كتاب عربي 21

الدولة "الإسلامية" في العراق والشام .. تتمرد على القاعدة (2)

1300x600
1300x600
شكّل إعلان أبو بكر البغدادي أمير "الدولة الإسلامية في العراق"  في التاسع من إبريل/ نيسان 2013 ضم "جبهة النصرة" إلى دولته وتدشين قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، لحظة فاصلة في بروز تمرد الفرع العراقي على القيادة المركزية للقاعدة.

 الأمر الذي فهمه الظواهري جيدا حين ألغى قرار الضم، معلنا الإنحياز ضمنا إلى "جبهة النصرة" واعتبارها الفرع الشرعي للقاعدة في بلاد الشام، وهي رسالة للجماعات السلفية الجهادية العاملة في سوريا والقريبة من القاعدة لنصرتها أمثال: صقور العز، والفاتحون من أرض الشام، والكتيبة الخضراء، وشام الاسلام، ولواء البتار، وكتيبة المهاجرون، وكتائب عبدالله عزام، وغيرها.

 رسالة الظواهري وصلت إلى الفروع الإقليمية للقاعدة التي انحازت لصالح جبهة النصرة، كما وصلت سريعا إلى مشايخ السلفية الجهادية العالمية التاريخيين الذين تلقوا دعوة الظواهري بالإجابة والتأييد لقراره أمثال: أبو محمد المقدسي الذي أصدر رسالة بعنوان "ليس كمن ترضى بشق ابنها"، وأبو قتادة الفلسطيني في رسالة بعنوان  "رسالة لأهل الجهاد في الشام"، وغيرهم من المناصرين أمثال الشيخ سليمان العلوان وإياد القنيبي وغيرهم، حيث ظهرت رسائل عديدة مؤيدة لقرار الظواهري وصواب نهجه ونصرة "جبهة النصرة".

 في المقابل انحاز لدولة البغدادي عدد من مناصريه من بعض جهاديي الجيل الثاني والثالث الأكثر نشاطا في العالم الافتراضي، ومنهم :أبو سعد العاملي في رسالة "تنبيه الأنام لما في التفرقة من آثام وأهمية التوحد في دولة الإسلام"، وأبو الحسن الأزدي في رسالة  "موجبات الإنضمام للدولة الإسلامية في العراق والشام"، وأبو همام بكر بن عبد العزيز الأثري في كتابه "مد الأيادي لبيعة البغدادي"، وأبو سفيان السلمي تركي البنعلي في مجموعة من إصداراته في أرض الجهاد، وأبو المنذر الشنقيطي  في بيانه "نصرة لإعلان دولة الإسلام متى يفقهون معنى الطاعة"، وأبو محمد الأزدي في كتابه "المعارضين لدولة المسلمين"، والشيخ عانى العلم في رسالته "رد الشبهات عن الدولة الإسلامية ــ شرعية الدولة وصحتها "، وأبو يوسف البشير في رسالته " البيعة ثم البيعة ثم البيعة"، وأبو المنذر عمر مهدي زيدان في مقالات عديدة، وغيرهم.

طبيعة الجدل والنقاش الحار بين الطرفين تعكس نهجين مختلفين في تدبير الاختلافات ورؤيتين مختلفتين حول مستقبل العمل الجهادي، فقد هيمن خطاب النصيحة الناعم على أطروحات فريق الظواهري مطالبين  برأب الصدع وتحكيم العقل والعودة إلى الأصول المؤسسة للسلفية الجهادية وممثلها الأبرز تنظيم القاعدة، أما فريق البغدادي فقد هيمن خطاب القوة الصلبة على مقالاته مطالبا بالإنحياز للدولة وأميرها، ومسفها لاجتهادات خطاب النصيحة باعتبارها تتوافر على أخطاء شرعية ومغالطات تاريخية. 

فريق القاعدة بزعامة الظواهري يتمسك نظريا بالأصل التاريخي لموضوع الخلافة المؤسسه على الشورى وعلى مبادئ السياسة الشرعية المستندة إلى العدل، أما فريق دولة البغدادي فيستند إلى فقه الأحكام السلطانية التي تقوم على مبادئ القوة والشوكة وشرعية أهل الحل والعقد.

 وعلى الصعيد العملي فإن قاعدة الظواهري تتمسك استراتيجيا بتراث حرب الأنصار وكسب القلوب والعقول على أسس جيوسياسية  تقوم على استهداف الغرب عموما والولايات المتحدة وحلفائها من المستبدين في العالمين العربي والإسلامي في سبيل رفع الهيمنة وتطبيق الشريعة، ولذلك فإن حربها مفتوحة في الزمان والمكان.

أما دولة البغدادي فتتمسك بمنطق الحروب الجديدة التي تقوم على أساس الهوية (سنة ـ شيعة) ومشروعها يستهدف إيران وحلفائها في العراق وسوريا وصولا إلى لبنان التي تصفه بـ "المشروع الصفوي"  في المنطقة، وتعمل على تثبيت أقدامها بالقوة على كل شبر يقع تحت حيازتها دون الإكتراث لجلب الأنصار وكسب العقول والقلوب، بل بفرض منطقها وفق مبدأ التطهير المكاني، فدولتها حيث يقف جنودها.
 
الخلاف بين القاعدة وفرعها العراقي بدأ مبكرا إبان قيادة بن لادن للأصل والزرقاوي للفرع، وشكّلت موضوعة حروب "الهوية" دشنت عقدة الخلاف، فقد كانت القاعدة المركزية تصر على حرب الأنصار وسعت إلى بناء تحالفات مع إيران لمواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، أما الزرقاوي فقد تمسك بحروب الهوية لمواجهة "الصفوية" وكسر نفوذها مع حفظ الصراع مع الولايات المتحدة وحلفائها، وقد كشفت وثائق "أبوت اباد" التي وجدت في مخبأ بن لادن عن انتقادات حادة لنهج الفرع العراقي وتوسيع نطاق استهداف الشيعة، إلا أن الخلاف لم يتطور إلى درجة القطيعة.

اتسعت دائرة الخلاف بعد مقتل الزرقاوي في 7 يونيو/ حزيران 2006، وتولي أبو حمزة المهاجر إمارة التنظيم في العراق، وظهرت جليا عندما أعلن عن تأسيس "دولة العراق الإسلامية" بزعامة أبو عمر البغدادي 15 تشرين الثاني/ أكتوبر 2006.

 ففي ذلك الوقت أصدرت مؤسسة الفرقان الإعلامية لقاعدة العراق التي باتت تتبع وزارة الهيئات الشرعية التابعة للكيان الجديد كتابا تبرر فيه قرار إعلان الدولة بعنوان "إعلام الأنام بميلاد دولة الإسلام"، يستند إلى تراث الأحكام السلطانية التاريخي، يقرر بأن أهل الحل والعقد في الكيانات السابقة على الدولة بدءا بتنظيم القاعدة مرورا بمجلس شورى المجاهدين وصولا إلى حلف المطيبين قد بايعوا أبو عمر البغدادي أميرا للدولة.

 وبهذا تم حلّ كافة الكيانات السابقة ودمجها في أجهزة الدولة بما فيها قاعدة العراق وزعيمها المهاجر الذي أصبح وزيرا للدفاع، وأعلن في شريط صوتي بعنوان "إن الحكم إلا لله "عن ذوبان كل التشكيلات ودخولها تحت سلطة دولة العراق الإسلامية.

وجاء في بيان صادر عن الدولة الوليده ردا على من يتمسك باسم القاعدة أن الدولة الإسلامية قد بينت وفي أكثر من مناسبة أن الإخوة في "تنظيم القاعدة في العراق" سابقاً أصبحوا جزءاً ومكوناً من "جيش الدولة" الذي يضم كذلك عشرات الكتائب وآلاف المقاتلين من بقية الفصائل الجهادية.

 وقال  أبو عمر البغدادي في شريط صوتي حمل عنوان "وقل جاء الحق وزهق الباطل" : وما القاعدة إلا فئة من فئات دولة الإسلام، وقال أيضا في شريط صوتي يحمل عنوان "فأما الزبد فيذهب جفاء" " : وأمير القاعدة المهاجر أعلن وعلى الملأ بيعته وسمعه وطاعته للعبد الفقير وحُلَّ التنظيم رسمياً لصالح دولة الإسلام دولة العراق الإسلامية ".

 وبهذا قفد أعاد أنصار أبو بكر البغدادي نبش التاريخ وكرروا نفس الحجج في مواجهة الظواهري وأنصاره، فهم يصرون على أن  البغدادي لم يكن يوما مبايع للقاعدة ولا من جنودها, بل كان من جيش أهل السنة والجماعة الذي أسس مع القاعدة وفصائل أخرى مجلس شورى المجاهدين, الذي كان نواة الدولة الإسلامية في العراق.
 يتبع..
التعليقات (0)