كتاب عربي 21

بوتين بين سون تزو وأبي بكر الصديق

أحمد عمر
1300x600
1300x600
إن أقدم كتاب عسكري هو كتاب فن الحرب للقائد الصيني سون تزو، ولا يزال دليلا في الحروب ومشيراً، وقيل إنّ الأمريكان زوّدوا كل جندي بنسخة منه ونسخة من الإنجيل في غزوة العراق. لكن غزو العراق كان كارثة مالية على أمريكا، ولم تكن بحاجة للغزو، فقد وقّع صدام على وثيقة استسلام بكل ما تريد أمريكا، ونثر فوق وثيقة الاستسلام طبقة من السكر على ما تقول سوزان ليندوا في أكثر من شهادة مسجلة على الفضائيات، وأن أمريكا كررت غلطتها التي حذر منها سون تزو في أفغانستان، مع أن أفغانستان دولة فقيرة، وكانت تعاني من حرب أهلية ومن حرب ضد روسيا، وخرجت أمريكا منها تجرجر أذيالها. الأغلب أن بوتين بغرور القوة سقط فيما حذّر منه من سون تزو في الوصية السادسة، وهي التي عبّر عنها معاوية بقوله: لا أضع سيفي في موضع ينفع فيه سوطي.

ويحذّر سون تزو في أكثر من وصية من الحرب الطويلة، ومن استنزافها ثروات الشعب، ومن ارتفاع الأسعار، ولم يذكر تزو الحصار الاقتصادي والإعلامي، فلم يكن وقتها ممكناً. وله وصية في الغنائم، لكن ليست بغنائم تعفيش جيش أبي شحاطة السوري، الذي برع في سرقة البرادات وسرقة الغسالات من أجل الصورة التذكارية وإسعاد الزوجة. وكانت الغنائم متاع المواطنين السوريين، ولم تكن حربا شعبا ضد شعب ودولة ضد دولة.
يحذّر سون تزو في أكثر من وصية من الحرب الطويلة، ومن استنزافها ثروات الشعب، ومن ارتفاع الأسعار، ولم يذكر تزو الحصار الاقتصادي والإعلامي، فلم يكن وقتها ممكناً

يقول سون تزو في الوصية التاسعة: اجلب العتاد الحربي من خطوطك الخلفية، أما الطعام، فمن أرض العدو، وهو ما ظهر في نصائح القادة الروس لجندهم الجائعين الذين يصعب إطعامهم أو الوصول إليهم، وظهر في صور الكاميرات التي سجلت سرقات الروس لمخازن الأوكران. وقد سخر حرافيش فيسبوك من "بوّاقي" الدجاج من قسد ومن الجيش الحر، ويظهر أنهم كانوا جائعين ويتبعون وصية سون تزو.

وفي الوصية السادسة عشر يقول: لقتال العدو لا بد من إثارة غضب الجند، ويقصد العقيدة، ويحثُّ على مكافأتهم بالغنائم. ويبدو أن الروس مقصرون في شأنها، أو هو ما يُظهره الإعلام لنا، فما يصلنا من أخبار الجنود الروس قليل، فالإعلام أمريكي، وليس للروس فيسبوك روسي أو يوتيوب روسي، أو هو ما يظهر من هيئة الأسرى الروس الذليلة.

وأكثر الجيوش التي عرفنا غضبا هي الكتائب الشيعية الغازية في سوريا، التي جاءت للانتقام لمقتل الحسين وتحرير زينب من السبي، وكلاهما مرحومان منذ قرون، ومكرّمان عند السنة. وتبدّى أيضا في الحروب الصليبية عندما تدفق الفرنجة إلى بلاد المسلمين لإنقاذ قبر المسيح من دنس المسلمين.

وفي الوصية الأولى من الفصل الثاني يقول: إنّ فن الحرب يتجلى في اغتنام المدينة من غير حرب. وهو ما يعبر عنه في التاريخ الإسلامي بالفتح وفي الأدبيات المعاصر بالاستسلام فنذكر؛ فتح مكة، وفتح البحرين، وفتح سمرقند، وغيرها كثير، فالانتصار المثالي هو قهر العدو من غير خيل ولا ركاب. الهجوم بالخدعة كانت طريقة المغول، يهجمون ثم يوهمون عدوهم بتولي الأدبار، ثم يكرّون وينتصرون.
وأكثر الجيوش التي عرفنا غضبا هي الكتائب الشيعية الغازية في سوريا، التي جاءت للانتقام لمقتل الحسين وتحرير زينب من السبي، وكلاهما مرحومان منذ قرون، ومكرّمان عند السنة. وتبدّى أيضا في الحروب الصليبية عندما تدفق الفرنجة إلى بلاد المسلمين لإنقاذ قبر المسيح من دنس المسلمين

وفي الوصية 17 يعدد أسباب النصر، ويذكر صفات القائد وخصائصه، بأن القائد الظافر يعرف متى يقاتل ومتى يكفّ، وهو الذي يحسن التعامل مع القوة، قليلها وكثيرها، وأن القائد المنتصر هو من تعمّ جيشه روح معنوية واحدة، وأن القائد المنتصر هو من أحسن الإعداد والمباغتة، وكل القادة المسلمون كانوا كذلك. ويقول: إن القائد الظافر من تكون لديه سلطة مطلقة وصلاحيات كاملة، وكانت لخالد في عهد أبي بكر، بينما كان الخليفة عمر بن الخطاب يراجعه في كل صغيرة وكبيرة إلى أن عزله، وقد عزله خشية أن يفتتن به الجند. وخير القادة من عرف نفسه وعرف العدو، ويبدو أن بوتين يجهل جيشه، وفوجئ بتكالب الغرب عليه. أما أول شروط الحرب الظافرة التي يذكرها سون تزو:

الأول: القانون الأخلاقي، ويفسره بالانسجام بين الحاكم والمحكوم، الثاني: السماء: الطبيعة والمناخ، الثالث: "الأرض الجبل والسهل والوعر، والرابع: القائد المعروف بالحزم والشجاعة والحكمة، والخامس: النظام العام.
مأساة بوتين هي أنه في موقع الهجوم حربياً، لكنه في موقع الدفاع إعلامياً واقتصادياً وسياسياً

دوّن سون تزو في كتابه بعض الوصايا بلغة الشعر، فليس أكثر من خمس علامات موسيقية (هي سبع)، لكن يمكن تأليف ألحان موسيقية لا نهاية لها منها، وكذلك الألوان خمسة (هي سبعة)، ويمكن صناعة لوحات لا حصر لها، والطعوم خمسة (وهي أربعة، فالطعم الحاد ألم)، وإن مزجها وخلطها يُخرج نكهات مختلفة بلا نهاية.

إن مأساة بوتين هي أنه في موقع الهجوم حربياً، لكنه في موقع الدفاع إعلامياً واقتصادياً وسياسياً.

يقول سون تزو: إن التكتيكات العسكرية تشبه الماء الذي ينساب من عال إلى خفض. ويستلهم طريقة أخرى من جريان الماء في الخطة الحربية: الطريقة المثلى هي ضرب الضعيف وتجنب نقاط القوة، مثل الماء الذي يختار السهل المناسب، وكانت تلك طريقة عنترة بن شداد.

الكليات العسكرية تدرس سون تزو ونابليون بونابرت وشوارزكوف ومونتغمري ورومل، لكنها تتجاهل القائد العسكري الذي لم يهزم قط وهو خالد بن الوليد. ونجد في وصايا أبو بكر رضى الله عنه العسكرية دروسا وعبرا، نقطف من وصيته ليزيد بن أبي سفيان هذه السطور في خصائص القائد:
الكليات العسكرية تدرس سون تزو ونابليون بونابرت وشوارزكوف ومونتغمري ورومل، لكنها تتجاهل القائد العسكري الذي لم يهزم قط وهو خالد بن الوليد

".. وَإِذَا قَدِمَ عَليْكَ رُسُلُ عَدُوِّكَ فَأَكْرِمْهُمْ، وَأَقْلِلْ لُبْثَهُمْ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْ عَسْكَرِكَ وَهُمْ جَاهِلُونَ بِهِ، وَلا تُرِيَنَّهُمْ فَيَرَوْا خَللكَ وَيَعْلمُوا عِلْمَكَ، وَأَنْزِلْهُمْ فِي ثَرْوَةِ عَسْكَرِكَ، وَامْنَعْ مَنْ قِبَلكَ مِنْ مُحَادَثَتِهِمْ، وَكُنْ أَنْتَ الْمُتَوَلِّي لِكَلامِهِمْ، وَلا تَجْعَلْ سِرَّكَ لِعَلانِيَتِكَ فَيَخْلِطُ أَمْرُكُ، وَإِذَا اسْتَشَرْتَ فَاصْدُقِ الْحَدِيثَ تُصْدَقِ الْمَشُورَةَ، وَلا تُخْزِنْ عَنِ الْمُشِيرِ خَبَرَكَ فَتُؤْتَى مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ، وَاسْمِرْ بِالليْلِ فِي أَصْحَابِكَ تَأْتِكَ الأَخْبَارُ وَتَنْكَشِفْ عِنْدَكَ الأَسْتَارُ، وَأَكْثِرْ حَرَسَكَ وَبَدِّدْهُمْ فِي عَسْكَرِكَ، وَأَكْثِرْ مُفَاجَأَتَهُمْ فِي مَحَارِسِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُمْ بِكَ، فَمَنْ وَجَدْتَهُ غَفَل عَنْ مَحْرَسِهِ فَأَحْسِنْ أَدَبَهُ وَعَاقِبْهُ فِي غَيْرِ إِفْرَاطٍ، وَأَعْقِبْ بَيْنَهُمْ بِالليْلِ، وَاجْعَلِ النَّوْبَةَ الأُولى أَطْوَل مِنَ الْأَخِيرَةِ؛ فَإِنَّهَا أَيْسَرُهُمَا لِقُرْبِهَا مِنَ النَّهَارِ، وَلا تَخَفْ مِنْ عُقُوبَةِ الْمُسْتَحِقِّ، وَلا تَلِجَّنَّ فِيهَا، وَلا تُسْرِعْ إِليْهَا، وَلا تَخْذُلْهَا مَدْفَعاً، وَلا تَغْفُلْ عَنْ أَهْلِ عَسْكَرِكَ فَتُفْسِدَهُ، وَلا تَجَسَّسْ عَليْهِمْ فَتَفْضَحَهُمْ، وَلا تَكْشِفِ النَّاسَ عَنْ أَسْرَارِهِمْ، وَاكْتَفِ بِعَلانِيَتِهِمْ، وَلا تُجَالِسِ الْعَبَّاثِينَ، وَجَالِسْ أَهْل الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، وَاصْدُقِ اللِّقَاءَ، وَلا تَجْبُنْ فَيَجْبُنَ النَّاسُ، وَاجْتَنِبِ الْغُلُول (الخيانة في الغنائم) فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ الْفَقْرَ وَيَدْفَعُ النَّصْرَ، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَاماً حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوَامِعِ فَدَعْهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لهُ".

في مقدمة الكتاب، يأمر يسأل الملك الصيني "هوو لوو" سون تزو عن اختبار كتابه، فيقترح سون تزو اختبار الكتاب في جواري الملك البالغ عددهن 300 محظية، فقسمهن إلى مجموعتين وولى عليهن حسناوين، وأمرهن باتباع الأوامر التي يصدرها بدقات الطبول، لكن القائدتين انفجرتا بالضحك ظنا منهما أنه لهو، فأمر بقتلهما، فاستوى له الأمر، وجرى على ما يهوى، وصدق الكتاب، وعين الملك سون تزو قائدا للجيش!

لقد قتل نفسين بريئتين بغير نفس، وهو ما يعادل قتل ما في الأرض جميعا مرتين في عقيدة أبي بكر الصديق، إي إلقاء قنبلتين نوويتين! كان هذا قبل 15 قرنا، أما الآن فهم يختبرون حروبهم على الشعوب والدول!

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (0)