هزموا جيشه وميليشيات ايران التي هرعت لدعمه وانقاذه وعلى رأسهم ميليشيات عميلهم حسن نصر الله. هل ستدفع اميركا بوكلاء لها آخرين من انظمة الطراطير العربية ان لم يكف تدخل وكيلها الاردني خشية من تبعات سقوط ابن انيسة على امن الكيان الصهيوني.