كتاب عربي 21

هل أنت على قائمة الاغتيالات ؟

1300x600
1300x600
أكدت حركة النهضة أن المصالح المختصة بوزارة الداخلية قد أعلمت السيد راشد الغنوشي بوجود مخطط لاغتياله. أما عن الجهة التي تقف وراء ذلك، فقد صرح رئيس الحركة بأن "المستفيدين هم الذين اغتالوا الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والراغبين في تعطيل المسار الديمقراطي للبلاد". ويفهم من هذا السياق أن الذين يفترض فيهم - من الزاوية الأمنية - القيام بذلك هم منتمون إلى جماعة " أنصار الشريعة "، باعتبارهم قد سبق أن تم اتهامهم بتصفية القياديين المذكورين أعلاه في ظروف مأساوية كادت أن تورط البلاد في أزمة قاسمة للظهر. 

ليس الشيخ راشد الغنوشي هو المستهدف الوحيد، إذ تروج في تونس منذ أشهر قائمة لشخصيات تعرضت للتهديد أو اكتشفت أسماءها في وثائق تم حجزها أو كانت على ملك خلايا أو أفراد يوصفون حاليا بالإرهابيين. وتنتمي هذه الشخصيات السياسية إلى أحزاب مختلفة الاتجاهات. وإذ تشكل "الجبهة الشعبية" ذات المنحى اليساري المتجذر وكذلك القومي الطرف الأكثر عرضة لخطر التصفية، إلا أن هناك آخرون وجدوا أنفسهم مهددين مثل السيد أحمد نجيب الشابي رئيس الهيئة التأسيسية للحزب الجمهوري، إلى جانب إعلاميين ونشطاء بالمجتمع المدني. 

ومما أضفى مزيدا من الغموض على هذا التوسع في عدد الذين يخضعون حاليا للمراقبة الأمنية اللصيقة من قبل الأجهزة المختصة، تأكيد المخابرات على وجود معلومات قيل بأنها شبه مؤكدة حول احتمال استهداف مؤسسات أو مواقع سياحية أو شخصيات، وذلك بالتزامن مع الاحتفال برأس السنة الميلادية، وهو ما دفع نحو تشديد الرقابة وتكثيف الحملات الأمنية.

الجديد فعلا في هذا المسلسل المرعب الذي فرض على التونسيين هو الأسباب التي قد تكون وراء التفكير في اغتيال شخصية مثل راشد الغنوشي، الذي يقود أكبر حزب إسلامي في البلاد. إذ كشفت العمليتان السابقتان أن الطرف العلماني هو المستهدف بشكل رئيسي، وذلك لاعتبارات دينية وأيديولوجية وسياسية، فماذا حدث حتى تعيد المجموعات المسلحة ترتيب أولوياتها، هذا إذا صحت معلومات وزارة الداخلية؟

لا نملك في هذا السياق إلا الإشارة إلى ما يلي:

أولا : يوجد في صفوف حركة النهضة من لا يصدق إلى حد الآن بأن الاغتيالات والمواجهات العسكرية هي من صنع التيار السلفي الجهادي. ويشكك هؤلاء في الرواية الرسمية التي قدمتها وزارة الداخلية وتحت مسؤولية رئيس الحكومة علي لعريض. كما أن هناك من بين قادة الحركة مثل حبيب اللوز والصادق شورو من يدافع بقوة عن جماعة أنصار الشريعة، ويشاطرهم عديد التوجهات والمواقف باستثناء اللجوء إلى العنف. هذا يعني وجود تباين بين موقف الحكومة التي تقودها حركة النهضة وبين أطراف متعددة داخل الحركة التي تعتقد بوجوب وضع حد لهذه الحرب المفتوحة ضد جماعة تشكل جزء من ظاهرة الإسلام السياسي.

ثانيا: عمل الشيخ راشد الغنوشي منذ عودته من لندن على احتواء التيار السلفي بكل مكوناته، بما في ذلك أنصار الشريعة. وشجع على ربط علاقات حوار وتعاون معهم. وعمل على إقناعهم بأن الهدف الذي يسعى إليه الجميع هو واحد، ويتمثل في "تعزيز الإسلام وقيام دولته". ودعاهم في لقاءات خاصة إلى تبني المرحلية والصبر حتى تضمن حركة النهضة ولاء المؤسسات الرئيسية مثل الجيش والأمن والإعلام ورجال الأعمال. وهو ما أثار عليه القوى السياسية والمجتمع المدني، بعد أن تسرب شريط الفيديو الذي كان يتحدث خلاله الغنوشي في جلسة خاصة مع عدد من المحسوبين على التيار السلفي.

لكن وإن نجحت مثل هذه الجهود نسبيا مع المجموعات المنتمية للتيار السلفي الإصلاحي أو العلمي، إلا أنها فشلت بشكل كامل مع " أنصار الشريعة" التي شنت هجوما كاسحا على حركة النهضة، واتهمتها بالتخلي عن "المشروع الإسلامي" على إثر تنازلها عن مصطلح الشريعة الإسلامية في الدستور. كما اعتبرت أن "حزب النهضة" يفضل "إسلامًا مقبولاً من وزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، إسلامًا يقبل بشواطئ العراة وأندية الميسر" وفق ما جاء على لسان زعيم تنظيم القاعدة " أيمن الظواهري" الذي شن هجوما كاسحا على الغنوشي، وهو ما أدى إلى تعميق القطيعة بين الطرفين. 

مرة أخرى، إذا تأكدت معلومات الأجهزة الأمنية حول احتمال التخطيط لاغتيال زعيم حركة النهضة، فإن ذلك يؤشر على حدوث تحول نوعي في التفكير السياسي لدى جزء من التيار الجهادي على الأقل، والذي نتيجة معركته المفتوحة ضد حكومة الترويكا، قرر أن يوسع حربه مع الشق المعتدل داخل حركة النهضة، وبالتالي نقل جزء من المعركة إلى صلب الإسلام السياسي في تونس.

تعتبر هذه فرضية مهمة، دون إسقاط الفرضية الأخرى التي تستند على القول بوجود طرف خفي أو مرتبط بجهة إقليمية ليس من مصلحتها نجاح عملية الانتقال الديمقراطي في تونس، ولهذا تستغل التناقضات القائمة بين الطرفين الإسلامي والعلماني، لتزيد من إرباك الوضع العام، واستنزاف القوى السياسية والاجتماعية من أجل الإجهاز على الجميع في مرحلة قادمة. وهي فرضية طالما رددها الغنوشي نفسه، لكن السؤال الذي لا يزال معلقا بدون إجابة مقنعة: ما هي هذه الجهة التي تعمل منذ ثلاث سنوات في الظلام ؟  
التعليقات (0)