قضايا وآراء

الثمن الباهظ لغارات الاحتلال على سوريا

نزار السهلي
ربط الأسد استمرار القصف الإسرائيلي بحربه ضد "الإرهابيين"- منصة إكس (تويتر سابقا)
ربط الأسد استمرار القصف الإسرائيلي بحربه ضد "الإرهابيين"- منصة إكس (تويتر سابقا)
سُئلَ رئيس النظام السوري بشار الأسد، في آخر ظهور إعلامي له على شبكة سكاي نيوز عربية، عن موقف نظامه من تكرار الغارات الإسرائيلية على سوريا، حتى في وقت الإعداد للمقابلة الصحفية كانت طائرات الاحتلال تشن غارات على محيط العاصمة دمشق، وبعدها بخمسة أيام عاود الاحتلال عدوانه على أهداف يقال إنها مواقع للنظام ولحلفائه من المليشيات الإيرانية، كان جواب الأسد أن الغارات ستستمر طالما نظامه يُفشل مخططات "الإرهابيين" الذين يحاربهم.

حسم الأسد معادلة استمرار العدوان الاسرائيلي على سوريا، وعدم الرد عليه منذ زمن بعيد، مع إدراك السوريين وعدوهم الإسرائيلي بهذا الحسم، فيما مهزلة النظام في تكرار أسباب العدوان بأن جيشه يحقق انتصارات على الأرض، وأدت لقتل مليون سوري وتهجير نصف الشعب، وأعادت سوريا وشعبها تحت خط الفقر والتدمير الممنهج لعقود طويلة قادمة.. "الغارات ستستمر لأن إسرائيل عدو"، هكذا أضاف الأسد، ولأنه عدو فإن النظام يفضل وصف جيشه "الآن" بأنه في حالة حرب ليس مع العدو الاسرائيلي إنما مع الشعب السوري.

لم يكذب الأسد في تحديد عدوه وأولوياته، وسلوك النظام طيلة خمسة عقود وتعريته بالثورة السورية من مسألة "المقاومة والممانعة"، حيث أسقطت كل ذرائعه وحديثه النازل على مسامع السوريين والعرب بمهزلة اجترار أجوبة فقدانه جرأة الرد على العدو المحتل لأرضٍ سورية منذ 55 عاما ويكرر اعتداءاته على السيادة السورية
لم يكذب الأسد في تحديد عدوه وأولوياته، وسلوك النظام طيلة خمسة عقود وتعريته بالثورة السورية من مسألة "المقاومة والممانعة"، حيث أسقطت كل ذرائعه وحديثه النازل على مسامع السوريين والعرب بمهزلة اجترار أجوبة فقدانه جرأة الرد على العدو المحتل لأرضٍ سورية منذ 55 عاما ويكرر اعتداءاته على السيادة السورية.

تعايش النظام مع الغارات الإسرائيلية، نابع من إدراك عدم استهدافه وإضعاف بنيته الأمنية الباطشة والمحققة لـ"انتصاراتها" على الشعب السوري، وهي تؤمن له بروباغندا موجهة لحاضنته المتهالكة تحت وقع أزمات كثيرة من الإفقار الى السحق الأمني.. هذا التعايش وهذه الرسائل التي يعرفها الاحتلال من مواقف وسلوك النظام تعني أن لا خطط لديه ولجيشه ولمؤسسته الأمنية للرد على الغارات ومواجهة العدو، فكل الخطط التي يكشف النظام عنها هي لسير وحداته العسكرية وأرتاله المتجهة للشمال والجنوب، مع خطط حلفائه على الأرض من الإيرانيين والروس، فهم مشغولون بضرب ما تبقى من حواضر وأرياف المدن السورية ونهب أملاك السوريين، لأن استعانة الأسد بحلفائه تم لغرض بعيد كلياً عن مقاومة العدو ومخططاته وكنس الاحتلال عن الأرض، بل لمعاقبة الشعب عن ذنب اقترفه بالتطلع للحرية والكرامة والمواطنة، وتلك قصة لها وقائع وشواهد كثيرة وطافحة بمخازٍ وعارٍ لم تعد أية شعارات تنفع لرقع اهترائها.

استحضار نظام بشار الأسد لمنادب يقيمها بنفسه مع إعلام محوره، بعد كل غارة إسرائيلية، وربط العدوان ومخططات الاحتلال مع ما يجري في سوريا لتبرير استخدام النظام لآلته القمعية واستعانته بقوتي احتلال روسي وإيراني لتمكينه من إعادة بسط سيطرته، واعتبار السيطرة نجاحاً، يعني في نهاية الأمر أن الإرباك والمأزق الذي غرق فيه النظام وحلفاؤه لا نجاة منه، إلا في حالة واحدة تحدث عنها الأسد نفسه، إذا استطاع إعادة بسط سيطرته وقمعه، عندها تتوقف غارات الاحتلال الاسرائيلي.

استباحة الجغرافيا السورية بالعدوان الإسرائيلي ستتواصل، ليس لأن إسرائيل عدو فقط، بل لأن في سوريا نظاما يتبادل استثماراته في بنك أهداف "صهيوني"، بوجوده وسلوكه وبنيته الحاكمة، لمحو ذاكرة جماعية أثبتت دوماً أنها قادرة على العطاء ومقاومة المحتل والطاغية، وهي مدركة أن الثمن باهظ لا محالة. وما خلّفه هذا السلوك يحقق رغبات صهيونية
لن يغفر التاريخ لنظامٍ فرّطَ بأرضه وسيادته وارتكب مذابح وجرائم بحق الشعب السوري، لصالح بقائه في كرسي الحكم، ولأجل الأخير قايض وجود الاحتلال وعدوانه بهذه المعادلة الممسك بها كثير من الطغاة في المنطقة العربية، لكن يبقى النموذج هو نظام الأسد من الأب للابن في سوريا، بقمع وقتل روح مقاومة الاحتلال والرد عليه بإشاعة القمع والقهر وسحق الحريات وقتل المواطنة، ثم إحداث التدمير الشامل للمجتمع، والإتيان بادعاء أكاذيب وتلفيقات وتبريرات ومزاعم الرد على العدوان التي كانت بزمان ومكان مناسبين ثم انخفضت لبيان تصدي الدفاعات الجوية إلى الإقرار باستمرار الغارات، وقد أصبحت "اعتيادية" وشبه أسبوعية ومكثفة وبتنسيق مع الحليف الروسي؛ داعم وجود وبقاء الأسد.

استباحة الجغرافيا السورية بالعدوان الإسرائيلي ستتواصل، ليس لأن إسرائيل عدو فقط، بل لأن في سوريا نظاما يتبادل استثماراته في بنك أهداف "صهيوني"، بوجوده وسلوكه وبنيته الحاكمة، لمحو ذاكرة جماعية أثبتت دوماً أنها قادرة على العطاء ومقاومة المحتل والطاغية، وهي مدركة أن الثمن باهظ لا محالة. وما خلّفه هذا السلوك يحقق رغبات صهيونية إن كان في التحطيم والقمع الشامل، أو في المآلات المفجعة لقضيا الحرية والتحرر والمواطنة ومواجهة الاحتلال في سوريا.

وما نود قوله أخيراً، أن غارات الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه على سوريا ما كان له أن يحقق أهدافه ويمتلك مقومات نجاحها واتساعها لولا سياسة الذل واليأس التي يسعى النظام مع الاحتلال لتكريسها في واقعٍ عربي.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)