قضايا وآراء

تغيير المجتمع وإرهاب قوى اللا دولة!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
لا يمكن تصوّر قيام دولة ما دون وجود شعب (مجتمع) تَحكمه قوانين ضابطة عبر حكومة فاعلة؛ لأنّ الشعب ركن من أركان الدولة الثلاثة!

ومن هنا، ولأهمّيّة المجتمع في سياسة التغيير، ناقشت مع أصدقائي العراقيّين وغيرهم في منصّة تويتر قضيّة: "كيفيّة تغيير المجتمع العراقيّ نحو الأفضل". وقد كانت الأجوبة ذات أبعاد قانونيّة ودينيّة وسياسيّة ومجتمعيّة (عرفيّة) وشعبيّة.

يظنّ بعض المواطنين أنّ التغيير يكون عبر بوّابة القانون الحازم، والغرامات العالية، والسجن لعدّة شهور لأبسط المخالفات، والمساواة أمام القوانين الصارمة والعادلة بين الجميع دون تمييز عرقيّ أو دينيّ، أو مذهبيّ!

ويعتقد آخرون أنّ النجاة تكون بتحجيم فصائل الحشد الشعبيّ والجماعات الولائيّة، وما عداه يبقى مجرّد تفاصيل تزول تباعا.

وهنالك مَنْ يرى العلاج بالرجوع للتربية الدينيّة الصحيحة!

وذهب فريق آخر إلى أنّ التغيير يتطلّب تعاون جميع المواطنين، ولكنّ المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدولة وإعلامها!
كافّة هذه المقترحات ناجعة لبلوغ مرحلة بناء الدولة والمجتمع معاً، ولكن هنالك أدوات ضروريّة لهذا التغيير وفي مقدّمتها الحكومة القويّة بأذرعها العسكريّة الصافية والقانونيّة المنصفة، ولكنّ غياب "الحكومة الشديدة" يُعتبر واحدا من أكبر العلل التي يُعاني منها العراق الآن

ويؤمن آخرون بأنّ التغيير يبدأ بنشر الوعي والتثقيف بقواعد التعايش المتحضّر، واستلهام التجارب المعاصرة، وإعادة روح المواطنة لدى الفرد، وتجديد إيمانه بوطنه ودولته، وهذه تأتي من خلال إعطاء حقوق الشعب، والبرامج التثقيفيّة الرسميّة الهادفة.

وهنالك مَنْ يَتخيّل أنّ الحلول الشعبيّة هي طوق النجاة، وذلك بأن يَطمئن كافّة العراقيّين بأنّ الوطن للجميع، ويحبّوا بعضهم، ويتخلّصوا من الأنا: الذاتيّة والقبليّة والمناطقيّة، ويصبح الجميع سواسية، وعندها يكونون قد وضعوا أقدامهم في أوّل سُلَّم التغيير!

وكافّة هذه المقترحات ناجعة لبلوغ مرحلة بناء الدولة والمجتمع معاً، ولكن هنالك أدوات ضروريّة لهذا التغيير وفي مقدّمتها الحكومة القويّة بأذرعها العسكريّة الصافية والقانونيّة المنصفة، ولكنّ غياب "الحكومة الشديدة" يُعتبر واحدا من أكبر العلل التي يُعاني منها العراق الآن، وبالذات مع تنمّر القوى الراكبة على ظهر الدولة!
الدول لا تبنى بالأوهام وضياع هيبة القوّات الأمنيّة، ومنذ عدّة أشهر تتواصل الضربات الصاروخيّة وبالطائرات المسيّرة، وبصورة شبه يوميّة، على أهداف مدنيّة وعسكريّة، عراقيّة وأجنبيّة، وبتهديدات علنيّة وبأسماء صريحة


إنّ الدول لا تبنى بالأوهام وضياع هيبة القوّات الأمنيّة، ومنذ عدّة أشهر تتواصل الضربات الصاروخيّة وبالطائرات المسيّرة، وبصورة شبه يوميّة، على أهداف مدنيّة وعسكريّة، عراقيّة وأجنبيّة، وبتهديدات علنيّة وبأسماء صريحة. ومِن بين هذه الضربات الهجوم الصاروخيّ على مطار بغداد الدوليّ صباح الجمعة الماضية، وقد ذكرت خليّة الإعلام الأمنيّ أنّ "عصابات اللا دولة الإرهابيّة" استهدفت المطار بخمسة صواريخ كاتيوشا وألحقت أضراراً بطائرتين عراقيّتين.

وقد وصف رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، الهجوم بأنّه "عمل إرهابيّ جبان، ويُعبّر عن محاولات محمومة لكسر هيبة الدولة والقانون أمام قوى اللا دولة"!

ونفّذت "ألوية الوعد الحقّ" العراقيّة فجر الأربعاء الماضي هجوما بأربع طائرات مسيّرة على العاصمة الإماراتيّة (أبو ظبي)، حسب بيانها!

وأمام هذه الرّبكة الأمنيّة، هل تكون التوصيفات الحكوميّة الرسميّة، الأمنيّة والإعلاميّة، قادرة أو كافية لوحدها لبسط الأمن؟


ثمّ ما هو الفرق بين ما تتناقله وسائل الإعلام وبيانات القوى السياسيّة والحكوميّة من ناحية الاكتفاء بتوصيف الحوادث واستنكارها؟

إنّ الحكومة الفاعلة هي التي تتحرّك وتطبّق القانون على الأرض، ولا تكتفي بتوصيف الحوادث وكأنّها وكالة أنباء محلّيّة يقتصر دورها على نقل الأخبار وتوجيه الاتّهامات العامّة دون السعي لتطبيق القانون على قوى اللا دولة من الإرهابيّين الذين تعرفهم جيدا، وتعلم أماكن تواجدهم وأذرعهم العسكريّة والإعلاميّة!

هل يمكن تغيير واقع العراق مع بقاء سياسة التهاون في تطبيق القانون، والتي قادت لتفشّي الفوضى المسلّحة والإداريّة في عموم أركان الدولة المليئة بالرعب والهلع؟

وقد أثبتت التجارب القاسية السابقة أنّ الفوضى القائمة هي سياسات مدروسة أدّت إلى إحداث هذا الخلل الواضح في منظومات الدولة ومؤسّساتها وحياة الوطن والمواطن، وأنّ سياسة التراخي تجاه القوى المنفلتة، التي صبغت حياة العراقيّين بألوان الدم والسواد والرعب والخوف، لا يمكنها أن تكون سبيلا لبناء الوطن!

مَنْ يُريد أن يبني العراق عليه أن يمزُج بين الديمقراطيّة وحقوق الإنسان وإصلاح المجتمع، والسعي لإعادة إعمار الإنسان، ويعمل على مواجهة التحدّيات وترسيخ النزعة الوطنيّة، وترميم مؤسّسات الدولة التي توفّر الأمن والتنمية، والتأكيد على عقد اجتماعيّ جامع وشفّاف لا مكان فيه لأيّ هفوات طائفيّة ومذهبيّة ومزاجيّة خلال مراحل التطبيق، ودوام العمل الجادّ والمُثمِر بعيدا عن الوعود الزائفة ومحاولات نشر الإحباط المجتمعيّ، وذلك لا يكون إلا بحكومة ذات سلطات مطلقة تعمل على تنقية المرحلة الضبابيّة القائمة، وتسعى لإقصاء شبح احتماليّة حدوث كوارث إنسانيّة وسياسيّة وأمنيّة جسيمة!

فهل يمكن تغيير واقع العراق مع بقاء سياسة التهاون في تطبيق القانون، والتي قادت لتفشّي الفوضى المسلّحة والإداريّة في عموم أركان الدولة المليئة بالرعب والهلع؟

twitter.com/dr_jasemj67
التعليقات (2)
كاظم صابر
السبت، 05-02-2022 08:23 ص
في كتابه (حاضر العالم الإسلامي) ، يقول المستشرق " لوثروب ستودارد" عبارات إيجابية عن أمتنا سوف تخدم تعليقي على مقالكم الجيَد يا أستاذ جاسم حفظك الله . الاقتباس : "العرب لم يكونوا قطُّ أمةً تُحِبُّ إراقةَ الدماء، وترغب في الاستلاب والتدمير، بل كانوا - على الضد من ذلك - أمة موهوبةً لديها جليل الأخلاق والسجايا، توَّاقة إلى ارتشافِ العلوم، محسنة في اعتبار نِعمِ التهذيب ... .. وقد سارت الممالك الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى من تاريخها (650 - 1000م) أحسنَ سيرٍ، فكانت أكثر أصقاعِ العالم حضارةً ورقيًّا وتقدُّمًا وعمرانًا...طول هذه القرون الثلاثة ، ما انفكَّ الشرق الإسلامي يضيء على الغرب النصراني نورًا ". التعليق: لم يتحدث المؤلف عن أعراب الجاهلية و إنما عن العرب بعد اعتناقهم دين الإسلام الذي نقلهم إلى ناشرين للمحبة و للإخاء و للعدل و للرحمة و لمكارم الأخلاق و إلى ساعين نحو التنوير بالعلوم و بالثقافة و بالسلوك الحضاري الرفيع . في عهد الخلافة الراشدة ، كان الناس ينعمون بالأمن و الرخاء و نيل الحقوق إلى درجة أن القضاة كانوا معظم الوقت عاطلين على العمل فلقد انعدمت المشاكل و القضايا بالنظر لأن كل مواطن كان يعرف ما له و ما عليه و أين تبدأ حريته و أين تنتهي و ما هي حدوده و ما هي حدود الآخرين . سارت فتوحات النور غرباً و شرقاً و شمالاً و جنوباً ، فتفاعلت معها شعوب كل الجهات بشكل إيجابي باستثناء جهة الشرق التي حذَر الرسول صلى الله عليه وسلم منها قائلاً " رأس الكفر نحو المشرق" مع الإشارة منه وهو مستقبل جهة المشرق– أي شرق المدينة المنورة – وقوله " الفتنة ها هنا ... مع التكرار" . بينما استسلم الروم لقول هرقل "سيرثون ما تحت قدمي " ما يزيد عن 4 قرون إلا أن أتباع كسرى كانوا سريعين في إشعال الفتن بعد أن أثار حقدهم أن العرب – موضع احتقارهم و ازدرائهم – قد هدموا إمبراطوريتهم و ما هزموها فقط كما فعل الروم من قبل في حروب كانت سجالاً بين الطرفين. من جهة المشرق نشأت فتن الخوارج ، التشيع ، القرامطة ، القاديانية ، البهائية ، البابية ، الأحمدية ،النصيرية ، الإسماعيلية ... الخ. ناهيك عن إراقة دماء زكية بمعارك داخلية مفتعلة بين من كانوا أشقاء في الأمس . بمجرد الغدر بالحسين – عليه السلام - ، رددت أدوات الدولة العميقة للإمبراطورية المنهارة الشعار الهدام " يا لثارات الحسين" و بقي هذا الشعار مرفوعاً بحماقة ليومنا هذا من أجل تمزيق الأمة و إشغالها بنفسها عن مواجهة الأعداء المتربصين . لن ينعم العراق بأمن و لن يستفيد من ثروات و لن يتقدم ما دامت أصابع الخبثاء الشرقيين تتدخل في شؤونه و تدعم عصابات ضربت و تضرب التعايش و السلم المجتمعي . بلاد العراق الحبيبة لن تكون حرَة حتى يخرج الأغراب منها برَه ! حين يخرجون ، سيكون العراق العربي الأصيل مصدر إشعاع لكل العرب بعون الله .
أبو مالك
السبت، 05-02-2022 07:41 ص
التغيير هو: نقل نظام الأمة بأوضاعه المعينة ونسق علاقات الناس فيه إلى الجديد في كل شيء؛ في الأسس التي ينبثق عنها النظام والأصول التي يقوم على قواعدها والفروع التي ترتب التفاصيل لحياة الأفراد والجماعات؛ ودون ذلك هو: عملية إصلاح جزئي أو ترقيع لفساد وخراب. والدولة في كل الأحوال تعبير عن حقيقة عزة الأمة أو ذلها؛ عن قوتها أو ضعفها؛ فالدولة كيان تنفيذي يحمل مسؤوليته مجموعة الأفراد الذين يقومون بأعمال السلطة التنفيذية؛ وهم: الحاكم الرئيس والقضاة؛ وهم يؤدون وظائفهم ويمارسون واجباتهم من خلال أجهزة الدولة التنفيذية؛ الوزارت والدواوين والمديريات والدوائر؛ وعلى حسب القوانين والدستور المعتبر. والأصل في إرادةِ الدولة الأمةُ؛ لأن الأمةَ هي: صاحبةُ الحق على وفق ما تريد؛ والدولة مظهر لهذه الإرادة؛ ومجلس الأمة (الشورى) جهاز من أجهزة الحكم؛ وليس ذلِكَ إلا على حسب أصوله التشريع ية؛ فهو ليس حاكماً إلا على حسب أصول الواقع الحقوقي للسلطة والذي تفرضه قيم الأمة وعقيدتها الفكرية السياسية. والأمة العظيمة هي التي تعتقد بالفكرة العظيمة وتحملها رسالة إلى العالم؛ كما كان أجدادنا يحملون مبدأ الإسلام رسالة إلى العالم يهدون به ويعدلون. كنتم خير أمة أخرجت للناس.