صحافة دولية

NYT: أوروبا تبحث عن منع الهجرة في تونس وليس عن تعزيز ديمقراطيتها

تونس من بين الدول التي أصبحت تستخدم المهاجرين كورقة للضغط على الدول الأوروبية- جيتي
تونس من بين الدول التي أصبحت تستخدم المهاجرين كورقة للضغط على الدول الأوروبية- جيتي
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعدته لورين جاكسون قالت فيه إن "دبلوماسية الهجرة" باتت أداة تجبر الدول على التعامل مع أنظمة ديكتاتورية أو تميل نحو الديكتاتورية من أجل منع موجات المهاجرين من التدفق إلى أراضيها، وهو ما يعطي هذه الأنظمة نفوذا على الدول المحتاجة لمنع المهاجرين.

وحالة تونس واضحة من بين الدول التي أصبحت تستخدم المهاجرين كورقة للضغط على الدول الأوروبية من أجل منح زعيمها الذي حطم الديمقراطية الناشئة في تونس، الشرعية أو لغض الطرف عن انتهاكاته وقمعه.

وقالت إن الثورة التونسية التي اندلعت قبل أكثر من عقد غيرت مسار المنطقة كلها وأدت لسقوط أنظمة وأصبحت تعرف بالربيع العربي. وظلت أوروبا والولايات المتحدة تنظر ولسنوات إلى التجربة التونسية بأنها الأنجح من بين الثورات العربية وتحولت من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. ونظرا لرغبة الدول الأوروبية في أن يكون لها جار يمكنها الاعتماد عليه في شمال أفريقيا فقد ضخت الملايين في الحكومات الانتقالية التونسية. وظلت الحكومات تتغير وقاد تونس عدد من الرؤساء منذ الثورة كان آخرهم قيس سعيد الذي أوقف عجلة الديمقراطية وحول البلد إلى حكم الرجل الواحد.

وتعاني تونس اليوم من أزمة سياسية واقتصادية بشكل يهدد استقرار البلد. وتعلق الصحيفة أن الدول الأوروبية تريد شجب ديكتاتورية سعيد إلا أنها ترغب بمنع تدفق المهاجرين إلى أراضيها من تونس. وربما أدت الأزمة المتسارعة في البلد إلى موجات عبر البحر المتوسط، وهي نتيجة لا تريدها الدول الأوروبية. وكتبت مديرة مكتب "نيويورك تايمز" في القاهرة فيفيان يي، قائلة: "اهتمام الاتحاد الأوروبي منصب بالدرجة الأولى على الاستقرار، وهذا يعني منع قدوم المهاجرين".

وتضيف الصحيفة أن تونس تمارس نفوذا على أوروبا، وهي مثال على النفوذ الدبلوماسي لدول العبور، وبخاصة الدول التي تعتبر المحطة الأخيرة للمهاجرين كي يطلبوا اللجوء. ويمكن النظر إلى هذه الظاهرة في العلاقة بين الولايات المتحدة والمكسيك.

وفي الوضع التونسي، فقد انحلت التجربة الديمقراطية بشكل كبير، ففي السنوات التي تبعت الثورة، حاول الرؤساء تعزيز استقرار البلد، وفي الوقت الذي توسعت فيه الحريات المدنية فإن كلفة المعيشة زادت، وبسبب اليأس انتخب التونسيون سعيد في 2019 وهو شخص خارج النخبة السياسة.

انتهز سعيد فرصة خيبة أمل المواطنين بالديمقراطية، وقام بإعادة كتابة الدستور وحل البرلمان ومنح نفسه سلطات واسعة. وعلقت مونيكا ماركس من جامعة نيويورك- فرع أبو ظبي: "كان سعيد يسير بخطوات ثابتة نحو التمكن الديكتاتوري"، وفي "شباط/ فبراير بدأ المرحلة القمعية الأشد".

وسجن سعيد بداية هذا العام 30 سياسيا وصحفيا وناشطا ممن رفضوا حكمه، كما أنه شيطن المهاجرين ووضع حياتهم في خطر، وتم الاعتداء عليهم وعلى التونسيين من أصحاب البشرة السوداء، وطردوا من بيوتهم وأعمالهم واضطر بعضهم للعيش في خيام أمام مقر الأمم المتحدة في العاصمة تونس.

ومقابل كل هذا لم يفعل سعيد الكثير لإنعاش الاقتصاد ووقف تدهوره. فالبلد مدين بشكل عميق وتزداد معدلات البطالة والتضخم. وتواجه تونس مخاطر التخلف عن دفع الديون. وقال طارق المجريسي، الزميل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "إنها قنبلة موقوتة".

وتعلق الصحيفة بأن مشاكل تونس السياسية والاقتصادية ليست استثناء عن المنطقة، إلا أن ما يهم الاتحاد الأوروبي هو الاستقرار. وعلقت ماركس: "تتمحور سياسة الاتحاد الأوروبي على نقطة ارتكاز واحدة، وهذه هي الهجرة".

اظهار أخبار متعلقة


وتضيف الصحيفة أن سواحل تونس تجعلها أقرب نقطة عبور إلى إيطاليا، وأهم نقطة للمهاجرين القادمين من أفريقيا الراغبين بالوصول إلى أوروبا. ويعتمد الاتحاد الأوروبي على تونس للحد من عدد الأشخاص الذين يصلون إلى أوروبا، وبحسب المجريسي فسياسة التحكم بالهجرة "تكاد تكون خارجية وتحت سيطرة تونس".

ويقول المنبر التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية إن خفر السواحل اعترض في العام الماضي آلافا من المهاجرين، لكن الخفر لا يستطيعون السيطرة بالكامل على موجات المهاجرين بحيث وصل عدد منهم إلى إيطاليا.

وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإنه وصل هذا العام إلى الشواطئ الإيطالية 16،000 مهاجر، أي عشرة أضعاف ما وصل العام الماضي. وانتخبت إيطاليا رئيسة وزراء متشددة في ملف الهجرة، هي جورجيا ميلوني، واقترح المسؤولون أنه تدفق مزيد من المهاجرين حين انهار الاقتصاد التونسي.

وتحاول إيطاليا تجنب هذا السيناريو وتقوم بالضغط على صندوق النقد الدولي لمنح تونس قرضا بـ 1.9 مليار دولار، حيث توقفت المفاوضات حوله منذ عدة أشهر. وذلك بسبب تردد سعيد بقبول الشروط الشديدة التي وضعها الصندوق، مثل فرض إجراءات تقشف مشددة والتي قد تؤثر على رواتب التونسيين وتزيد من الأسعار وهي وصفة قد تقود إلى اضطرابات.

ويقول الخبراء إن حالة تونس تمثل صورة عن دبلوماسية الهجرة، حيث يلعب موقع الدولة في نظام الهجرة الدولي في جعلها رصيدا استراتيجيا في السياسة الدولية ويساعد الحكومة في الوصول إلى أهدافها السياسية أو الاقتصادية.

ويقول غيراسيموس تسوراباس، الخبير في العلاقات الدولية بجامعة غلاسكو: "الدبلوماسية الدولية هي ظاهرة رأيناها تحدث أكثر وأكثر في السنوات الأخيرة" و"تحولت بشكل متزايد إلى موضوع ملح لأوروبا وفي أجزاء أخرى من العالم".

وفي عام 2016 ووسط أزمة المهاجرين، اتفقت تركيا والاتحاد الأوروبي على صفقة تقوم من خلالها تركيا بإعادة المهاجرين من أوروبا مقابل 6.6 مليار دولار كمساعدات. ورأت الدول الأخرى في هذا خطة لاستخدام المهاجرين ورقة نفوذ والحصول على الدعم المالي، بحسب ما يقول تسوراباس.

وفي 2021 سمح المغرب للمهاجرين بدخول أراض إسبانية، وبعد ساعات صادقت الحكومة الإسبانية على مساعدات بمبلغ 37 مليون دولار لكي يتمكن المغرب من حراسة الحدود. وفي نهاية ذلك العام، اتهم الاتحاد الأوروبي رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بافتعال أزمة الحدود مع بولندا على أمل رفع العقوبات عن بلاده.

وفي حالة تونس، فإن تهديد الهجرة قد يسهم في تدفق المال والشرعية أيضا. فقد زار عدد من المسؤولين الأوروبيين بمن فيهم وزير الخارجية الإيطالي تونس في الفترة الأخيرة لمناقشة الهجرة، ما أعطى مصداقية لسعيد بعد أسابيع من تعليقاته المسيئة للمهاجرين من أفريقيا.

وفي إشارة على أهمية الهجرة لإيطاليا وحلفائها طالب أنتوني بلينكن وزير الخارجية، نظيره الإيطالي بمناقشة الموضوع بشكل محدد. ويرى الخبراء أن قرارات سعيد ربما لا تحمل وراءها خطة كبرى، إلا أن مشهد موجات المهاجرين قد يحولهم إلى رصيد لحكومته، ويريد شركاء تونس دعم اقتصادها بأي طريقة كانت حتى لو اقتضى دعم حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي وبقاء الزعيم الديكتاتوري في الحكم. وربما منح سعيد ورقة ضغط في المفاوضات وقاده لنتيجة أن الغرب مستعد لتجاهل انتهاكاته طالما ظل مفيدا في موضوع الهجرة.
التعليقات (0)