ملفات وتقارير

محكمة أمن الدولة الأردنية.. لا زال السجال محتدما

معارضون اردنيون يتظاهرون ضد محكمة أمن الدولة (ارشيفية)
معارضون اردنيون يتظاهرون ضد محكمة أمن الدولة (ارشيفية)
استقبل الإعلام الرسمي الأردني بشيء من الفخر والاعتزاز توجيهات الملك عبد الله الثاني مطلع ايلول/سبتمبر الجاري لرئيس الحكومة عبد الله النسور بتعديل قانون محكمة أمن الدولة وحصر صلاحياتها على جرائم الخيانة والتجسس والإرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة، لتتوافق مع التعديلات الدستورية التي جرت عام 2011 .

ويناقش البرلمان الأردني حاليا مشروع قانون محكمة أمن الدولة المعدل.

ويعتقد مؤيدو الحكومة أن هذا الإجراء يعد قفزة في طريق الاصلاح الذي انتهجته المملكة مستفيدة من زخم الربيع العربي، لكن قانونيين ومعارضين يرون فيه خطوة زائفة، لا تعدو كونها إضفاء شرعية على محكمة غير دستورية أصلا.

ولم يحسم التوجه الجديد السجال حول شرعية محكمة أمن الدولة، وهي محكمة خاصة كما ينص قانونها، صدر منتصف القرن الماضي، "في أحوال خاصة تقتضيها المصلحة العامة يحق لرئيس الوزراء ان يشكل محكمة خاصة واحدة أو أكثر تدعى محكمة أمن الدولة تؤلف كل منها من ثلاثة من القضاة المدنيين و / أو القضاة العسكريين يعينهم رئيس الوزراء بناء على تنسيب وزيرالعدل بالنسبة للمدنيين، رئيس هيئة الاركان المشتركة بالنسبة للعسكريين".

ويؤخذ على محكمة أمن الدولة أنها محكمة تنشئها السلطة التنفيذية وتعين قضاتها وهي خارج ولاية السلطة القضائية.

لكن الدولة وفي ظل الجدل الدائر حول المحكمة، وفي ظل هبوب رياح الربيع العربي، قررت تقليص صلاحياتها وفق نص دستوري، بحيث نص الدستور المعدل على أنه "لا يجوز محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين، ويستثنى من ذلك جرائم الخيانة والتجسس والإرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة".

وبالرغم من أن النص الدستوري السابق يحتمل إمكانية إنهاء تحويل المدنيين إلى محكمة أمن الدولة باستثناء الجرائم الخمس المنصوص عليها، إلا أن الحكومة السابقة برئاسة فايز الطراونة استقرت على فهم آخر -يحتمله النص الدستوري أيضا- وهو تشكيل هيئات مدنية  داخل محكمة أمن الدولة للنظر بنفس القضايا التي تنظر فيها بموجب أحكام قانونها، وبهذا يكون الشخص المدني يحاكم أمام قضاة مدنيين وهو ما يعتبر انصياعا للنص الدستوري.

مشروع القانون الذي يناقشه البرلمان حاليا انتصر لرؤية حكومة الطراونة، بحيث أبقى على محاكمة المدنيين أمام محكمة أمن الدولة، لكنه يشترط أن يكون القضاة مدنيون. 

ويشير رئيس الوزراء الأسبق د.عدنان بدران في حديث لوكالة االانباء الرسمية "بترا" الى أن تعديل القانون يضع الأمور في نصابها المدنية الصحيحة، ويجعل مسؤولية القضايا كافة للقضاء المدني، باستثناء ما يتعلق بالأمن الوطني، وهذا النهج متعارف عليه في كل ديمقراطيات العالم.

ورغم ذلك، وبعد أقل من شهر من إعلان التوجيهات الملكية أحالت الحكومة اثنين من الصحفيين إلى محكمة امن الدولة بتهمة تعكير صفو العلاقات مع دولة صديقة، وتم توقيفهما في السجن، رغم أن قانون المطبوعات والنشر الأردني يحظر إيقافف الصحفي بتهمة تتعلق بالرأي.

نقيب المحامين السابق صالح العرموطي لا يرى في الخطوة الحكومية أي تقدم تجاه الإصلاح؛ فمحكمة أمن الدولة من وجهة نظره محكمة غير دستورية، فهي "محكمة استثنائية وليست خاصة، لأنها لو كانت خاصة كان يجب ان تخضع لسلطة مجلس القضاء الاعلى، لكنها تخضع الآن لسلطة الحكومة ووهو ما يخالف الدستور".

ويذهب العرموطي بعيدا حين يقول إن الحكومة ستبقى لها اليد الطولى، ويمكنها إحالة أي مواطن للمحكمة ضمن بند الإرهاب أو جرائم المخدرات، وهو ما جرى مع نشطاء الحراك الموقوفين لحساب محكمة أمن الدولة بتهمة تقويض نظام الحكم.

ويضيف العرموطي في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إن التعديلات المرتقبة على القانون يمكن أن تؤدي إلى "عسكرة المحكمة تماما"، بحيث يصبح كل قضاتها عسكريون فيما يتعلق بالجرائم الخمس المنصوص عليها في الدستورر، في حين أن القانون الحالي يتيح للحكومة اختيار قضاة مدنيين ضمن قضاة المحكمة.

ويرى المحامي هاني الدحلة الرئيس السابق للمنظمة العربية لحقوق الانسان أن محكمة امن الدولة لا زالت كابوسا وسيفا مسلطا على رقاب المواطنينن خصوصا فيما يتعلق بالقضايا السياسية والحريات وقضايا الرأي.

ويعتقد الدحلة في تصريح خاص لـ"عربي21" ان بقاء اختصاص المحكمة على قضايا الارهاب، وقضايا قدح المقامات العليا، يمكَن السلطة التنفيذية من التلويح بسيفها تجاه المعارضين متى شاءت.

لكن أخطر ما في الأمر  كما يرى الدحلة هو تكييف القضايا؛ بحيث يمكن للسلطة التنفيذية تحويل القضيية العادية إلى قضية امن دولة.

من جهته، يؤكد الناشط حسن سعدي أبو شاور والذي اعتقل مرارا كان آخرها فيما يسمى "هبة تشرين" نهاية 2012 أن السلطات لطالما استخدمت محكمة أمن الدولة لتهديد المطالبين بالإصلاح، وكبت الحراك المعارض والحريات، مشيرا إلى أن "الجديد  في القانون المعروض هو محاكمة هؤلاء المطالبين بالديموقراطية بتهم جديدة يتم تكييفها كشكل من أشكال الانتقام السياسي".

يذكر أنه في الفترة الواقعة بين 1 نيسان 2012 وحتى 22 تشرين الثاني 2012 أحيل 56 مواطنا لمحكمة أمن الدولة بتهمة تقويض نظام الحكم.
0
التعليقات (0)