كتب

مآلات السياسة الإسرائيلية في قطاع غزة.. قراءة في كتاب

بناء قوة "حماس" العسكرية تقوم على أساس فهم الواقع الاستراتيجي بينها وبين دولة الاحتلال، وعلى أساس مجهود التغلب على دونيتها العسكرية.. الأناضول
بناء قوة "حماس" العسكرية تقوم على أساس فهم الواقع الاستراتيجي بينها وبين دولة الاحتلال، وعلى أساس مجهود التغلب على دونيتها العسكرية.. الأناضول
الكتاب: "مأزق إسرائيل في غزة"
الكاتب: مجموعة من المؤلفين
الناشر: مركز دراسات الأمن القومي، 2018م
ترجمة: مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية، عام 2019م.


اتجه مركز دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي" نحو وضع مشروع بحثي عام 2017م؛ لدراسة الظروف السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والبنيوية، والأمنية القائمة في المنطقة، قام أساس هذا المشروع على تشريح الوضع في قطاع غزة من مختلف الجوانب الحياتية، بهدف وضع تقديرات متجددة للسياسة الإسرائيلية فيما يخص القضية الفلسطينية، وعلاقاتها بالمحيط العربي والإسلامي، وتحريك برنامج إعمار دولي لصالحها، بعد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع، والتقدير بأن مثل ذلك البرنامج يمكن أن يعزز الوضع القائم في قطاع غزة، الذي تفاقمت أزماته في مجال البنى التحتية المنطوية على مخاطر إنسانية، وتهديدات أمنية.

أكدت مجمل الدراسات الواردة في هذا الكتاب، على الحاجة الملحة لإعمار قطاع غزة في إطار المعالجة الاقتصادية، وفق رؤية الحل الاقتصادي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، واعتبار خطوات الإعمار هي حاجة الساعة، مع مشاركة منظمات دولية، ومنظمات غير حكومية تعمل في القطاع، لتحسين الظروف الحياتية، والبنى التحتية، خشية من انهيار وشيك لمجمل البنى المجتمعية والاقتصادية في القطاع؛ أو لمنع انفجار الأوضاع بوجه دولة الاحتلال.

تغير السياسة الإسرائيلية في قطاع غزة

اتجهت السياسة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة إلى تخفيف سياسة الإغلاق المفروض على قطاع غزة بعد جولات المواجهة الصعبة، واستنتجت الدراسة أن سياسة حماس التصعيدية، جاءت بهدف جعل إسرائيل تخفف من الإغلاق والحصار، وثبت لها أنها سياسة فاعلة، وبالرغم من التسهيلات الممنوحة لم تساعد على تغيير وضع القطاع بشكل جوهري، ولكن تأسس اعتراف إسرائيلي بأن حركة حماس هي السلطة، والعنوان الوحيد المسؤول في القطاع، بل وازداد الاستعداد من جانبها لتوصل إلى توافقات مع حماس يبتعها ترتيبات، وإن كان من خلال وسطاء سيما مصر.

رأى المؤلفون أن إسرائيل فشلت في استراتيجية المساس بحياة الفلسطينيين؛ بهدف أن يوجه أولئك الغضب والإحباط ضد حركة حماس للضغط عليها للاستجابة للمطالبة الإسرائيلية، أو أن توجه أنشطتها إلى قضايا الرفاه والإنماء، والتخفيف من الثقل، والتهديد الأمني عن إسرائيل؛ هذه الاستراتيجية لم تحقق إلى الآن أهدافها، وهو ما ثبتت صحته( ص13).

"إن بلورة وإطلاق مشروع الإعمار في قطاع غزة سيكون مرتبطاً بالإيفاء بعدة مطالب، الهدوء الأمني من ـ وجهة النظر الإسرائيلية ـ، منع تعزيز قوة حماس العسكرية بغطاء خطوات الإعمار، وتسخير المجتمع الدولي في الإعمار، التعاون من قبل السلطة الفلسطينية، والتزام مصري بالخطة".

كما رأى الكتاب بأن إسرائيل ستضطر في وقت لاحق؛ التنازل عن مطالبها بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية كشرط لانطلاقة مشروع الإعمار؛ لدفع المقاومة إلى التنازل عن منظومتها العسكرية، التي تعد بالنسبة لها درعاً ضد محاولات نزع قوتها، بسبب الصعوبة المتوقعة في إعداد نظام دولي فاعل لتفكيك القدرات العسكرية التي تهدد إسرائيل.

فصل الأسماك عن البحر

بالرغم التفوق الكبير للجيش الإسرائيلي عسكرياً، وأنه يعمل دون ازعاج من الجو ومن البحر، ورغم الاستخبارات المتطورة التي يملكها، والوسائل الدفاعية المحكمة؛ فقد واجه صعوبة في اخضاع بضع آلاف من المقاتلين الفلسطينيين، يقول عوفر شيلح: عن عملية الجرف الصامد(العصف المأكول عام2014)، أنها عكست أزمة عميقة جداً في العقيدة الأمنية واستخدام القوة الإسرائيلية"، ورأى أن عقيدة جولات الردع التي قام بها الجيش هي طبعة استراتيجية، وعقيدة ذات طريق مسدود حسب زعمهم:" نظرية الردع التي تقوم على أساس معارك قصيرة ليست فاعلة، رغم تطور الدفاع الهجومي، عقيدة جولات الردع لن تتمكن من توفير استجابة على المدى البعيد لتحديات دولة إسرائيل الأمنية والاستراتيجية"

أقر الكتاب بأن هناك أزمة مفاهيمية في الجيش البري، وغموض في القضايا العقدية، فمازال الجيش الإسرائيلي مكبلاً بنظريات عمله القديمة، ففي وثيقة داخلية للجيش الإسرائيلي لعام 2012م، تناولت تعقيدات نظرية الحرب في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي جاء فيها" أشكال عمل إسرائيل في أحداث الحرب في العقد الأخير لم تتلاءم، والواقع الجديد، الأمر الذي عزز هذا التقدير هو الشعور بأن الجولة القادمة على الأبواب بالفعل، وأن ما كان عام 2006م، سيكون في المستقبل أيضاً".

اتجهت السياسة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة إلى تخفيف سياسة الإغلاق المفروض على قطاع غزة بعد جولات المواجهة الصعبة، واستنتجت الدراسة أن سياسة حماس التصعيدية، جاءت بهدف جعل إسرائيل تخفف من الإغلاق والحصار، وثبت لها أنها سياسة فاعلة، وبالرغم من التسهيلات الممنوحة لم تساعد على تغيير وضع القطاع بشكل جوهري، ولكن تأسس اعتراف إسرائيلي بأن حركة حماس هي السلطة، والعنوان الوحيد المسؤول في القطاع، بل وازداد الاستعداد من جانبها لتوصل إلى توافقات مع حماس يبتعها ترتيبات، وإن كان من خلال وسطاء سيما مصر.
يزعم المؤلفون أن التوتر في صفوف حركة حماس بين القيادتين السياسية والعسكرية قائم، سيما حول أولويات التنظيم في تخصيص موارد الاهتمام؛ فبينما ترى القيادة السياسة الدفع باتجاه تسريع إعمار القطاع، وترميم العلاقات بين حماس، ومصر، والمملكة العربية السعودية، تفضل القيادة العسكرية التقوي العسكري، وبالرغم من الخلافات في الرأي، يوجد بين الجناحين توافق على أن أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل لا تستوي مع مصلحة التنظيم.

كما يؤكدون أنه مع مرور عقد على سيطرة حماس على قطاع غزة، لوحظ أن مصر درست مواءمة نفسها مع هذا الواقع؛ من جهة تعترف بحماس كجهة مهيمنة تحكم القطاع، وتعتبر العنوان الرئيسي فيها، ومن جهة أخرى تستخدم حماس روافع نفوذها الفاعلة، التي تتضمن العصا والجزرة، بهدف أن تدفع وبشكل حقيقي مصالحها الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والحيوية، فمصر تعتبر حماس شريكاً ضروريا لتقويض الإرهاب في سيناء، وترى في إنهاء الانقسام الفلسطيني مصلحة قومية مصرية، وفرصة لتعزيز دورها الإقليمي، وتنظر بعين الرضى إلى إمكانية توثيق العلاقات الاقتصادية بين غزة وسيناء.

سياسة إسرائيل تجاه قطاع غزة

البعد الاستراتيجي في انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005م، أريد منه التخلص عن عبء القطاع، الذي يقارب تعداده اليوم مليوني نسمة، ووضع تحدي بناء الدولة المسؤولة، والعاملة أمام الفلسطينيين، وإحداث تغيير جوهري على صورة الصراع المتواصل؛ آثار الانفصال لم يأت حسب التوقعات؛ بعد حوالي نصف سنة من تنفيذه فازت حماس في الانتخابات التشريعية، وبعدها بعام سيطرت على القطاع، وفشلت كافة المشاريع الاقتصادية، والمدنية التي خطط لتنفيذها في اطار عملية بناء الدولة الفلسطينية، إذ استمرت المقاومة الفلسطينية المنطلقة من قطاع غزة ، وتعززت قوة حماس العسكرية من حينها إلى حد كبير.

على ضوء النتائج والآثار السلبية للانفصال وسيطرة حماس على القطاع، اتخذت إسرائيل سياسة التمايز بين قطاع غزة والضفة الغربية؛ هذه الفكرة تضمنت مكونين؛ أولهما خلق فجوة واضحة في مفهوم النمو الاقتصادي، والحكم ما بين القطاع والضفة الغربيةـ، وتحكمها في الضفة الغربية، التي تؤمن بالعملية السلمية ـ وتستبعد المقاومة العسكرية، وثانيهما: تقليل تأثير حركة حماس والتنظيمات الفلسطينية على ما يجري في الضفة الغربية؛ لمنع انتاج أفكار متطرفة، والحد من قدرات المقاومة في القطاع وانتقالها إلى الضفة، عدا عن هذا التمايز، اتخذت دولة الاحتلال سياسة الإغلاق لمنع تهريب السلاح، والوسائل القتالية الأخرى إلى القطاع، ومنع دخول المواطنين من القطاع إلى الأراضي المحتلة عام 1948م، عدا من الحالات الإنسانية.

أحكم الإغلاق المفروض على قطاع غزة، ومنع إدخال البضائع الاستهلاكية الوجودية للسكان في القطاع المشروطة، وازدادت الضائقة على القطاع، وارتفعت نسبة البطالة والفقر، ووصلت لأعلى معدلاتها، لكن حركة حماس لم تغير نهجها الأساسي في مقاومة الاحتلال؛ في اطار السعي لتقليص الإغلاق والحصار، ولكن إسرائيل لم تجد طريقة للتخلص من مسؤوليتها عما يدور في القطاع، سواء على المستوى العملي أو من ناحية الرؤية الدولية بخصوص دورها في هذا السياق.

"أيقنت دولة الاحتلال أنه ليس هناك حل لمشكلة قطاع غزة، وأنه ليس هناك بديل متوفر عن سيطرة حماس على المنطقة، تبلورت مصلحة إسرائيلية قصيرة المدى لتحقيق الهدوء المستمر، القائم على أساس خطوات خاصة من دون سياسة شاملة تمثل طريقة لتسوية الصراع على المدى البعيد علمياً، إسرائيل سلمت بحكم حركة حماس دون الاعتراف به رسميا كعنوان شرعي، من خلال اعتبارها عنواناً مسؤولاً عن قطاع غزة".

سياسة إيران تجاه غزة

سياسة ايران تجاه قطاع غزة محكومة بالميل الدائم لمساعدة أي جهة مقاومة لإسرائيل في الشرق الأوسط، فإسرائيل هي جرثومة غريبة في المنطقة، والحركة الصهيونية هي جهة امبريالية، واستعمارية تمثل في الحقيقة رأس الحربة المتقدم للولايات المتحدة الأمريكية، الذي يسمح لها بدفع مصالحها في المنطقة إضافة إلى ذلك، العداء تجاه إسرائيل يستخدم من قبل النظام الإيراني كأداة لتحقيق نفوذ وهيبة في العالم العربي، وعامل مساعد لتطلعها إلى قيادة العالم الإسلامي برمته، إحدى الأدوات المركزية الإيرانية في تصدير الثورة، ودفع المصالح والنفوذ الإقليمي هي دعم الدول والتنظيمات التي يستخدمها أيضا طرق الإرهاب ضد المصالح الإسرائيلية، والأمريكية، والغربية، وتعمل على تقويض الأنظمة الموالية للغرب.

إعمار قطاع غزة الحاجة الملحة

الوضع الحالي في قطاع غزة له عدة خصائص؛ الضائقة الاقتصادية والبنيوية، بالتالي انعكاساته الإنسانية الشديدة، التي من شأنها أن تتسبب بالتصعيد بين المقاومة ودولة الاحتلال، حكم حماس الشامل والمستقر، وإمكانية إيقاع الضرر الأكيد بحماس على ساحة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، في ذات السياق تضرر مكانة دولة الاحتلال الإقليمية والدولية، وقيود اشتراط اعمار القطاع بالتقدم الملموس صوب اتفاق فلسطيني- إسرائيلي، بل تم الاشتراط نزع سلاح المقاومة مقابل الاعمار، الذي يعني تجريد حركة حماس، وبقية الفصائل في القطاع من قدراتها العسكرية سيما البنى الصاروخية وامكانيات إطلاق قذائف الهون.

الضائقة في قطاع غزة كخلفية ومحرك للتصعيد باتجاه المواجهة بين الفصائل وإسرائيل والظروف الصعبة، وفقدان الأمل بحياة أفضل، ناهيك عن اندماج القطاع في اتفاق سياسي يوفر استجابة ولو جزئية للتطلعات الوطنية الفلسطينية إلى الاستقلال؛ سهلت على حماس  تسخير الدعم لموقفها السياسي، والقاضي  في أساسه استبعاد الحل السياسي للصراع مع إسرائيل من ناحية أخرى ومرة تلو مرة استخدام الكفاح ضد إسرائيل كأداة في يد الفصائل في محاولة اجبار دولة الاحتلال وجهات دولية على التخفيف من الضغط الممارس على القطاع، بهدف تحميل دولة الاحتلال مسؤولية الضائقة في قطاع غزة.

العداء تجاه إسرائيل يستخدم من قبل النظام الإيراني كأداة لتحقيق نفوذ وهيبة في العالم العربي، وعامل مساعد لتطلعها إلى قيادة العالم الإسلامي برمته
الأساس في خطورة حركة حماس من وجهة نظر الكٌتاب، هو قدرتها الثابتة على وضع دولة الاحتلال فيوضع لا يحتمل، فالرد العنيد على الاستفزازات العسكرية من حماس سيجر انتقادات حادة إثر الضرر غير الممتنع في الأرواح، والبنى في قطاع غزة، بينما الامتناع عن الرد سيجر انتقادات شعبية ضد صناع القرار الإسرائيلي.

جانب آخر لخطورة الوضع في قطاع غزة هو بقاء القطاع كمركز توتر بين دولة الاحتلال جهات أخرى مختلفة في الشرق الأوسط بحد ذاته؛ رغم أنه غير منفصل عن قضية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في مجمله، هذه الخاصية للوضع في القطاع تبرز بشكل خاص وقت جولات التصعيد، حيث تثبت مرة تلو أخرى قدرة دولة الاحتلال على التسبب بأضرار واسعة النطاق في الأرواح الفلسطينية والممتلكات في القطاع، جولات القتال هذه تسحب إلى الوراء علاقات إسرائيل الهشة أصلا مع دول مثل العربية السعودية، قطر، الإمارات المتحدة أو تركيا المستعدة أن تقيم علاقات من نوع ما مع دولة الاحتلال بالتوازي تؤجج الانتقادات بحقها في الشارع العربي والإسلامي.

مسألة التوتر أو الهدوء الأمني المتعلقة بالقطاع ترتبط بشكل خاص بعلاقات إسرائيل مع مصر، التي تخشى أن تتحمل مسؤولية ما يجري في القطاع، وكذلك من التصعيد في المنطقة، الذي سيشع على الساحة الداخلية في مصر، ويثير كوامن مختمرة على خلفية الدعم الشعبي لسكان القطاع، ما من شأنها أن تترجم أيضاً إلى ضغط على النظام ليخفف علاقاته الأمنية مع دولة الاحتلال، كذلك تمثل الضائقة في القطاع عاملاً مساعداً للعلاقات بين فصائل المقاومة وحركات الإسلام الراديكالي في القطاع وبين عناصر داعش العاملة في شبه جزيرة سيناء.

تعزيز القوة بعد الجرف الصامد

حسب التقديرات الموجودة تضم قوة حماس العسكرية نحو 16 ألف ناشط، يضاف إليهم حوالي 16 ألف من رجال الأجهزة الأمنية، الذين ينضم بعضهم إلى النظام العسكري وقت الحاجة، في عملية العصف المأكول تضمن نظام حماس العام 6 كتائب إقليمية، وأقيمت وحدات نخبة وقوة جوية- طائرات دون طيار، وماسحات لالتقاط الصور، وقوة بحرية، كذلك تضمن النظام العسكري، وحدات متخصصة بإطلاق قذائف الهاون والدفاع الجوي والتهريب، وعن أما الذراع البري" من أجل تأهيل القوة المقاتلة تقوم حماس بتدريبات مكثفة مع التركيز على التسلل إلى إسرائيل، ومهاجمة أهداف إسرائيلية واختطاف الجنود، بالإضافة إلى ترميم القوة النظامية...إحدى القدرات الهجومية المهمة التي تطورها حماس هي وحدة النخبة، التي هدفها تنفيذ هجمات داخل دولة الاحتلال عبر الانفاق الهجومية، القوة التي تضم حوالي 5000 مقاتل، وتتدرب أيضا على العمليات الدفاعية في القطاع، تركز التدريبات على التسلل، والانقضاض على موقع الجيش الإسرائيلي، أو على دورية للجيش، وقتل الجنود، وتدمير أدوات القتال، والانسحاب عبر الانفاق مع الجنود الإسرائيليين المأسورين أو جثث الجنود القتلى لاستخدامها كورقة مساومة لتحرير أسرى فلسطينيين" ص35

مبادئ بناء القوة

بناء قوة حماس العسكرية تقوم على أساس فهم الواقع الاستراتيجي بينها وبين دولة الاحتلال، وعلى أساس مجهود التغلب على دونيتها العسكرية، حماس تسعى إلى تطوير قدرات تمس بنقاط الضعف الإسرائيلية، وتصميم قواعد لعب لا تمكنها من استخدام أقصى تفوقها العسكري، وتجعل تفوقها التقني، واقتصادها الحديث، وتطلع مواطنيها إلى الحياة النوعية القابلة للتضرر؛ لذلك تبذل حماس مجهوداً في تطوير سلاح المدفعية، والقوة الجوية، والقوة البحرية، كذلك  توسيع المدى تحت الأرض من خلال حفر الأنفاق الحدودية، التي تمكنها من تشويش نمط الحياة داخل دولة الاحتلال، والإضرار بالبني التحتية، وتفرض عليها فترات قتال طويلة، وتجرها إلى رد عسكري يجعلها عرضة للضغوطات الدولية والانتقادات الداخلية. ص36

الأمن البشري والاتجاهات الإنسانية

مرت غزة ما بين الأعوام 2005 ـ 2017م؛ بسلسلة من التقلبات والأزمات، من بينها الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب عام 2005م، وفوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية على حركة فتح، الذي بلغ ذروته بسيطرة التنظيم على القطاع عام 2007م، وثلاث جولات من الحرب، وأعقب ذلك عزل قطاع غزة إلى حد كبير عن العالم، حيث حددت حركة الأفراد والبضائع أو منعت بالكلية " الجمع بين هذه الظروف أدى إلى تدهور المعايير الإنسانية، والاقتصادية في القطاع، وكلف السكان والبنى التحتية المدنية ثمناً باهظاً... يعتقد الكثيرون بأن الإغلاق المفروض على غزة تستخدمه إسرائيل في محاربة التهديدات الأمنية، لكنه فرض في الواقع كأداة لممارسة الضغط على المدنيين، وعلى الحاكم الفعلي في غزة( حماس) رغم تسجيل عدد من التغييرات في كل ما يتعلق بالوصول إلى القطاع والقيود المتبقية، والأعمال العدائية المستمرة والعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة".

العزلة والوصول المحدود

الوضع الإنساني الحالي السائد في قطاع غزة هو إلى حد كبير نتيجة لعزل القطاع عن العالم، ففي العقدين الأولين من الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة كان تحرك الأفراد غير مقيد في الأغلب، ولكن في السنوات الأخيرة فرضت بشكل تدريجي قيود على حركة الأفراد والبضائع، الوضع الصعب السائد اليوم في غزة هو في الحقيقة ذروة القيود، التي بدأت في بداية التسعينات، وازدادت في الفترة الأخيرة بعد سيطرة حماس على قطاع غزة.

مشكلة المياه في قطاع غزة مضاعفة ومتزايدة "الجمع بين النقص في مياه الشرب وعدم معالجة مياه المجاري، عدم الوصول الأمن والكافي لمياه الشرب والطبخ والاستحمام يعرض سكان القطاع للخطر، كما أن أكثر من 10800متر مكعب من مياه المجاري غير المعالجة تتدفق يومياً من غزة إلى البحر المتوسط،  رغم أن هذه المشاكل ليست جديدة، إلا أن وضع البنى التحتية المتدهور حثيثا، والقيود الخطيرة المفروضة على استيراد مواد البناء، ومضخات الماء، والتيار الكهربائي المتقلص أدى في السنوات الأخيرة إلى تسارع أزمة المياه، وتفاقم المخاطر الصحية المتعلقة بالماء.

أخيراً: إن الاطلاع على مثل تلك الدراسات تسهم في استشراف المخططات الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، وتضع القارئ أمام رؤى إسرائيلية متباينة حول مستقبل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي من نظر صناع القرار السياسي الإسرائيلي، وتكشف حقيقة الطروحات الفكرية، التي ينطلق أغلب واضعيها من توجهات عسكرية بالدرجة الأولى، وتؤخذ قراءاتهم على محمل الجد من أصحاب القرار.
التعليقات (0)