مقالات مختارة

تركيا.. والموقف الصحيح!

صالح القلاب
1300x600
1300x600
أيُّ إرتباك في تركيا سيؤدي، إنْ لم تجرِ معالجته وبسرعة، إلى مضاعفات خطيرة فالمنطقة غير مستقرة والإقليم يشهد متغيرات متسارعة لا يستطيع أيٌّ كان الجزم بما ستنتهي إليه وكل هذا بينما هذا البلد، بجغرافيته وبعدد سكانه وبتاريخه وبإمكانياته وبعضويته الرئيسية والمميزة في حلف شمالي الأطلسي، لا يمكن إلاَّ أنْ يكون لأيِّ خلل فيه تأثيرات مباشرة على الدول العربية القريبة والبعيدة.

 فهو حلقة رئيسية في هذه السلسلة الشرق أوسطية وهو يجاور الأزمة السورية التي غدت مستعصية ويجاور أيضاً الأزمة العراقية التي يبدو أنها باتت أشد إستعصاءً وهو يطل كذلك على الصراع العربي-الإسرائيلي ويلامس وإنْ عن بعد مصر ومعظم دول أفريقيا الشمالية.

ربما أنَّ هناك من فرح لغرقِ رجب طيب أردوغان في أزمة جاءت عشية الإنتخابات المرتقبة التي باتت على الأبواب وذلك من قبيل «الشماتة» السياسية نظراً لإنحيازه غير الموفق والفجِّ أيضاً إلى جانب الإخوان المسلمين وتنظيمهم العالمي ضد حركة الثلاثين من حزيران (يونيو) التي نفذتها القوات المسلحة المصرية إستجابة لرغبة الشعب المصري.

 لكن على هؤلاء الشامتين أنْ يدركوا أنه من الخطأ والخطل أيضاً النظر إلى مسألة بكل هذا الحجم وبكل هذا التأثير وبكل إرتداداتها المتوقعة من زاوية عين حولاء عاجزة عن رؤية المشهد كله ولا يهمها إلاَّ التركيز على ما يعتبر قضية مصيرية لصاحبها.

ولهذا فإنه على الذين يهمهم فعلاً هذا البلد، الذي بقي يلعب أدواراً رئيسية وإستراتيجية حتى في فترات إعيائه وضعفه، أنْ يتصوروا ماذا من الممكن أن يحدث في هذا الإقليم الشرق أوسطي كله إذا تفجرت تركيا لا سمح الله وأصبحت حالها كحال العراق وكحال سوريا وإذا أصبحت غير قادرة على ضبط النزعات الإنشطارية والإنفصالية التي تشجعها وتدعمها دول مجاورة لبعضها مع تركيا ثارات كثيرة تاريخية!!.

إنَّ هذه مجرد مخاوف محقة ومجرد توقعات تستند إلى ما تشهده هذه المنطقة من إنهيارات وتشظيات لا يمكن التكهن بأيِّ نهاية مأساوية ستنتهي لكن إذا أردنا الحقيقة فإنَّ رجب طيب أردوغان لايزال قوياً وأن حزبه، حزب العدالة والتنمية، سيفوز بالتأكيد في الإنتخابات المقبلة إنْ هي جرت في مواعيدها المحددة وإنَّ المعارضة التركية لا تزال غير قادرة على الوقوف على أقدامها ولا تزال أضعف كثيراً من أنْ تقطف لحظة ترى أنه قد حان قطافها.

 ثم وإن الجيش التركي، الذي لم يعد جيش إنقلابات عسكرية بعد تخلصه من غالبية جنرالاته «الأتاتوركيين»، لا يزال هو حارس هذه القلعة وهو لن يسمح بأن يصبح حال تركيا كحال العراق وكحال سوريا.

لا شك في أن ما جرى يعتبر هزة كبيرة وخطيرة لكن الواضح أنَّ رجب طيب أردوغان، بما يملكه من إمكانيات وبما في بلده من معطيات وأولها الإنجازات الإقتصادية التي حققتها تركيا في سنوات حكم «العدالة والتنمية»، قادر على أن يترجم ترجمة فعلية وحقيقية تلك الحكمة القائلة :»إنَّ الضربة التي لم تقتلني من المفترض أنْ تقويني».

 لكن بشرط أنْ يبتعد عن النزعة الثأرية وأنْ يبادر وبسرعة إلى مراجعة فعلية ونقدٍ ذاتي يبدأه بنفسه وبحيث يعود ليتصرف كرئيس لدولة تعددية محورية من مصلحتها الإبتعاد عن المواقف النزقة وعن دبلوماسية الإنعطافات المفاجئة الحادة.

 ثم وقبل هذا وفوق هذا كله ألاَّ يتعامل مع زملائه الذين يخالفونه الرأي بأساليب التصفيات المدمرة فالوضع لا يحتمل هذا والمطلوب، عندما تصبح الأوضاع في الشرق الأوسط هي هذه الأوضاع الخطيرة، هو إستيعاب الجميع وهو البحث عن مساحات الإلتقاء والتفاهم والتعاون وهو تأجيل حسم الخلافات الثانوية والشخصية.

لا ضرورة إطلاقاً لتغليب حسابات الإخوان المسلمين ومصالحهم التنظيمية والسياسية على حسابات دولة محورية بكل هذا الحجم وكل هذا التأثير هي تركيا الجديدة التي في عام 2023 ستتم المئوية الأولى من عمرها وبالمقابل فإنه لا يجوز بالنسبة إلينا كعرب أن تكون مواقفنا مما يجري في هذه الدولة الشقيقة والعزيزة، التي لنا معها بالإضافة إلى التاريخ الطويل ألف مصلحة ومصلحة، على أساس المناكفة والشماتة وإنطلاقاً من ردات الفعل الآنية تأثراً بالموقف غير المبرر إطلاقاً الذي إتخذه رجب طيب أردوغان تجاه ما جرى وما لا يزال يجري في مصر من تغيرات سيكون الحكم بشأنها للمستقبل القريب.

(الرأي الأردنية)
التعليقات (0)