ملفات وتقارير

"فورين بوليسي" تفضح موقف واشنطن من مصر

السيسي وكيري
السيسي وكيري
 
لماذا تقوم الإدارة الأمريكية بإعطاء النظام العسكري في مصر بطاقة مرور مجانية؟
يبدو أن ذلك مرتبط بمحاولة الإدارة تلطيف لهجتها مع النظام الحاكم في مصر أي "الكلام المعسول" الذي يعجب حلفاء واشنطن في الخليج مقابل مضي إدارة باراك أوباما في استراتيجيتها المتعلقبة بالمحادثات مع إيران.

 ويرى  مارك لينتش في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الإدارة الأمريكية تعتبر عقد اتفاق مع  طهران أهم إنجاز استراتيجي – سياسي منذ كامب ديفيد. وضمن هذا السياق لم تعد مصر مركز  صناعة القرار في العالم العربي، وأصبحت بعد الإنقلاب مجرد عرض هامشي لواشنطن، خاصة أن أحداً في القاهرة لا يرغب في الإستماع لنصائح واشنطن، وهذا يفسر إلى حد بعيد الرغبة الكلامية عند وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي لا يتوانى عن إيجاد طرق يعبر فيها عن قبوله للنظام العسكري المصري.

 ففي زيارته الأخيرة لمصر، قال إن تعليق المساعدات الأمريكية لمصر "ليس عقاباً" وتجنب الحديث عن موضوع محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، مع أن زيارته تمت قبل يوم من محاكمته.

 ويبدو كيري كما يقول لينتش راغباً في التظاهر بأن مصر تسير على طريق الديمقراطية، ويؤمن بأن الدولة المعادية للديمقراطية وهي الإمارات تريد دعم التحول الديمقراطي في مصر. وكانت آخر تصريحات كيري هي "مصادقته على رواية النظام التي تدّعي أن الإخوان المسلمين "سرقوا" الثورة، لأنهم فازوا بانتخابات حرة ونزيهة دعمتها واشنطن بقوة.

 فلماذا إذاً يقوم كيري بإنتاج هذا الكلام؟ والجواب على ذلك  متعلق بالإدارة الأمريكية التي تواجه تحديات إقليمية صعبة وتوصلت لقناعة أنها لن تنجز أي شيء مع مصر المنقسمة. وبناء عليه فلن يكون لها إلا تأثير قليل على مسار الأحداث بسبب العداء لأمريكا بين قطاعات النخبة السياسية المصرية، وبسبب استعداد دول الخليج لتعطيل أية محاولة أمريكية لتعزيز نفوذها على الوضع المصري. فإيران وسورية تمثلان أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.

ومع استمرار الحرب الأهلية السورية فإن كثيرا من اللاعبين الخارجيين فيها ليسوا راغبين بدعم الخطوة الأمريكية لعقد مؤتمر سلام لوقفها. ويعتقد أن حسابات أمريكا مفهومة طالما لم يعتقد أي من رموزها أن مصر فعلاً تسير نحو الديمقراطية. و"لكنني أشك أن أحداً في الإدارة يشتري هذا الكلام المعسول".

 ويرى الكاتب غرابة في الجدل حول تعريف ما حدث في مصر في 3 تموز/ يوليو؛ إن كان انقلابا أم غير ذلك، مع أنه حسب تعريفات السياسة انقلاب بكل ما تحمله الكلمة من معنى: تدخل الجيش، واعتقال الرئيس المنتخب وتعليق للحكم المدني.

 ومنذ  تموز/ يوليو فعل قائد الإنقلاب كل ما بوسعه ليؤكد فكرة الإنقلاب، مثل ملاحقة واعتقال وترويع مؤيدي النظام السابق، والتحكم بالإعلام، وإخراج مسرحي لعملية دستورية تحمي مكتسبات العسكر. والغريب أنه كلما اتضحت للعيان طبيعة النظام في مصر، حاولت واشنطن  الهروب من استحقاقاته السياسية والقانونية. وقد يختار كيري التظاهر بأن مستقبل مصر زاهر، لكن الإدارة تفهم حقيقة أن الإنقلاب دمر السياسة المصرية في المستقبل المنظور.

 ليس لدى الخارجية الأمريكية وهمٌ حول أن الجيش المصري يملك أية إجابة لحل الوضع الإقتصادي أو النظام السياسي المهتز، ولا إنقاذ المؤسسات المتداعية. وفي الوضع العادي هناك حاجة للعودة للانتخابات والحكم المدني، لكن "خريطة الطريق" لا تقود إلى أي طريق. فالعملية الدستورية والانتخابات البرلمانية لا يقصد منها سوى بناء وجه مدني للحكم العسكري.

 وسيتم إقرار دستور السيسي الجديد بأغلبية، كما سيفوز أنصار السيسي بسهولة، وفي حالة قرر الفريق نفسه الترشح للرئاسة، فسيقوم بإنشاء مظلة سياسية له أو حزب يحمل وصف "وطني" و"ديمقراطي" كما فعل مبارك من قبل. وسترى الإدارة الأمريكية في التطورات المباركية الجديدة مبررا كافيا لعودة العلاقات مع مصر إلى ما كانت عليه من قبل. ولكن مشاكل مصر باقية، وستواجه الرئيس الجديد كما واجهت من قبله مرسي وحسني مبارك. ويعتقد أن إشعال مشاعر العداء ضد الإخوان، وبناء صورة  القائد المحبوب، وجرف أموال الخليج في موقده لن تفعل الكثير سوى شراء الوقت، وسيعود في النهاية العنف والاحتجاج ضد السيسي.

ولن يكون بمقدور الجنرالات وداعميهم من دول الخليج إعادة الساعة إلى الوراء، لعام 2010 سواء في مصر أو المنطقة.

 ويختم بالقول أنه إذا كان الهدف من حركات التعظيم التي تصدر من كيري تجاه السيسي هو تخفيف حدة غضب الرياض وأبو ظبي، كي تتمكن واشنطن من توقيع اتفاق مع إيران، فهذا ثمن يستحق أن يُدفع، لأن وهم التقدم الديمقراطي سيتلاشى بسرعة مع أول أزمة تندلع في القاهرة.
التعليقات (0)