مقالات مختارة

مجدداً… الكويتيون ينتخبون… لكن المطلوب إصلاحات شاملة!

عبد الله الشايجي
 تحتاج التجربة البرلمانية الكويتية لإصلاحات شاملة تعزز العمل الجماعي الحزبي- الاناضول
تحتاج التجربة البرلمانية الكويتية لإصلاحات شاملة تعزز العمل الجماعي الحزبي- الاناضول
سطرت في مقالي الأسبوعي في «القدس العربي» في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي تحليلاً لانتخابات مجلس أمة أيلول/ سبتمبر 2022 في الكويت بعنوان: «قراءة في نتائج ورسائل مجلس الأمة الكويتي الجديد».

وأعود لأسطر اليوم ـ شهدت الحياة السياسية الكويتية خلال الأشهر الثمانية الماضية، كعادتها كثيرا من الصخب والمواجهات بين السلطتين، وصلت لتشكيل أكثر من حكومة واستجوابات واحتقان بين السلطتين واستقالة حكومات وتغيير وتعيين وزراء.

وحكمت المحكمة الدستورية بإبطال مجلس الأمة المنتخب في أيلول/ سبتمبر بإحسان الاختيار، وإعادة مجلس الأمة ـ الذي حُل في آب/ أغسطس 2022.

وكان أكثر من نصف الأعضاء خسروا مقاعدهم في الانتخابات السابقة. وصدر مرسوم بحل مجلس الأمة المنتخب في أيلول/ سبتمبر والدعوة لانتخابات جديدة جرت الأسبوع الماضي.

واليوم أعود لكتابة ملاحظاتي للمشهد السياسي بعد انتخابات مجلس الأمة 17 مكرر ـ والمطلوب للخروج من الدائرة المفرغة.

ذهب الكويتيون لصناديق الاقتراع سبع مرات في السنوات العشر الماضية وثلاث مرات في 30 شهراً لانتخاب مجلس أمة جديد، في محيط تبقى الكويت الاستثناء.

مجلس الأمة الكويتي الوحيد الذي يستجوب كبار الوزراء من الأسرة الحاكمة بمن فيهم رئيس الوزراء ـ ويسقط حكومات، لكن دون اختراق انسداد الأفق السياسي وتحقيق إصلاحات جذرية تخرج الكويت من النفق الطويل، وينهي حالة الاستقطاب الدائم بين السلطتين، ما يعيق تحقيق الكويت الأهداف والإصلاحات المطلوبة لتوظف القدرات والإمكانيات المتوفرة لتحقيق آمال المواطنين.

تميزت الانتخابات الأخيرة بعدة ظواهر، برغم حرارة الأجواء أنه ارتفعت نسبة العزوف عن المشاركة بسبب حالة الإحباط والتململ لعدم إكمال المجالس مددها الدستورية. آخر مجلس أكمل مدته الدستورية كان المجلس المنتخب عام 2016. بسبب الحل المتكرر لثمانية مجالس أمة منذ 1976، وإبطال ثلاثة مجالس منذ 2012 بأحكام المحكمة الدستورية بالطعن بمراسيم الحل والانتخابات. لذلك انخفضت نسبة المشاركة من 59 في المئة عام 2022 إلى 51 في المئة.

وشارك حوالي 400 ألف ناخب من أصل حوالي 800 ألف ناخب وناخبة. كانت انتخابات كالعادة نزيهة وشفافة، ولم تسجل تجاوزات وخروقات واتهامات بالتزوير.

شهدت الانتخابات تراجعا في أعداد الأصوات ـ وصلت لخسارة آلاف الأصوات لبعض رموز العمل السياسي، وحتى سقوط مدو لبعض النواب الذين فازوا العام الماضي. كما انخفضت نسبة التغيير من أكثر من النصف إلى تغيير حوالي ربع نواب المجلس السابق. وحققت عناصر شبابية إنجازات ملفتة.
تحتاج التجربة البرلمانية الكويتية لإصلاحات شاملة، تعزز العمل الجماعي الحزبي، وتبتعد عن العمل الفردي ـ وسن قوانين الانتخاب بالقوائم النسبية، مقدمة لتشريع الأحزاب السياسية، وتشكيل مفوضية عليا مستقلة للانتخابات

واستمر إقصاء الناخبين للنواب ـ الوزراء، الذين قرروا عدم الترشح أو جازفوا بالترشح ليشهدوا تراجع ترتيبهم لمراكز متأخرة في دوائرهم كوزير النفط، الذي أتى ترتيبه في ذيل قائمة دائرته.
كما كان ملفتاً التغطية والمتابعة الواسعة لانتخابات مجلس الأمة في وسائل الإعلام العربية والغربية. وتعليق الإعلام العربي والغربي على فوز المعارضة في الانتخابات بأغلبية مريحة «توسع المعارضة هيمنتها على المجلس». كتبت صحيفة «واشنطن بوست» نقلاً عن وكالة «أسوشييتدبرس» «الكويت: الدولة الخليجية الوحيدة ببرلمان قوي تجري انتخابات أخرى وسط صراع وخلافات سياسية». لكن الواقع لا توجد معارضة في الكويت، بل معارضات غير موحدة، وذلك لعدم وجود أحزاب سياسية تتنافس ببرنامج عمل ـ والأفضل تسميتهم «الإصلاحيون».

بينما كان عدد المرشحين الأدنى منذ انتخابات مجلس الأمة 2013 بـ 207 مرشحين بينهم 13 امرأة.
حافظ الإسلاميون سواء المنتمين للتيارات السياسية الحركة الدستورية الإسلامية والتجمع السلفي، والإسلاميون السنة المستقلون على مقاعدهم بـ15 مقعداً.

ما يعني أن الكويت تبقى الاستثناء ـ وسط مواجهة وتحجيم الأنظمة العربية للإسلاميين وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. كما تراجع عدد النواب الشيعة من 9 نواب إلى 7. وحافظ نواب القبائل الكبيرة على أعدادهم وزاد عدد آخرين-خاصة نواب قبائل العوازم 4 والعجمان 4 والمطران 4 والعنزة 3 والرشايدة 3.

وكانت المرأة كالعادة الخاسر الأكبر، برغم تفوق أعدادهن على أعداد الناخبين الرجال، لكن سجل تراجع أعداد النائبات من اثنين في المجلس السابق إلى واحدة. ما يؤكد أن مشوار المرأة التي حصلت على كامل حقوقها السياسية تصويتاً وترشحاً عام 2005 ـ لا يزال شائكاً وطويلاً لتكسر حاجز «السقف الزجاجي». وذلك برغم تعيين الحكومة امرأتين في مناصب وزارية منذ سنوات.

وحسب الدستور قدمت الحكومة استقالتها الأسبوع الماضي. وتجرى حالياً مشاورات لتشكيل حكومة جديدة تعكس تركيبة المجلس المنتخب. وذلك قبل انعقاد جلسة مجلس الأمة الأولى وأداء قسم النواب والوزراء في 20 الشهر الجاري.

تحتاج الكويت لاستقرار سياسي والعمل على التنمية وتنويع مصادر الدخل تحقيقاً لرؤية الكويت 2035. وتحفيز الاستثمارات الذاتية واستقطاب استثمارات خارجية. تملك الكويت رابع أكبر صندوق سيادي في العالم بحوالي 700 مليار دولار، وسابع أكبر احتياطي نفط في العالم.

أختم وأقول: تحتاج التجربة البرلمانية الكويتية لإصلاحات شاملة، تعزز العمل الجماعي الحزبي، وتبتعد عن العمل الفردي ـ وسن قوانين الانتخاب بالقوائم النسبية، مقدمة لتشريع الأحزاب السياسية، وتشكيل مفوضية عليا مستقلة للانتخابات، وتقديم الحكومة برنامج عملها وحصولها على ثقة البرلمان قبل بدء عملها، وتعديل قانون الدوائر الانتخابية الظالم للتباين الكبير في أعداد الناخبين في الدوائر الانتخابية الخمس ـ تمهيداً لتحويل الكويت ـ لدائرة انتخابية واحدة بـ800 ألف ناخب. وتعديل اللائحة الداخلية لعقد جلسات مجلس الأمة دون مشاركة الحكومة واقتصار التصويت على انتخابات قيادات مجلس الأمة ولجانه على النواب، واتفاق الحكومة والمجلس على قائمة الأولويات. وإعادة المهجرين وسجناء الرأي، وتنويع مصادر الدخل، وتفعيل خطط «رؤية الكويت 2035» بتقليص الاعتماد على عوائد النفط والطاقة. وزيادة مساهمات القطاع الخاص بنسبة مجمل الناتج العام وتوظيف المواطنين، ومحاربة الفساد المستشري وانسداد الأفق. لتستعيد التجربة الكويتية زخمها وتميزها وتبقى رائدة وملهمة لشعبها وللمحيط القريب والبعيد!

(القدس العربي)
التعليقات (0)