سياسة دولية

كاتب تركي: عملية "طوفان الأقصى" غيرت قواعد اللعبة في فلسطين

حشد دولي واسع وراء إسرائيل في عملياتها ضد قطاع غزة - جيتي
حشد دولي واسع وراء إسرائيل في عملياتها ضد قطاع غزة - جيتي
نشرت صحيفة تركية مقال رأي للكاتب حسين مرجان سلط فيه الضوء على عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

وقال الكاتب في صحيفة "ستار"، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه في الساعات الأولى من صباح يوم السبت 7 تشرين الأول/أكتوبر، قامت قوات النخبة التابعة للجناح العسكري لحركة حماس، المعروفة باسم كتائب القسام، بعملية نجحت في اختراق المناطق المحتلة في قطاع غزة، لتكتب فصلا جديدا في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. تم تسمية هذه العملية من قبل حماس بـ "طوفان الأقصى"، وهي تطور مهم بالنسبة لحماس وخاصة لكتائب القسام في استعادة مبادرة جديدة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

حتى الآن، كانت المواجهات بين عناصر المقاومة في غزة وإسرائيل مقيدة بالمنطقة المحاصرة بسبب القوة الجوية للإسرائيليين، وكانت الردود من غزة أقل قوة بكثير مقارنة مع هجمات إسرائيل غير المتماثلة. وكما كان معروفًا فإن أعضاء القسام يقومون أحيانًا بعمليات خارج قطاع غزة قصد أسر أو إرسال رسائل إلى القوات المحتلة. ومع ذلك، تمثل عملية طوفان الأقصى نقطة تحول جديّة في طبيعة المقاومة في غزة، حيث تعطي هذه الهجمة متعددة الأبعاد التي شنها كتائب القسام ضد المناطق المحتلة من الجو والبر والبحر، إمكانية إضافة أبعاد جديدة إلى مسار المواجهات المسلحة المتواصلة بين قوات الاحتلال والمقاومة.

من المقاومة شبه النشطة إلى المقاومة النشطة بالكامل

وذكر الكاتب، أن حركة حماس، منذ تأسيسها في أيام الانتفاضة الأولى، جلبت دفعة جديدة للحياة السياسية والمقاومة في فلسطين، وقدمت خطابات مبتكرة ولعبت أساليبها ورؤيتها السياسية دورًا كبيرًا في تجذرها في فلسطين والعالم الإسلامي.

بعد فوز حماس في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني سنة 2006، وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات من قبل إسرائيل، اتخذت إسرائيل نهجًا لتصنيف حماس منظمة إرهابيّة، مما أدى إلى تعميق الأزمة. وخلال الفترة اللاحقة، كان الهدف الرئيسي للاعتداءات المشينة ضد غزة، التي تتجاوز كرامة الإنسان وتتجاهل القانون الدولي، إضعاف قوة حماس وعرقلة بناء تيار سياسي أصيل في أراضي فلسطين ضد الاحتلال .

وإلى جانب الاستراتيجية العسكرية التي تتبعها، نجحت حماس في اتخاذ خطوات مهمة لتعزيز موقعها في المجال السياسي. ومن خلال التعديلات الدستورية لسنة 2017، أعلنت حماس أنها ستعطي الأولوية للمجال السياسي في الفترة الجديدة. وفي الوقت نفسه، لم تتوقف عن تطوير القدرات العسكرية والتقنية لكتائب القسام لتكون مستعدة للهجمات المحتملة من جانب إسرائيل.

في عملية نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، حاولت حماس بناء خطاب جديد من خلال الاحتجاجات التي أطلق عليها اسم "مسيرة العودة الكبرى". ومع أن السياسة تم تنفيذها بأساليب سلمية وبالاستناد إلى شخصيات بارزة مثل مهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا، إلا أن الولايات المتحدة وإسرائيل حاولتا بإصرار تجاهلها. وتجاهل المجتمع الدولي لجهود حماس وازدياد محاولات الاحتلال لتحريض الفلسطينيين والمقاومة ساهم بشكل كبير في رسم ملامح الطريق إلى عملية "طوفان الأقصى".

مستقبل الصراع
في السنوات الأخيرة، زادت إدارة الاحتلال من وتيرة بناء المستوطنات الجديدة، وازدادت اعتداءات الجماعات الصهيونية على المسجد الأقصى. وقد أدى هذا إلى تعزيز الإرادة القوية لدى المقاومة في غزة للمضي قدمًا في عملية أكثر حسمًا. وفي سنة 2021، وبعد محاولة تهويد حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، ردّت المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخ متتالية من غزة على إسرائيل، مما أظهر مدى ضعف نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي الإسرائيلي. وقد أدى هذا إلى تعزيز ثقة المقاومة بنفسها، وأرسل إشارات مختلفة حول مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وحسب الكاتب، اعتقد بنيامين نتنياهو أن الطريقة الوحيدة للتخلص من المشاكل التي يواجهها في السياسة الداخلية الإسرائيلية هي تحريض مجموعات المقاومة في غزة، وذلك من أجل تحويل الانتباه إلى حماس والمجموعات الأخرى وإعادة التركيز على السياسات الأمنية المتشددة. وقد كانت الاحتجاجات واسعة النطاق، التي استمرت في المدن الإسرائيلية ضد برنامج الإصلاح الحكومي الذي يتضمن تغييرات مهمة في القضاء، بمثابة جرس إنذار بالنسبة لنتنياهو. لذلك، أدى ازدياد وتيرة الجهود الرامية إلى تغيير وضع المسجد الأقصى في الأسابيع الأخيرة، واتخاذ خطوات عدوانية تسيء إلى قدسية المسجد، إلى إجبار حماس على الانتقال إلى وضع مقاومة نشط بالكامل، وتنفيذ عملية تركز على الهجوم على الجانب الآخر بدلاً من الدفاع.

عملية غيّرت قواعد اللعبة، وليس الوضع الراهن

أشار الكاتب إلى أن العملية التي شنتها كتائب القسام أشعلت نزاعًا لم يسبق له مثيل بين حماس وإسرائيل. فعلى الرغم من التفوق غير المتكافئ بين الجانبين، إلا أن تحديد القسام للهجمات الجوية كوسيلة مشروعة للمقاومة ضد سنوات طويلة من الاحتلال والحصار أثار صدمة في جميع أنحاء العالم. وفي الساعات الأولى من العملية، تم إطلاق آلاف الصواريخ نحو إسرائيل وقام أعضاء القسام بإجراء هبوط في مستوطنات متنوعة تحت سيطرة إسرائيل، وهو ما يشير إلى تخطيط جيد للعملية والاستعداد الطويل لها.

وذكر الكاتب أن إطلاق عملية من هذا المستوى من قبل القسام ضد إحدى الدول التي تمتلك أنظمة عسكرية قوية مثل إسرائيل، أثار تساؤلات حول ما إذا كانت حكومة نتنياهو قد غضت الطرف عن هذه العملية لاستعادة شرعيتها وتعزيز سلطتها بناءً على ما يعانيه الوضع السياسي في إسرائيل في هذه الأوقات الصعبة. وقد انتشرت هذه الفكرة بشكل كبير في الرأي العام الوطني والدولي، وكانت أيضًا تعبيرًا عن الأساطير التي تم إنشاؤها ضد إسرائيل. وقد أدى الشعور بأن إسرائيل يمكنها السيطرة على الكثير من الأمور في المنطقة على مر السنين إلى قراءة العملية من منظور إسرائيلي أكثر من التركيز على القدرات الفنية والاستراتيجية لحركة حماس.

في المقابل،  تعتبر عملية "طوفان الأقصى" نقطة تحول مهمة لمراقبة مدى قدرة المقاومة الفلسطينية والتحكم في الحرب النفسية التي تجري عبر الخطابات المتبادلة، والتي تُجرى بجانب الحرب الفعلية. واستمرار أعضاء القسام في قتال الشوارع مع الجيش الإسرائيلي في العديد من المواقع منذ يوم السبت، واعتقال العديد من أسرى الجيش الإسرائيلي، يشير إلى أن هناك خطة محكمة ومفصلة تم وضعها من قبل حماس كجزء من تغيير استراتيجيتها في مواجهة الاحتلال.

وخلص الكاتب إلى أن التغيير الجذري في استراتيجية المقاومة الأساسية ضد دولة لا تحترم القانون الدولي ولا تحتاج إلى ذريعة لمهاجمة غزة، سيفتح الباب أمام سياسات مختلفة في كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في المستقبل. ولا يمكن تحرير القدس أو إنهاء الحصار المفروض على غزة أو تغيير الوضع القائم في المنطقة بالكامل من خلال هذه الحرب. ولكن عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حماس لديها القدرة على التأثير بشكل كبير على مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال كسر العديد من المفاهيم المسبقة حول القضية الفلسطينية والمقاومة.
التعليقات (0)