قضايا وآراء

الهوية الإسلامية الربانية للعالم (3)

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600

هذا ديننا وهذه هويتنا القادرة على إحياء نظام دولي جديد لإنقاذ العالم، وهذه رؤيتنا الإسلامية لما يجب أن تكون عليه هوية العالم.

أهداف المقال:

1- توجيه ميول النخب الثقافية والباحثين من كل الثقافات إلى النظرة الإصلاحية لهوية العالم.

2- تعزيز الوعي بالهوية الإسلامية، الماهية والخصائص والمميزات والأهمية والمعايير والمؤشرات.

3- تمكين الرؤية الإسلامية الإصلاحية لهوية العالم.

أجيب فيها على ثلاثة أسئلة متكاملة: ما هي خصائص، ومعايير، ومؤشرات الهوية الإسلامية للعالم؟ ليعرف الجميع في قارات العالم الست، وتستيقن النساء والرجال، ويطمئن الصغير والكبير لمستقبله في ظل الهوية الإسلامية العالمية الرحمة للعالمين، وأن الخير في منهج الله والخيرية والقيادة فيمن أحسن فهمه والعمل به من أي الأجناس والقوميات.

الخصائص المميزة للهوية الإسلامية الربانية للعالم

هوية العالم هي الثقافة العالمية الشاملة (ثقافيا وتربويا وفنيا وإعلاميا وماليا وتجاريا وسياسيا وعسكريا.. الخ) السائدة والمتحكمة في صناعة قرارات العالم عبر نظامه الدولي تحت سيطرة القوى الكبرى عليه، وتداعيات ذلك على سلوك ونمط حياة شعوب العالم في كل دول ومدينة وقرية في هذا العالم، والتي تعكس آثارها على مستوى حياة البشر وتمتعهم بالسلم والأمن والاستقرار والرفاهية من عدمه.

الخصائص المميزة للهوية الإسلامية الربانية:

1- هوية ربانية المصدر:

- "ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدى لِّلْمُتَّقِينَ" (البقرة: 2).

- "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (الحشر: 7).

- "هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" (الحج: 78).

2- هوية مواكبة لقطرة الإنسان، وطبيعة الكون والحياة: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (الروم: 30). منظومة من الخصائص البشرية المتنوعة تمثل فطرة إنسانية دائمة لا تتبدل ولا تتغير أبدا (ضعيف، كنود، متمرد، سريع النسبان، فجور جذوع، يؤوس قنوط، خصيم، ظلوم جهول، ممسك بخيل، خصيم مبين، فرح فخور، كثير الجدل)، لا يستطيع ويقدر على تربيته ولا المحافظة عليه وإحيائه وتنميته وتقويته وتحسين جودته وقيمته وقدراته وقوته والرقي به إلا الإسلام القيم على كل ما سواه من المناهج.

2- هوية قديمة التأسيس: مع بداية خلق الإنسان سيدنا آدم أبو البشر، "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (آل عمران)، حيث اصطفى الله تعالى نبيا ليكون أول سلالة البشر في الأرض ليكون خليفته في الأرض، وعلّمه الأسماء كلها دلالة على مفاتيح العلوم، ومنحه درجة تكريم بالغة السمو، حيث أمر الملائكة بالسجود له ومنحه العقل وحرية الإيمان، وخلق معه الشيطان لتبدأ رحلة الحياة الإنسانية والعداوة الدائمة بينهم. وأعقب من بعده بالأنبياء والمرسلين لهداية وضبط هوية وحياة الناس، وختم الرسالات السماوية بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وتعهد بحفظه إلى يوم القيامة كتابا وتطبيقا في فئة من الخلق نموذجا للناس، وشهودا لهم وعليهم بالحق.


3- هوية لازمة: حاجة البشر للهوية الإسلامية لازمة ومستمرة. مع الفطرة الإنسانية الأسرع منها للفجور من الهداية والتقوى مع سنة العداوة الدائمة للشيطان مع الإنسان، اقتضت رحمة الله تعالى بالبشر أن يتعهد بذاته العليا بحفظ الذكر القرآن الكريم، المصدر الأساس للهوية الإسلامية.

4 - هوية رحمة للعالمين: في غايتها ومقصدها الأعلى رحمة للعالمين بإقرار وتمكين قيم الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة والتعاون والعمل والإنجاز، لعمارة الأرض وضمان أمن واستقرار ورفاهية كل الإنسان.

5- هوية تمتلك مقومات أساسية صلبة وراسخة في النفس البشرية والوعي الجمعي للمجتمع: عقيدة التوحيد واللغة العربية والقيم القرآنية والتراث الإسلامي العظيم المتراكم على مدار خمسة عشر قرنا من الزمان حكم فيها الإسلام العالم وقدّم فيها نموذجا نسبيا للعدل والتراحم البشري، بقدر فهم والتزام الأجيال المتعاقبة لحقائق ومقاصد الإسلام.

6- هوية عامة مفتوحة ومتاحة للناس كافة: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ" (سبأ: 28)، وليست عنصرية حصرية على نوع أو عرق معين من البشر، "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة: 256).

7- هوية مطلقة الزمان والمكان والأشخاص، لا تقبل المداهنة والتقلب حسب المصلحة والمراوغة والبراجماتية:

- "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ" (سبأ 28).

- "لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ" (يونس: 64).

- "فلا تُطِعِ الْمُكذِّبِين* ودُّوا لوْ تُدْهِنُ فيُدْهِنُون" (القلم: 8).

- "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ" (البقرة).

مفاهيم ومقاصد القيم القرآنية واضحة وثابتة وملزمة التطبيق مع المسلم وغير المسلم. وفي كل الأحوال فالالتزام بقيم وأخلاق القرآن لا يقبل القسمة على اثنين، ولا التبديل ولا المراوغة كما في غيره.

8- هوية مرنة في تطبيقاتها السلوكية للشرائح العمرية والنوعية المختلفة: دائمة الاستجابة لمستجدات الحياة والتحديث المستمر، حيث تترجم القيم القرآنية الواحدة إلى واجبات عملية خاصة بكل مرحلة عمرية، بداية من الطفولة والصبا والشباب والشيخوخة، ونوعية بين الرجال والنساء وشرائح مهنية، ليصبح للقيمة الواحدة تطبيقاتها السلوكية المهنية الخاصة في كل مهنة بحسب طبيعتها الفنية الخاصة ودورها البنائي في المجتمع.

9- هوية متجانسة ومتكاملة مع بعضها البعض:

 

 أ- في التكامل البنائي التتابعي لقيم القرآن: فقيمة حب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم كقيم مرجع تأسيسية، تدفع المسلم وتحفزه للتمسك ببقية قيم الإيمان والتقوى والصلاح والإحسان.. الخ، وتتكامل مع بقية القيم الكبرى التي أكدها القرآن الكريم كقيم الصدق والحياء والاحترام والخشوع والعمل والإنجاز.. الخ، لتضع في ذاتها مصفوفة قيمة تأسيسية صلبة لبناء الإنسان الصالح في ذاته القوى القادر على بناء مجتمه المصلح لمجتمعه والحامل لرسالته للعالمين.

ب- التكامل والترابط مكونات الإسلام وبين قيمه:

- في العلاقة التكاملية بين العقيدة والقيم: القيم هي الترجمة العملية لعقيدة التوحيد، فإفراد العبودية لله تعالى يتطلب الالتزام بقيمه وأخلاقه وما أمر وما نهي، ولا عقيدة بلا أخلاق.

مثال: "وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً" (الكهف: 59)، وحديث لا إيمان لمن لا أمانة له.

- في العلاقة التكاملية بين الشعائر التعبدية والقيم: فالشعائر التعبدية تمارين تدريبية يومية وأسبوعة لتعزيز الأداء والإلتزام والتجويد القيمي والسلوكي للمسلم.

- "إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهيٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" (العنكبوت: 45).

- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 183).

- في العلاقة التكاملية بين التشريعات والأحكام والقيم: جميع الأحكام والتشريعات جاءت لحماية وصيانة الالتزام القيمي الفردي والأسرى والمجتمع، وردع ورد المتجاوزين لقيم القرآن الكريم، وتنظيم العلاقات والمحافظة على الحقوق المتبادلة بين البشر، أفرادا وأسرا ومؤسسات ودولا.

مثال: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 179)، فالقصاص العادل موفٍّ لحقوق القتيل ورادع لمن تسول له نفسه بالتعدي ونشر الفوضى.

في العلاقة التكاملية بين مقاصد وغايات الإسلام والقيم، من حفظ للحياة والعرض والعقل والدين والمال والحرية والكرامة، إنما هي في حقيقتها حفظ للقيم الكبرى لبناء المجتمع والأمة والمحافظة على وجودها ونموها.

مثال: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً" (النساء: 58)، القوة والحسم في المحافظة على القيم الكبرى لتحقيق مقصد العدل في الأرض، "لَآ إِكْرَاهَ في ٱلدِّينِ" (البقرة 246) تأكيد على قيمة الإقناع والإيمان الطوعي؛ محافظة على مقصد حرية الإنسان واحترام كلمته الإنسانية.

المعايير الإسلامية لجودة هوية العالم

لكل هوية فلسفتها الخاصة التي تحدد مضمونها هويتها العميقة والظاهرة، ومعاييرها ومؤشراتها، ولكل من الهوية الإسلامية والهوية الغربية فلسفتها الخاصة والتي نبينها ونجليها ونفصل فيما بينها.

ففي الوقت الذي تأسست فيه قيم وهوية الفلسفة الغربية بشرية المصدر والمرهونة بالضعف والزيغ والانحراف والطغيان البشري، خاصة عندما يفقد بوصلة الهداية للدين الخاتم الحق دين التوحيد وتتلاعب بعقله نوازع النفس والشيطان، تتأسس معاير هويته الغربية على معايير سبع بالغة الشذوذ والإجرام هي:

1- الإنسان وحدة والوجود.

2- الحرية المطلقة للإنسان فلا حاكمية ولا وجود للإله.

3 - تحقيق المتعة الكاملة للإنسان.

4 - القوة مبدأ الحياة.

5- تقسيم البشر إلى أسياد وعبيد ولكل وظيفته.

6- الفرد أساس المجتمع.

7- العالم تحت سيطرة قوة الرجل الأبيض وحده فقط حنى نهاية العالم.. بينما تتنزل رحمات الله تعالى على البشرية وعلى من إهتدى من عباده بمعايير الله تعالى معايير السماء التي اقرها وضمنها للبشرية رحمة للعالمين:

1- معيار المحافظة على الكرامة الإنسانية العامة لكل الإنسان، وعلى حياة الإنسان.

2 - معيار الحرية المضبوطة بقيم الإيمان وإطلاق حرية إبداع وإبتكار الإنسان تنافسا في خدمة البشرية ومنح الجميع فرصا متكافئة في التعبير عن نفسه ومواهبه وقدراته في عمارة الكون معنوبا وماديا.

3- معيار تحقق المساواة بين كل البشر، والعدل والقسط فيما بينهم، والمحافظة على الحقوق الفكرية والمادية وأموال وممتلكات الجميع.

4- معيار السلام والأمن للجميع، بتحفيف التدافع والصراع إلى حده الأدنى.

5- معيار المحافظة على التناسل والتكاثر للمحافظة على الجنس البشرى باعتبار الأسرة وحدة للمجتمع وحماية الأعراض والأنساب بين البشر، والمحافظة على مكانة وقيمة المرأة في المجتمع والحياة.

6- معيار حماية وصيانة وتنمية العقل البشري، أعظم وأخص نعم الله تعالى الحصرية للإنسان من دون بقية المخلوقات.

7- معيار التنافس البشري العادل متكافئ الفرص وعلاقته بحركة تداول الأمم.

المؤشرات الإسلامية لقياس سلامة وجودة هوية العالم

سبعة معايير استراتيجية تعبر عنها منظومة من المؤشرات الرقمية والمئوية المحددة التي تكشف وتبيّن حركة صعود وهبوط جودة هوية العالم، واتجاهها. نكتفي هنا فقط بذكرها وفي كتابينا "صناعة الهوية" و"هوية العالم" تفصيل وبيان:

1- مؤشر قياس جودة المحافظة على الكرامة الإنسانية للمجتمعات الإنسانية كافة، النامية والمتقدمة وللشرائح النوعية النساء والرجال والشرائح العمرية الأطفال والشباب والشيوخ، والأحياء والأموات.

2- مؤشر قياس جودة حرية البشر وجودة اتجاهها وفاعليتها في كافة مجالات الحياة، الثقافية والتربوية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والفنية والرياضية والإعلامية والسياسية والعسكرية.

3- مؤشر قياس تحقق العدل والقسط بين البشر على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي.

4- مؤشر قياس تحقق السلام والأمن العالمي ومساهمته إقليميا ومحليا.

5- مؤشر قياس جودة المحافظة على تكاثر ونمو الجنس البشري.

6- مؤشر قياس حماية وتنمية العقل البشرى من التضليل والفساد والتدمير.

7- مؤشر قياس جودة التنافس البشري وتكافؤ الفرص الطبيعية للجميع.

8- مؤشر قياس التعاون الدولي بين الهويات المختلفة لخدمة الإنسان كل الإنسان.

التعليقات (0)