قضايا وآراء

تناقضات قيس سعيد وحل مجلس القضاء الأعلى

الشاذلي بن عمر
1300x600
1300x600
تقول إليزابيث الأولى (1533-1603): "أدعو الله أن لا أعيش ساعة واحدة إذا فكرت في استخدام الخداع"، فالحاكم المخادع لا يستحق الحياة حسب رأيها، وهو رأي وجيه يُجمع عليه كل من يعي معنى ألا يكون الحاكم واضحا صادقا أمينا على وطنه وأمته. لكن حين يأتي هذا الكلام من ملكة وصاحبة سلطة فهو مما يعزز مصداقية الرأي ووجاهته، فقد أدارت إليزابث الأولى الدولة من خلال مستشارين موثوقين، وكانت فترة حكمها من أفضل الفترات في ذلك الوقت، وقد شهد لها التاريخ بذلك.

إن السمة الغالبة على سلوك قيس سعيد الكذب والخداع وممارسة شهوة الانتقام من خصومه السياسيين، لا أكثر ولا أقل، ولو سألته اليوم عن مبررات اعتقال نور الدين البحيري، لما وجدت لديه إجابة بعد أن ثبت بطلان الاتهامات التي اتهم بها. أما حديثه عن الانتقام ممن جوّع الشعب فكلام فارغ، ثبت كذبه ونفاقه، فهو الذي جوع الشعب وأذاقه ما كان أحلاهما مراً.

ثمة فرق كبير بين من يحتال على شعبه طوال الوقت، ويناقض نفسه، فيقول في الشمس: تلك هي الشمس، فإذا مرت غيمة رهيفة قال: لا شمس في السماء.. تلك هي طريقة قيس سعيد في التعاطي مع الأزمة التونسية، انتهازية سياسية وأراجيف لا تجد لها موطئ قدم على أرض الواقع، واتهامات هوجاء خارج نطاق القانون والعقل والمنطق، فحتى اللحظة لم يستطع أن يقدم أحدا للمحاكم المدنية بتهمة واضحة وصحيحة، فهو يخبط خبط عشواء، كمن يتخطبه الشيطان من المس.

يتحدث عن فلول الاستعمار، وهو من قبّل كتفي ماكرون واستنجد به، ولم يجرؤ على الحديث عن افتكاك مصالح الوطن من فرنسا التي أكلت الأخضر التونسي ويابسه مند عقود، وما صمته على اللصوص الحقيقيين الذين سرقوا البلد إلا إرضاء لفرنسا التي ترتبط مصالحها بمصالحهم، فهم في حماية السفارة الفرنسية القابعة في وسط العاصمة على كتف شارع بورقيبة رمزا شاهدا على استمرار الاستعمار وتغلغله وتجذره في أعز بقعة من أرض الوطن.

ويقدم قيس سعيد للمحاكم عددا ممن خاضوا الانتخابات السابقة برلمانيا ورئاسيا بدعوى أنهم أنفقوا على الانتخابات أكثر مما هو مسموح، وبأن بعضهم لم يطبق حالة الصمت الانتخابي قبيل الانتخابات، وكأن مأساة البلد تتلخص في هذه الإشكالية التي لا تخدم أفواه الشعب الفاغرة ولا قوته. والغريب في الأمر أنه هو ذاته متهم بذات الاتهامات، لكنه أعفى نفسه من المسؤولية بتصريحات لا ترقى مطلقا إلى مستوى الدفاع عن النفس أمام محكمة عادلة، وهو الذي يدعي العلم بالقوانين والدساتير، ويقيم من نفسه عالما بالقانون الدستوري، وهو لا يعترف لا بالدستور ولا بالقوانين، فهو الممثل الشرعي والوحيد للقانون والدستور.. 

أي تناقض بين ما يقول وما يفعل؟

يتحدث قيس سعيد عن سيادة الدولة وهو الذي استدعى ضباطا مصريين مفوضين من السيسي ليعملوا في الحرس الرئاسي، وليكونوا مستشارين أمنيين له، وقد ثبت ذلك بالأدلة القاطعة.. لقد سمح لمصر والسعودية والإمارات بلعب أدوار مشوشة في الانقلاب، ولأنه لم ينفذ التعليمات حرفيا، كما أملوها عليه، فقد تركوه وجوع الشعب وفاقته في زاوية مظلمة يصعب الخروج منها، وقد كانت مخالفته التعليمات الخليجية مرتبطة بخوفه من الشعب والإعلام، وقلقه من مراكز القرار الدولية، وإلا لكان فعل في تونس ما فعله السيسي حرفيا دون أدنى تردد.

وفي أثناء كتابتي لهذا المقال جاء خطاب قيس سعيد المرتبك الذي تأتأ فيه عديد المرات ليعلن حل المجلس الأعلى للقضاء، في خطوة تؤشر على مضيه قدما - بخطى غير ثابتة - للقضاء على ما تبقى من مؤسسات دستورية، غير عابئ بالمآلات التي سينجم عنها هذا القرار المتهور والمتخبط.

لقد استغل سعيد ذكرى مقتل شكري بلعيد لتتزامن مع حل مجلس القضاء الأعلى بزعم أن القضاء يخفي ملفات القضية ويتستر على القتلة، وسوف تبوء محاولته الرعناء في هذا للإطار بالخسران، وسيعلم الشعب أنه يتاجر بدماء الشهداء لا أكثر ولا أقل.

واللافت في خطابه المرتجف أنه يحرض الناس على التظاهر في ذكرى استشهاد بلعيد، بينما يمنع خصومه من التظاهر بحجة الأوضاع الصحية، حتى إنه لم يطلب منهم ارتداء الكمامة والتباعد الوقائي، وهو ما يبين كذبه وألاعيبه المكشوفة في منع التظاهر ضد إجراءاته بذريعة الحذر من انتشار كوفيد-19 في البلاد..

إنه يريد أن يلعب على عواطف التونسيين المتعاطفين مع شكري بالعيد ليمرر من خلالهم إجراءه الاعتباطي القاضي بحل المجلس الأعلى للقضـاء الذي تستر على قتلة الأخير - على حد زعمه - وهو إجراء خبيث وكيدي يؤكد سوء نواياه، ويكشف عن التناقض والخلل في إجراءاته الأحادية التي تقع ضمن دائرة الانقلاب الأسود التي أغلقها بحل المجلس الأعلى للقضاء، وهو الإجراء الذي كان ينتظره المتابعون للشأن التونسي العارفون بعقلية هذا الرجل الشاطحة بعيدا عن الحكمة والعقلانية.

الآن بدأت معركة كسر العظم، وكل ما نتمناه أن يجنبنا الله الأسوأ، فلم يُبق لنا قيس سعيد من مكتسبات الوطن إلا ذكريات ثورة الياسمين التي تطل برأسها لتقول لنا: تونس أمانة في أعناقكم.. لا تتركوها في يد دكتاتور أهوج!!
التعليقات (4)
الناجي الناجي
الإثنين، 07-02-2022 02:11 م
قيس سعيد يلعب بدمه ودم التوانسة ويضرب على وتر القضاء على الطن بلحن غبي وإيقاع نشاز، وقد جاء الوقت لنقف في وجهه بقوة وصرامة. ثورة جديدة يجب أن تطيح به......
هداية بناني
الأحد، 06-02-2022 05:12 م
لا يزال قيس سعيد يقزم فينا ويستقوي علينا ويكبد الوطن الهزيمة إثر الهزيمة والضعف بعد الضعف والفقر وراء الفقر. ويضع نفسه في موضع الإله وهو لا يساوي شيئا في سوق الرجولة. سينتهي قريبا ونحن واثقون من ذلك أنه يأخذ تونس نحو المقصلة، ونحن لسنا خرفانا ولا خرقى لنسمح له بتنفيذ أجندته البلهاء.
عايشة
الأحد، 06-02-2022 05:04 م
والله ما يجري لبلدنا لا يطاق ويجعل الحليم حيرانا.... ربنا ياخذك يا سعيد والله لا تربحك
الورفلي
الأحد، 06-02-2022 03:56 م
لقد عاث قيس سعيد فسادا في أركان الدولة في وقت قصير .متى يدرك الشعب التونسي أنه ليس سوى نسخة ممعنة في التشوه عن بن علي و يزيحه قبل أن يقضي على ما تبقى لنا من أمل في هذا الوطن