كتاب عربي 21

المقاطعة وحدها لا تكفي!

سليم عزوز
1300x600
1300x600
لا يكفي أن نقاطع الاستفتاء علي "وثيقة الانقلاب"، التي يُطلق عليها دستوراً، فالمقاطعة وحدها لا تكفي لمواجهة هذا الانقلاب في أول احتكام من قبله للشعب المصري. 

فالدعوة للمقاطعة وأن يلزم المرء داره ويبكي علي خطيئته، لن تؤدي الغرض، لذا لابد من التظاهر في كل مكان، وأن يكون ميدان التحرير هدفاً للمتظاهرين.

هذه أول مرة، أدعو فيها لمقاطعة إجراء انتخابي، وكنت قد قدت حملة عظيمة ضد جبهة "الإنقاذ" عندما قررت مقاطعة الانتخابات البرلمانية التي دعا إليها الرئيس محمد مرسي، وكنت قد عقدت العزم علي خوض هذه الانتخابات علي قوائم الجبهة، فقد كان شعاري لابد من إسقاط حكم الإخوان بالانتخابات وعن طريق صناديق الاقتراع، وقتها كنت اعتقد أن الإنقاذ جبهة المعارضة الوطنية، وأن تصدر المشهد فيها من كان ولاؤهم لحكم حسني مبارك مقطوعاً به، ولم أكن أعلم أن نية "الإنقاذ" مبيتة علي الانقلاب علي المسار الديمقراطي، وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.

عندما مثلت الطرف الثاني في المناظرة مع أحد قيادات الأحزاب الليبرالية، هو من قدم للانقلاب حازم الببلاوي القيادي به رئيساً للحكومة في وقت لاحق، كان كلانا ينتمي إلى فصيل سياسي واحد، هو الذي يمثل المعارضة لحكم الإخوان، وكانت المناظرة علي قناة "أزهري". 

ولم يبد صاحبي تخوفاً من تزوير الانتخابات، لأنه كان يعلم أن الحديث عن التزوير هو للاستهلاك المحلي، فلم يكن عندنا أدني شك في أن حكم الإخوان يمكنه أن يزور الانتخابات.

بدا لي أن " الإنفاذ" تخشي من الاحتكام للشارع، وهي مشكلة الذين يمارسون السياسة من علي قاعدة الاستشراق، ولا دراية لهم بالشعب المصري، وهؤلاء هم الذين تحدثوا حد الملل مؤخراً عن أن الصناديق ليست المعيار المهم في عملية الاحتكام للشارع، وكأن الانقلابات العسكرية هي النموذج الديمقراطي الذي يشار له بالبنان!.

فلم يعد خافياً علي أحد أن معارضة الإخوان، كانت فاقدة للأمل في أن تقضي عليهم شعبياً، فكان القرار باللجوء إلى العسكر ليتم إجلاؤهم عن الحياة السياسية بقوة السلاح.

في المناظرة، كان رأيي أن المقاطعة ليست قراراً سياسياً، وضربت مثلاً بالمقاطعة التي جرت لانتخابات سنة 1990، إذ كانت المعارضة قد طلبت من نظام مبارك ضمانات لانتخابات برلمانية نزيهة، ولما لم يستجب كان القرار بالمقاطعة وكان رأيي ان ضعف الأحزاب بدأ من تاريخ مقاطعة هذه الانتخابات!

وعلي الرغم من أن مناظري دافع وهو علي الهواء عن قرار جبهة "الإنقاذ" بالمقاطعة إلا أن ما حدث بين الكواليس، ولم أذعه إلى الآن، أن الرجل وفي حضور فريق العمل قبل وبعد البرنامج أعلن تأييده للمشاركة، لكنه مضطرا للدفاع عن قرار ليس موافقاً عليه، وفي وقت لاحق أعلن حزبه أنه قد يشارك في الانتخابات البرلمانية لكنه تراجع بعد ضغوط، من الأحزاب الحليفة المشكلة لـ "الإنقاذ"، يبدو لأنه لم يكن مطلعاً بشكل كامل علي خطة الانقلاب علي الشرعية.

بيد أن الأمر مختلف الآن، فنحن أمام حالة فاسدة، والمشاركة في الاستفتاء ولو بـ " لا" ستعطي شرعية لهذا الانقلاب، ويجب أن نتمسك بالقاعدة الشهيرة التي تقول أن ما بني علي باطل فهو باطل.

وقبل هذا وبعده، فلدينا يقين لا يتزعزع بأنه سيجري تزوير الاستفتاء ليصلوا بالمشاركين فيه إلى عدد مناسب للبهتان الذي روجوا له من أول يوم من أن من وقعوا علي استمارات تمرد 22 مليون مصري، ومن شاركوا في مظاهرات 30 يونيه هم 34 مليون في قول.. و40 مليون فرد في قول آخر، وبعد أن استقر في وجدان الجميع أن هذه الأرقام تنتمي الي أساطير الأولين، فإن جماعة الانقلاب إلى الآن لم تعترف بأنها اقترفت كذباً!.

علي أكثر تقدير فإن من سيشاركون في هذا الاستفتاء لن يزيدوا عن أربعة ملايين مواطن، هم الذين قالوا " لا " للتعديلات علي الدستور في مارس2011، ومثل المسيحيون طليعة هؤلاء، وإن كان أمثالي من الذين قالوا "لا" قد خرجوا من هذا العدد فقد انضم إليه حزب " النور" الذي قال في السابق بأن " نعم لله ورسوله"، بعد أن تخلت عنه الآن فصائل سلفية كانت تنتمي إليه، وشكلت أحزاباً مختلفة، ومن حزب "الوطن"، الى "البناء والتنمية"، وبينهما أحزاب كالأصالة والفضيلة، كانت في تحالف مع هذا الحزب خرجت منه بعد الانقلاب.

المسيحيون الأرثوذكس سيمثلون طليعة المشاركين إذن، لأنهم كانوا جزءاً من الانقلاب، بل ومن حكم مبارك، وفي ثورة يناير أعلن البابا شنودة أن المسيحيين يؤيدون مبارك، وفي انقلاب يوليو، كان البابا تواضروس جزءاً من ديكور الانقلاب، وقد دعا أتباعه للخروج للمشاركة في الانقلاب علي الرئيس الشرعي للبلاد.

الاحتياطي الاستراتيجي لسلطة الانقلاب بعد الحضور المسيحي يتمثل في معسكرات الأمن المركزي، وفي المجندين بالجيش، وهؤلاء سيجري استدعاؤهم للمشاركة في التمثيل بهذا الفيلم الهابط، فيلم الاستفتاء علي "وثيقة الانقلاب"، وبدور الكومبارس، " كالمجاميع" التي يتم جلبها في الأعمال الدرامية!.

والهدف أن تكون هناك "طوابير طويلة" أمام اللجان، لكي يتم نقل الصورة للخارج للتأكيد علي أن "خريطة المستقبل" تجد قبولاً جماهيريا واسعاً، وهذه الصور الملتقطة ستمكن من تزوير أعداد المشاركين، كما زوروا أعداد الذين حضروا في 30 يونيه ويوم الدعوة للحصول علي تفويض بقتل الناس، عن طريق الفوتوشوب!.

ومن هنا لا يجوز لنا أن نفوت فرصة أن نشغلهم بأنفسهم، وبدلاً من حشد المجندين الي اللجان، فينبغي شغلهم بالمظاهرات، وحصارها، ولأن العالم كله ستكون عيونه في هذه اللحظة علي مصر، فلنسمعه صوت الثورة من جديد، ووكالات الأنباء الأجنبية التي ستغطي الاستفتاء سنحملها علي أن تغطي المظاهرات حتى وان تمت استمالة العاملين في مكاتب مصر أمنياً، لأن قيادات هذه الوكالات والصحف ستتابع الموقف بنفسها، ولا يمكن بالتالي للمستخدمين في القاهرة، أن يعتموا علي هذا المشهد!.

أعلم أن القسوة التي عليها قوات الأمن الآن في التعامل مع المظاهرات تستهدف منع خروج دعاة الشرعية في يومي الاستفتاء، لكن هذه القسوة سيكون لها ثمن، فلن نمكن القوم من أن ينصبوا " فرح العمدة" ابتهاجاً بالموافقة علي دستورهم ولو بالتزوير.
من الآخر، فلتكن دعوتنا: " قاطع، وتظاهر".
2
التعليقات (2)
متعاطف وكاره للقرصنة
الإثنين، 23-12-2013 12:08 م
الأمر مختلف الآن، فنحن أمام حالة فاسدة، والمشاركة في الاستفتاء ولو بـ " لا" ستعطي شرعية لهذا الانقلاب، ويجب أن نتمسك بالقاعدة الشهيرة التي تقول أن ما بني علي باطل فهو باطل.
seham
الإثنين، 23-12-2013 11:55 ص
اوجز فأنجز - كلام سليم