قضايا وآراء

التضخم والحكومة التركية الجديدة

أشرف دوابة
- جيتي
- جيتي
شهدت تركيا فوز الرئيس رجب طيب أردوغان برئاسة الجمهورية التركية لدورة جديدة مدتها خمس سنوات في الجولة الثانية من الانتخابات، وقام الرئيس أردوغان بتشكيل الحكومة، وبرز في هذا التشكيل الجانب الاقتصادي، حيث أسند وزارة الخزانة والمالية إلى الدكتور محمد شيمشك، وهو شخصية معروفة بخبرته الاقتصادية من خلال توليه وزارة المالية في تركيا في وقت سابق، إضافة إلى علاقته الجيدة بالمؤسسات المالية الدولية، كما تم إسناد محافظ البنك المركزي للسيدة حفيظة غاي إركان، التي تتمتع بخبرة كبيرة في الأعمال المصرفية والاستثمار وإدارة المخاطر والتكنولوجيا والابتكار الرقمي.

ويأتي هذا التشكيل الحكومي والجمهورية التركية على أعتاب المئوية الثانية، وقد استطاع حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان تحقيق نهضة اقتصادية لتركيا منذ العام 2002م، بعد أن كان الاقتصاد التركي يعاني صعوبات جمة حُرم خلالها المواطن التركي من العيش بصورة كريمة سواء في مأكله أو مشربه أو مسكنه أو المنافع العامة التي تخدمه.

الاقتصاد التركي له معضلات تواجه الحكومة الجديدة؛ من أهمها التضخم والانخفاض المتنامي في سعر صرف الليرة التركية مقابل العملات الصعبة، وهو ما زاد من تكلفة المعيشة، لا سيما في الطعام والشراب والسكن ووسائل الانتقال، مما جعل المواطن يعاني من اكتواء ظهره بهذا الغلاء
ورغم هذه النهضة الاقتصادية فإن الاقتصاد التركي له معضلات تواجه الحكومة الجديدة؛ من أهمها التضخم والانخفاض المتنامي في سعر صرف الليرة التركية مقابل العملات الصعبة، وهو ما زاد من تكلفة المعيشة، لا سيما في الطعام والشراب والسكن ووسائل الانتقال، مما جعل المواطن يعاني من اكتواء ظهره بهذا الغلاء رغم انخفاض التضخم عن ذي قبل، حيث وصلت نسبته في أيار/ مايو الماضي إلى 39.59 في المئة.

وقد سعى شيمشك إلى تحقيق ثقة وأمان المستثمرين وجمهور الأتراك من خلال ما كتبه على حسابه بتويتر، حيث ذكر أنه لا توجد مشكلة لا تستطيع الحكومة التركية التغلب عليها، آملا أن يصل إلى أهدافه بدعم من الجميع، على هذا الطريق الذي اتخذه بخطوات حازمة في إطار الخطة والبرنامج، وفي إطار المبادئ التي حددها. لكنه أشار كذلك إلى أنه بحاجة إلى بعض الصبر والوقت، وطلب من المواطنين طلبا خاصا بأن لا يثقوا في أي أخبار أو شائعات لم يسمعوها منه بخصوص ممارساته وسياساته.

كما ذكر شيمشك من خلال توتير كذلك عن تطلعه إلى العمل مع السيدة حفيظة غاي إركان ودعمها بصفتها المحافظ الجديد للبنك المركزي، ووصف اختيارها لهذا الموقع بأنه رائع، وأثنى على معرفتها وخبرتها الواسعة في الأسواق المالية الدولية، وما يمثله ذلك لتركيا من قدرتها على التوجيه الجيد لتركيا خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة.

وأفصح شيمشك عن رؤيته الاقتصادية، فذكر أن أولويته الملحّة تتمثل في تعزيز فريقه الاقتصادي وإنشاء برنامج اقتصادي موثوق، والالتزام بوضع سياسات قائمة على القواعد لزيادة القدرة على التنبؤ خلال مواجهة التحديات المحلية والعالمية، وأنه رغم عدم وجود طرق مختصرة أو حلول سريعة، فإن الخبرة والمعرفة والتفاني ستساعد في التغلب على العقبات المحتملة في المستقبل، مشددا على أن المبادئ التوجيهية لخلق تركيا أكثر ازدهارا وقوة ستكون الشفافية والاستقرار والمساءلة والقدرة على التنبؤ.

وقد أدت هذه التصريحات إلى ترقب المستثمرين وجمهور الأتراك لما سيؤول عليه توجه السياسة النقدية خلال الفترة القادمة لعلاج التضخم، لا سيما وأن شيمشك ذكر أن تركيا ليس لديها خيار للتعامل مع التضخم سوى العودة للأساس المنطقي، فضلا عن التوجه المعروف للسيدة حفيظة المحافظ الجديد للبنك المركزي. فهناك رأي يرى أن التوجه القادم هو العودة لرفع سعر الفائدة لعلاج التضخم أسوة لما عليه الوضع في الدول الغربية، وهذا يعني التوجه عكس ما التزم به الرئيس أردوغان من خفض سعر الفائدة، كما أن هناك رأيا آخر بأن السياسة النقدية والاقتصادية ستلتزم برؤية أردوغان.
الركون لسياسة رفع سعر الفائدة لن يكون سوى نار تحت الرماد، وكذلك رفع الأجور مع رفع الأسعار، والدخول في نفق لولب الأسعار- الأجور، وهذا بخلاف العلاج الهيكلي للتضخم الذي يتسم بالفعالية والاستدامة، فالحل هو في تعزيز الاقتصاد الحقيقي لا الركون للحلول النقدية الوقتية

وعلى أية حال فإن اجتماع لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي التركي في الثاني والعشرين من الشهر الجاري سيعكس التوجه الحكومي في معالجة التضخم، ورؤيته نحو استقرار سعر الصرف أو تحريره، وإن كانت الظواهر تشير إلى أن سياسة الحكومة في هذه الفترة لن تغفل أدوات السياسة النقدية جنبا إلى جنب مع السياسة الهيكلية، فإن استخدمت رفع سعر الفائدة فسوف تستخدمه بحذر وبصورة مؤقتة، مع التركيز على تحفيز النمو وزيادة الكتلة الإنتاجية من خلال السياسة الهيكلية، وفتح أسواق جديدة لتعزيز الصادرات وتعزيز إنتاج النفط والغاز بما يخفض من عجز ميزان المدفوعات، ويبرز أثره تباعا في الأجل القصير والمتوسط والطويل.

إن الركون لسياسة رفع سعر الفائدة لن يكون سوى نار تحت الرماد، وكذلك رفع الأجور مع رفع الأسعار، والدخول في نفق لولب الأسعار- الأجور، وهذا بخلاف العلاج الهيكلي للتضخم الذي يتسم بالفعالية والاستدامة، فالحل هو في تعزيز الاقتصاد الحقيقي لا الركون للحلول النقدية الوقتية. ولعل اللجوء إلى أدوات السياسة النقدية والمالية والاقتصادية الإسلامية يصب في هذا الاتجاه من خلال التمويل بالمشاركات، وتفعيل الصكوك الإسلامية كأداة تمويلية، فضلا عن وضع ضوابط لتداول الليرة التركية والحيلولة دون تحويلها لسلعة يتاجر فيها لا بها في الأسواق العالمية، يما يكف أيدي المضاربين المتآمرين على تركيا، مع أهمية تفعيل الرقابة على الأسعار بصفة عامة، وأسعار المواد الغذائية والإسكان تمليكا وتأجيرا بصفة خاصة.

twitter.com/drdawaba
التعليقات (0)